بقلم : بنعثمان أسماء / تعتبر مدينة "تاوريرت" الشرقية من أكثر المدن المغربية إثارة للشفقة و في نفس الآن للاشمئزاز الذي ينتاب كل عابر لهذا الوسط الحضري باعتبار المسميات فقط ، حتى و إن كان على عكس ذلك من حيث المضمون .مدينة أتلفت معالمها الإيكولوجية إثر تهميش متعمد و أنشطة سكانية لا مبالية بخصوصيات التحضر و لا مميزات التأهيل الحضري ، و تصورات خاطئة لاحتياجات الطبقات الوسطى التي تشكل قاعدة الهرم السكاني بمدينة تاوريرت ، تكتلت على نحو اندماج هش جعل من هذا التجمع الحضري قبلة فضلى لمن ظن أن المدينة ملك لذويه و من حقه مباشرة حياته برفاهية و رخاء دون اكتراث لما تعيشه الأغلبية الساحقة ممن ارتاد المدينة مفضلا الاستقرار بها على أمل تحسن الوضع في ظل ما تعرفه المجالات المغربية من إعداد و تدخل لخلق توازن بين السكان و الأنشطة الاقتصادية المزاولة وفق دينامية تراعي التفاوت و تسعى نحو التكامل لتقليص الفوارق الاجتماعية الجمة التي تبسط ظلالها بين هذا القطب الاقتصادي و الفلاحي الذي يستقطب سنويا أسرا مهاجرة من القبائل و المداشر المحاذية للمدينة في لجوء لأحياء هامشية و حياة تختزل المعاناة و الحرمان في "براكة" تتقاسمها أسرة بلغت ذروة الإنجاب تفعيلا للتكاثر التقليدي .و على غرار انتشار دور الصفيح على مساحة هامة من التراب التاوريرتي ، نجد ظاهرة استغلال الملك العام من لدن المقاولات الصغرى و المتوسطة ، و حتى في صفوف الشركات المعروفة وطنيا و دوليا ، فما إن تجوب شوارع المدينة ، حتى يتسلل إليك نسيم الزيتون المخلل المنبعث من المياه المصرفة من معامل التصبير في الأزقة و على الطرقات ، أو يقع نظرك على البراميل الضخمة المنتصبة على طول الشارع ،حتى أنها تنتشر على حساب الممرات و الأرصفة التي هي أصلا ملك للدولة و لا يحق لذوي المقاولات استغلالها لحسابهم الخاص بحكم أن هذا التجاوز يخلق مضايقات عدة للمواطنين و يحرمهم من حقوقهم التي تخولها لهم الحريات ، تلك التي ناشد من أجلها رواد الفكر و الحرية طوال عقود خلت ، ليأتي الجهل و سوء التدبير و تغليب الربح المادي كمعوض لما سلف ذكره ، خاصة مع غياب منددين بالوضع الراهن بالرغم من أن السبب الرئيسي وراء أزمة التنظيم يبقى رهينا بتماطل المسؤولين و صمتهم الدفين وراء تعويضات يجنيها من أتاح له منصبه مص دم الشعب و استئصال الأمل في أن يحظى بمستوى عيش يوافق معايير التحضر الدولية في سبيل تسخين الجيوب / تثمين الحساب البنكي/ ضمان مرضاة من تسول له نفسه شراء الضمير بالمال ، و تعزيز ثقة ديناصورات المال و أقطاب الجبروت الذين يعيهم الكل بهذه المدينة مادامت تحيى على وقع التسيب و الانحلال و الانفلات الأمني . "تاوريرت" التي نسيها التغيير و غفلتها مبادرات الهيكلة ، مازالت تتخبط و حواجز الجريمة التي صارت جزء من خصوصياتها ، تتنوع بتنوع الدوافع و المبررات لكنها تبقى واحدة من حيث التيار ، تختلف ما بين القتل ، الاغتصاب ، النصب و الاحتيال ، الدعارة ،الانحلال الأخلاقي .. و غيرها من الآفات التي تبقى سائدة بالأوساط الفقيرة و المهمشة ، لكن الحديث سيبدو مثيرا للجدل ما إن كان الأمر يتعلق بالطبقات الراقية التي تخال نفسها محصنة عن الحساب و معفية من المحاسبة و غير خاضعة للقانون ، هنا سنتحدث عن ملاك المدينة و أسيادها الكبار ، تلك الفئة التي تخطئ و لا تحاسب ، تجرم و لا تعاقب ، تظلم و لا تجد من يقف بوجهها ليرد الحق .. فالكل في المدينة يشارك في الجريمة سواء بالتآمر أو الفعل أو التستر و إيلاء اعتبار للمال و النفوذ دون الاهتمام بحق المظلوم و أخلاقيات المهنة و ضوابط المجتمع المفندة في مسلسل يجسده السكان في صمت و سكون مفضلين