ينظر فقهاء القانون والسياسة إلى الحزب السياسي على اعتباره إطارا يضم في عضويته أشخاصا يحملون أفكارا وقناعات متقاربة ومشتركة بشأن قضايا المجتمع الذي ينتمون إليه ويعملون على التعريف بها والنضال من أجل تحقيقها وتطبيقها حالة حيازتهم على السلطة ، إلا أن ميزات وخصوصيات هذا المفهوم السياسي للحزب لا تسري على أحزابنا الوطنية في ظل ملكية دستورية إستأثرت بحصة الأسد من الصلاحيات ولم تُبقي منها إلا الفتات كصدقة على الأحزاب شبيهة بنفقة الزوجة المطلقة تتلقفها في مواسيمها الإنتخابية فأصبحت بذلك تلعب دور "الكومبارس" وأرنب السباق ولم تعد قوى سياسية فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي المغربي وأخذت موقعا لا يليق بها فتوارت خلف الهيئات المدنية والنقابية والحركات الإحتجاجية ، فظلت مواقفها مُلحقة ، وشكّلت امتدادا لأجندة أشغال السلطة التي احتضنتها ومكّنتها من كل أدوات الرعاية والحفظ والصون للبروز والظهور على الساحة السياسية فتخندقت هذه الرسوم السياسية المتحركة في صفوف السلطة وتلوّنت قياداتها كالحرباء وارتدت أقنعة مختلفة وهي على مبادئها وعقيدتها مرتدة وعلى انتماءاتها السياسية والإيديولوجية منقلبة وفي خدمة مصالحها سائرة. ومع الترحال والإنفصام السياسي وتغيير المواقع والأقمصة أصبح المتتبع للشأن السياسي لا يعرف اليساري باليميني ولا الوسطي بالمتطرف خاصة مع بروز أحزاب مصلحية إنبثقت من فراغ سياسي فاستقطبت واستدرجت إليها مناضلين منبطحين كانوا إلى زمن قريب يتبنون تصورات يسارية تقدمية ماركسية لينينية خاصة في الأوساط الطلابية ذات توجه النهج القاعدي الديموقراطي . وإذا كانت هذه الإيديولوجية قد أفل نجمها لصالح تيارات إسلاماوية اتخذت من الدين مطية وصل بعضها إلى سُدّة الحكم بعد إيهامها للمواطن في برامجها وحملاتها الدعائية بالتغيير وفتح ملفات الفساد والمتابعة وجدت نفسها أخيرا كالذئب الذي اشرأب إلى عنقود عنب ولما استعصى عليه الأمر فبرّر فشله الذريع بقولة ''حامضة'' أو على لسان الحزب الحاكم '' عفا الله عما سلف '' . إن الفصام السياسي وإعدام القواعد الأخلاقية في العمل السياسي ونهج أساليب الكذب والغش والخداع والمناورة الذي تظهر به الأحزاب السياسية كخفافيش الظلام في المواعد الإنتخابية وعمليات الشراء والبيع داخل المؤسسة البرلمانية التي نالت نصيبها من الإستهجان والإستنكار لا يُمكن لهذه العوامل والمحددات أن تؤهل المشهد الحزبي في البلاد وتبقى بذلك الأحزاب السياسية أحزابا موسمية تغني خارج السرب ومتنفسا للسلطة لجعلها واجهة لمشروعيتها ومشجبا لنشر مسلسلها الديموقراطي الطوباوي .