هل الديمقراطية هي فقط الاحتكام الي صندوق الانتخاب ؟ هل الديمقراطية هي فقط حكم الأغلبية بصرف النظر عن تعريف هذه الأغلبية ؟ ما هو دور الأقلية في الديمقراطية .. هل دورها هو فقط الانصياع لرأي الأغلبية والتسليم بحكمها ؟ ما هي علاقة الديمقراطية بالدين والفلسفات والمفاهيم الأخري مثل الليبرالية والعلمانية ؟ هل هناك أي تهديد للدين و خصوصية أي مجتمع الثقافية منها والدينية ؟ هل هناك ديمقراطية خاصة بالغرب لا تصلح في الشرق أو العكس ؟ هل الأقوال التي نسمعها كثيرا هذه الأيام .. أن ديمقراطيتنا يجب أن تنبع من بيئتنا وخصوصيتنا الحضارية والثقافية .. هي أقوال حقيقية .. أم هي محاولة من قبل البعض لاستغلال الديمقراطية لمصلحتهم السياسية التي تتناقض تماما مع الديمقراطية وتتناقض تماما مع مصلحة الشعوب .. أيا كانت هذه الشعوب .. غربية كانت أو شرقية ؟ محاولة لاستغلال الديمقراطية من قبل نظم وأحزاب أو جماعات هي في الأساس ليست ديمقراطية ولا تؤمن بها .. أحزاب ونظم وجماعات لا تختلف في أي شيء عن النظام الفاشي لهتلر الذي استغل الديمقراطية ليصل الي الحكم .. ويقضي عليها تماما .. ثم يكلف البشرية بعد ذلك آلاف الضحايا ممن ليس لهم أي ذنب . والسؤال الأخير .. هل ما تحاول الولاياتالمتحدة نشره في عالمنا التعيس هو الديمقراطية الحقيقية .. او علي الأقل الديمقراطية التي يتمتع بها المواطن الأمريكي أو الغربي بصفة عامة ؟ أم هي تنشر عن عمد أو غباء سياسي ديمقراطية مشوهة تضر بشعوب المنطقة أكثر مما تنفع .. بل وتضر بمصالح الولاياتالمتحدة نفسها أكثر مما تنفع .. هذه الاسئلة سأحاول الإجابة عنها من وجهة نظر شخصية .. لا أدعي إطلاقا صوابها .. ولكن أدعي أنها قابلة للنقاش والحوار الهاديء .. لإيماني التام أن أهم قيمة ديمقراطية يجب إعلائها في اي مجتمع يصبو في يوم من الأيام أن يكون مجتمعا ديمقراطيا حقيقيا وليس مشوها .. هي قيمة الحوار والنقاش الحر وحرية التعبير والتدفق الحر للأفكار .. هي وجهة نظر شخصية توصلت اليها عبر قراءات تاريخية وفلسفية .. وعبر التفاعل المباشر مع مجتمعات متعددة في الغرب والشرق .. ومن حيث أنها وجهة نظر شخصية فلا أدعي ولا يصح أن أدعي أنها الحقيقة .. ولا أدعي أنها تمثل رأي أغلبية أو أقلية .. هي تمثل فقط رأيي .. ولكني أسعي من خلال طرحها أن استميل الأغلبية الي صفي .. فهذه هي الديمقراطية في أبسط تعريف لها .. محاولة اكتساب الأغلبية الصامتة الي رأيك .. ليتحول هذا الرأي الي تجربة تطبيقية .. إن نجحت هذه التجربة في أرض الواقع .. ازدادت أغلبيتك .. وإن فشلت تتحول ألي أقليه .. وتتحول الأغلبية الي رأي آخر .. كان حرا تماما في محاولة الوصول الي عقول وقلوب الناس .. ليسحب البساط من تحت من كان يعتقد أنه يمثل الأغلبية . الديمقراطية ليست فقط صندوق الانتخاب .. صندوق الانتخاب في الديمقراطية هو فقط الوسيلة السلمية التي وصلت اليها الانسانية كبديل للسيف والقتل وإزهاق الأرواح للفصل بين الأراء المختلفة وبرامج الأحزاب لتحكم الشعوب أي برنامج تريد إعطاؤه الفرصة العملية للتجربة .. الديمقراطية كنظام هي حزمة كاملة من المباديء والقيم .. أثبتت التجربة العملية مرارا وتكرار .. أن التخلي عن هذه الحزمة من المباديء لصالح فقط صندوق الانتخاب أو صالح حكم الأغلبية .. لا بد أن يؤدي إلي نوع من أسوأ انواع الديكتاتورية والاستبداد .. ديكتاتورية أغلبية عرقية أو دينية تدعي أنها تملك الحقيقة والحق دون الآخرين .. أهم مبدأ من مباديء الديمقراطية .. أنه لا يوجد حزب أو فرد أو جماعة أو عرق ... بملك الحقيقة المطلقة أو يملك الحق الدائم في الحكم .. لا الحق الإلهي ولا الحق العنصري .. كل مايملكه أي حزب أو فرد أو جماعة هو حقها في محاولة استمالة أغلبية كافية 50 +1 لتصل الي الحكم وتحاول أن تحول مبادئها وأفكارها الي واقع قد ينجح أو يفشل والشعب فقط له الحق في الحكم علي مدي نجاح أو فشل هذا البرنامج في أرض الواقع .. وفي نفس الوقت .. لا تملك هذه الأغلبية أي حق في أن تمنع الأقلية من نشر فكرها ومبادئها .. ايا كانت هذه المباديء والأفكار .. طالما تفعل ذلك بطريقة سلمية .. في محاولة من هذه الأقلية لتكون يوما ما أغلبية .. وأن تكون بديلا جاهزا للحكم في حال فشل البرنامج العملي للأغلبية السابقة .. في رأي جموع الشعب وليس في رأي قلة منهم قد يسميهم البعض أهل الحل والعقد أو أي اسم آخر .. الشعب في مجموعه فقط هو الذي له الحق في الحكم علي النجاح أو الفشل .. السؤال التالي ماهي الأغلبية والأقلية ؟ الأغلبية والأقلية في الديمقراطية الحقيقية وليس المشوهة .. هي أغلبية واقلية سياسية .. ولا يصلح أبدا أن تكون أغلبية دينية أو عرقية .. لأن أي دعوة أو حزب يحتمي في الدين والله هو يصادر مقدما علي حق الناخب في الاختيار .. هل يستطيع أي حزب أو فرد أن يهزم الله .. لا يستطيع .. وبالتالي لا يستطيع أي حزب أن يهزم في أي انتخابات ديمقراطية حزبا آخر يقدم نفسه لجموع الناخبين البسطاء أنه ممثلا لله أو الدين .. ويضعه في اختيار صعب بين أن يختار بين البشر وبين الله .. الأحزاب والأفراد والجماعات التي تتنافس في أي نظام ديمقراطي حقيقي يجب أن يكونوا بشرا .. ويكون واضحا للناخبين بدون أي التواء أو انتهازية أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يمثلون الدين أو الله .. كل الأحزاب أو الأفراد التي تتنافس علي الأصوات في أي نظام ديمقراطي حقيقي يجب أن تكون أحزابا مدنية .. وحتي لو ادعت أن لها مرجعية دينية .. فيجب أن توضح بما لا يدع مجالا للشك للناخب البسيط أن برنامجها هو مفهوم بشري ولا يمثل بشكل كامل أي دين ... وبالتالي تصبح الشعارات العامة التي توحي للناخب أن هذا الحزب أو الجماعة أو الفرد يمثل دينا معينا شعارات غير ديمقراطية ويجب ألا يسمح بها قانونا في نظام ديمقراطي حقيقي .. إن شعار الاسلام هو الحل مثلا هو شعار غير ديمقراطي ويجب أن يكون غير قانوني .. لأنه لا يحق لأي جماعة أو حزب أن تحتكر الاسلام كشعار لها .. فالأحزاب الأخري بها مسلمين مثل تلك الجماعة تماما .. والمجتمع نفسه به عدد غير قليل من غير المسلمين .. وهم مواطنون لهم نفس الحقوق .. الأحزاب هي أحزاب مدنية تقدم برامجا مدنية في مجال الاقتصاد والسياسة والمجتمع .. من حقها أن يكون لها أراء محافظة مثل الدعوة الي عدم الإجهاض أو حتي الدعوة الي التحشم ولبس الحجاب .. أو حتي الدعوة الي أن تكون مثلا مباديء الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع .. ولكن من حق الناخب عليها أن تفصل له ما هي هذه المباديء بالضبط .. ولا تترك الموضوع مبهما في استغلال مهين لمشاعره الدينية دون أن تدعي أن وجهة نظرها تمثل الاسلام أو الدين في عمومه .. ومن حق الأحزاب الأخري أن تقنع الناخب بمفهومها لمباديء الشريعة .. أو أن الشريعة ممكن أن تكون مصدرا من مصادر التشريع من ضمن مصادر أخري وأن تحدد هي الأخري ما هي هذه المباديء .. أو أن تدعو الي أن يكون القانون مدنيا بالكامل .. دون أن تتهمها الإحزاب الأخري بالكفر والخروج من الملة .. التكفير والاتهامات الدينية ليست من ضمن قيم ومباديء أي ديمقراطية حقيقية .. وحرية الاعتقاد هي مبدأ اساسي من مباديء أي نظام ديمقراطي .. والتخلي عنه هو تخلي فعلي وعملي عن الديمقراطية نفسها .. ومهما ادعي حزب أو جماعة أنه ديمقراطي إن لم يوافق علي الحق الإنساني في حرية الاعتقاد أو يدعو الي دولة ليس فيها حق حرية الاعتقاد الكاملة وليس اعتقاد الأديان السماوية فقط .. هو يدعو في الحقيقة الي دولة دينية مهما ادعي العكس .. أما أن تكون هناك أحزاب تقوم علي اساس عرقي أو طائفي في أي نظام ديمقراطي فهو شيء يقوض الديمقراطية من اساسها .. وليس الحزب النازي هو فقط المثال علي ذلك .. بل ما يحدث في العراق الآن هو أكبر دليل .. فأن تكون هناك أحزاب شيعية أو سنية أو كردية .. افرغ الديمقراطية هناك والتي تدعي الولاياتالمتحدة أنها ترعاها من اي محتوي حقيقي وهو يدفع بالبلاد الي آتون الحرب الأهلية .. مهما ادعت الأحزاب المشاركة في العملية السياسية الآن ومهما ادعت أمريكا .. إن الادعاء أن أمريكا ترعي الديمقراطية الآن في العراق هو ادعاء كاذب .. لأن الديمقراطية التي يتمتع بها المواطن الأمريكي ليست هي التي ترعاها في العراق .. الديمقراطية الحقيقية لا تعترف بالأحزاب التي تقوم علي أساس عرقي والديمقراطية الحقيقة التي تعتبر أن الأغلبية والأقليه هما فقط أغلبية وأقلية سياسية هي في الحقيقة الطريقة الوحيدة التي تحفظ حقوق أي عرق أو طائفة في أي بلد .. إن أرادت الولاياتالمتحدة نشر ورعاية الديمقراطية الحقيقية في العراق أو الشرق الأوسط فلتشجع الأحزاب المدنية الغير طائفية ولترفع دعمها عن أي عملية سياسية تقوم علي تنافس بين أحزاب طائفية أو دينية .. أو فلتحمل عصاها وترحل حتي لو أدي ذلك الي قيام حرب أهلية في العراق .. علي الأقل في هذه الحالة سيكون الشعب مسئولا عن اختياراته .. ويجب أن يتحمل هذه المسئولية .. هل الديمقراطية ضد الدين ؟ بالطبع الإجابة في رأيي هي لا .. فالديمقراطية لا تعارض أي مواطن يعيش في ظلها في أن يؤمن بدينه كما يريد ويقتنع وأن يقيم شعائر هذا الدين كما يؤمن به .. ولكن الديمقراطية الحقيقية تفصل بين الدين والدولة وأي نظام أو حكومة لا تفعل ذلك هي نظام غير ديمقراطي مهما ادعت العكس .. والأفضل لها ولشعبها أن تعترف بالحقيقة أنها تكرس للدولة الدينية .. حتي يكون الأمر واضحا للشعب .. لأنه في هذه الدولة سيكون لأصحاب الدين الغالب أفضلية في كل شيء مهما ادعي البعض بالعكس .. وستكون هناك أقلية دينية لا تحصل علي حقوقها كاملة مهما ادعي البعض العكس .. والأفضل الاعتراف بالحقيقة بدلا من الرقص علي السلم .. حتي يعرف الجميع مالهم وما عليهم بدلا من القلاقل الاجتماعية .. إما أن يكون النظام هو نظام ديمقراطي كامل بفصل بين الدين والدولة والأحزاب فيه هي أحزاب مدنية والأغلبية والأقليه هما أغلبية واقلية سياسية وليست دينية وعرقية .. النظام الديمقراطي الحقيقي يعني حرية التعبير وحرية العقيدة وحق الأقلية (السياسية) المحمي بالقانون في إعلان رأيها ومحاولة أكتساب الشعب لتصبح هي الأغلبية يوما ما .. حتي لو كانت هذه الأقلية فردا واحدا ... لابد أن يحمي القانون هذا الفرد ويعطيه حقه كاملا في محاولة الوصول برأيه الي الناس طالما يفعل ذلك بطريقة سلمية ودون تحريض علي العنف .. العنف الجسدي والمعنوي .. أن كل دساتير الدول العربية بلا استثناء هي دساتير غير ديمقراطية .. حتي لو نصت علي بعض الحقوق التي تبدو في ظاهرها ديمقراطية .. و هي دساتير تكرس لدولة ديكتاتورية قومية كانت أو دينية .. وهي تؤدي الي نظم حكم مشوهة وكسيحة وفوضي دستورية وقانونية عبارة عن قوانين متضاربة وأحكام تقوم علي مدي اقتناع من يحكم من القضاة وتفسيره الشخصي للدستور .. هل هو دستور علماني أم دستور ديني .. فالدستور وخاصة الدستور المصري يمكن تفسيره علي الوجهين .. وهذا هو السبب الرئيسي لحالة الاحتقان الطائفي والسياسي الحادث في مصر .. لقد آن الأوان أن نحدد ماذا نريد .. إما أن نكون دولة ديمقراطية كاملة ومن هذا المنطلق يجب القيام بالاصلاحات الدستورية اللازمة .. التي تعلي من قيم الديمقراطية ومدنية الدولة والعمل السياسي فيها .. وتعلي من قيم المواطنة وحقوق الانسان .. وحرية العقيدة .. أو نوافق جماعة الاخوان علي رؤيتها ونصبح دولة دينية اسلامية .. ونتخلي عندها عن حقوق المواطنة وحرية العقيدة .. وحرية الراي والتعبير .. فالدولة الدينية تضع قيودا علي كل هذه الحريات ومن يعتقد عكس ذلك هو واهم او حالم .. وهذه هي الدولة التي تدعو اليها جماعات الاسلام السياسي وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين ... مهما ادعت العكس .. أما ماتدعو اليه حكومتنا الحالية وتكرسه فهو نظام مسخ مشوه ودستور سمك لبن تمرهندي .. وفوضي قانونية ودستورية .. نحن علي مفترق الطرق .. إما أن نختار الديمقراطية بكل مبادئها وقيمها كحزمة كاملة.. وإما أن نختار الدولة الدينية الاسلامية بجميع مقوماتها .. والديمقراطية ليست جزءا من هذه الدولة .. لا وسيلة ولا غاية .. أما أن نظل فيما نحن فيه ... فهو الانتحار الحضاري بعينه .. الديمقراطية لم تكن ابدا هي فقط صندوق الانتخاب والخضوع للأغلبية .. إنها حزمة كاملة من المباديء والقيم .. أهم ما فيها سيادة القانون المدني .. و حق الجميع السياسي وليس الديني أو العرقي في الوصول الي الحكم والتنافس السلمي في ذلك .. واحترام حرية العقيدة وحرية التعبير والراي وحقوق المواطنة بصرف النظر عن الدين والجنس واللون والفصل بين الدين والدولة ومنع قيام الأحزاب علي أساس ديني أو عرقي .. أنا اري أن المستقبل هو للديمقراطية بهذا المعني .. البديل الآخر المطروح هو ما تعرضه علينا جماعة الاخوان وجماعات الاسلام السياسي وهو نظام ليس له أي علاقة بالديمقراطية من بعيد أو قليل .. ولكنه في النهاية قد يكون بديلا أفضل مما نحن فيه الآن.. نظم حكم مشوهة ... لا هي ديمقراطية ولا دينية .. بل مجرد نظام مسخ مشوه .. تضيع فيه الحقوق .. حقوق الجميع .. أغلبية كانت أم اقلية .. ولا يكسب فيه إلا المنافقون والفاسدون .. لقد آن لشعوبنا أن تقرر أي طريق تختار .. أنا أدعو الي احتيار الديمقراطية الكاملة بكل قيمها فهي المستقبل .. ولكن الشعوب هي من تختار في النهاية ويجب أن تتحمل مسئولية اختياراتها ,, لقد اختار الشعب العراقي مثلا نظاما طائفيا بغيضا ليس له أي علاقة بالديمقراطية ويجب أن يتحمل نتيجة اختياراته ... كما اختار الشعب الفلسطيني حماس لأنه اعتبر الديمقراطية هي فقط صناديق الانتخابات ولا يحق له الآن العويل واستجداء المساعدات من النظام العالمي فحماس لا توافق علي المعاهدات التي أبرمت في ظل هذا النظام والتي تقدم من خلالها المساعدات وحماس كحكومة هي من يجب أن تتحمل المسئولية في توفير احتياجات شعبها فهذه هي مسئولية أي حكومة منتخبة وإن لم تنجح يصبح من حق الشعب أن يسقطها .. والولاياتالمتحدة يحب أن تقرر موقفها .. إن أرادت نشر الديمقراطية في عالمنا ... فلا توجد الا ديمقراطية واحدة.. وهي الديمقراطية التي يتمتع بها المواطن الأمريكي .. أما ديمقراطية السمك لبن تمر هندي التي ترعاها الآن كما يحدث في العراق .. فالديكتاتورية أفضل منها والدولة الدينية الصريحة أفضل منها .. وإن أرادت أمريكا نشر مثل تلك الديمقراطية فأفضل لها ولنا أن ترحل عنا وتتركنا لمصيرنا ..