فى 19 يناير 2011 وتحت عنوان "الأمن ليس أساس الملك" ، كتبت أن المصريين شعب غير خانع كما يظن حكامه ، وأنه لا يمكن لأحدٍ توقع ثورته أو الرهان على صمته ، وأنه وإن كان شعباً مسالماً صبوراً الى أقصى حد ، إلا أنه يتلمس سبل خلاصه أثناء صبره وإن طال عليه الزمن ، حتى اذا امتلكها لم يفلتها .. لا هى ولا رقاب جلاديه ، وحذرت ونصحت النظام المصرى وبقية الأنظمة العربية شقيقته فى البطش والطغيان أن يتقوا الله تعالى وأن يبدأوا من فورهم بإزالة أسباب الاحتقان الجماهيرى وطرح إصلاحات حقيقية دون ارتكان الى القمع الأمنى كحلٍّ أثبت رجال تونس الأبطال فشله فى مواجهة الثورة على القهر والفساد والاستبداد ، وأن ينصتوا وينتبهوا لجرس الإنذار التونسى الذى قرع بصلصته أسماع العالمين ، وأن يعوا جيداً أن الشعوب موصل جيد للثورات خاصة اذا تشابهت ظروفها وأعرافها ، وما هى الا أيام قليلة ثار بعدها الشعب المصرى وانتصرت خطواته الأولى بإرادة الله تعالى ليؤكد هو الآخر أن "الأمن ليس أساس الملك" وانه لن يكون يوما ما ، وتخيلنا بعدها أن ما حدث فى تونس ثم فى مصر سيكون نذيراً لبقية أنظمة الاستبداد العربية سيدفعها الى الإصلاح إستباقاً للثورة ودون سفك للدماء ، إلا أن ظننا ذهب أدراجه مع الغشاوة التى فرضها سبحانه على أعين أصنام العرب المتألهين العابدين لأنفسهم من دونه تبارك وتعالى ، فبدأت الآن فى الترنح بالفعل لأنها رفضت تحقيق ما يمكنه اطفاء غضبة الشعوب ، أو فلنقل أنها لم تعد تملكه بعد أن اتسع الخرق على الراتق وتعملق الفساد وبات ولا يوجد رأس لتقطعه ! ، فسلكت نفس الطريق الدموى الذى سلكه النظام التونسى ثم المصرى ، وزادت باختيارها تدمير مقومات البلاد والمواجهة الأمنية الفاشلة التى تؤجج أتون الثورات وتذكيها بدماء الشهداء ، بل إن بعضهم تجاوزت قريحته فاختار حرب الإبادة وسياسة الأرض المحروقة كالقذافى صاحب الصولجان الذى لا أدرى أى شعب سيحكم إذا ما تمكن بآلته العسكرية من إبادة شعبه عن بكرة أبيه ؟! أو الرئيس اليمنى الذى قتل العشرات بدماء باردة بعد أن تجرأوا وطالبوه بالإصلاح أو الرحيل ! ، فى عناد وعدم مسئولية سيؤدى ، بعد العراق والسودان ، الى تقسيم ليبيا الى ثلاث أو أربع دول ، وتجزئة اليمن الى دولتين أو ثلاث خاصة إذا قرر فصيل "الحوثيين" أن يصبح دولة مستقلة ستصبو الى ضم الجزء الملاصق من سلطنة عمان تحت الهيمنة الإيرانية التى تفعل الآن ذلك فى البحرين والتى سينتقل منها الشرر ، كما نتوقع ولمبررات تختلف عن حالة تونس ومصر وليبيا واليمن ، الى ساحل الخليج العربى بكامله الذى شاءت ارادته سبحانه أن يكون مرابض البترول العربى وديار الأغلبية الشيعية فى دول الخليج ، وهو خطر ، أعنى التقسيم ، ليست مصر منه ببعيد إذا لم نتكاتف ونأخذ حذرنا ونقرأ مجمل الأحداث على الأرض قراءة دقيقة ومتأنية !!! ثم ستليها ، أو ستسبقها ، دول عربية أخرى ليعاد تشكيل اتفاقية "سايكس بيكو" من جديد ولكن بتفتيت المنطقة وزيادة عدد دويلاتها تحقيقاً لنظرية "الفوضى الخلاقة" التى تستخدم بعض العملاء من الحكام العرب لتفعيلها بخيانتهم أو بغبائهم الشديد ! فالسياسات الاستعمارية لا يمكن تطبيقها فى أى زمان أو مكان إلا إذا وجدت العميل الذى يمكنه تهيئة مناخ بلاده للفوضى والانقسامات الطائفية او المذهبية او القبلية ، وهو ما حدث ويحدث الآن وما سيحدث غداً حسب قرائتى المتواضعة ! ولنتذكر جميعاً أن الإرادة الشعبية العربية الحرة إذا تمكنت فستأتى لا محالة ضد رغبات الإدارات الأمريكية وإن تبدلت بين "الحمار والفيل" ، رمزى الحزبين الرئيسيين ، وضد تابعتهما القميئة كذلك ، فهل سيسمح "الفيل أو الحمار" ، أعزكم الله ، أن تفرض تلك الإرادة العربية الحرة نفسها فى أى مكان وتختار بحرية من بين أبنائها من يتولى إدارة الحكم دون تدخل أمريكى فتكون النتيجة سقوط تلك الدول المحورية من السلة الأمريكية ومصالحها الى الأبد ؟ أظنه لن يحدث .. إلا إذا قيض الله تعالى بعضاً من عباده غير العملاء المخلصين فى سرهم وعلنهم لتولى إدارة البلاد .. أى بلاد ! ويبدو أنه صحيح ما قاله وزير الدفاع الصهيونى "موشى ديان" أعقاب هزيمة 1967 حين سئل فى حوار اعلامى ( إن الخطة التى اتبعتها فى حرب 1967هى نفسها التى ذكرتها فى كتابك " مذكرات حملة سيناء 1956" ! ألم تكن تخشى أن يقرأها العرب فيتدبروا أمرهم ويستعدون للمواجهة ؟ ) فأجاب بغرور وثقة "لا .. فالعرب لا يقرأون" ! ، وقد فهمت الآن أن المجحوم ، بإذن الله ، كان يقصد بمقولته التقريرية بعض حكام العرب لا كل العرب .. وأنهم هم الذين لا يقرأون .. لا التاريخ ولا الجغرافية ولا الواقع .. ولا حتى "شرشر وفلفل" ! ضمير مستتر: يقول تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ } الأنفال23 علاء الدين حمدى