- عندك شي و ليدات.... سألتها المولدة و هي تنظر إلى الطفل الذي عطس عطسة خفيفة قبل أن يصرخ معلنا عن وصوله. أجابت بإنهاك شديد "لا عندي بنت". بسرعة بشرتها" مبروك عليك" تزاد عند وليد.هانتي شوفيه..،و حملته برفق، خصوصا و أن حبلا طويلا لا زال يتدلى من بطنه، حتى تستطيع أمه رؤيته.ابتسمت و هي تتأمله، و تذكرت ما كانت تقوله لها أمها دائما "غير تشوفي عويناتو تنساي وجيعاتو" دخلت امرأة اخرى تلبسوزرة بيضاء حملت الطفل بعد أن قطعت المولدة الحبل الذي كان يربطه بأمه، و سألتها عن مكان ملابسه، فأشارت بيدها المرتجفة إلى حقيبة صغيرة جلبتها معها، فتحتها و أخذت منها الملابس و الحفاظة و اختفت في الممر. ظلت تتبعها بعينيها المتعبتين و كان تستودعها روحها التي رافقتها و قاسمتها كل شيء طيلة تسعة أشهر، قبل أن يعيدها صوت مولدتها التي فاجاتها و هي تضغط على بطنها "زحمي صبري" يا إلهي ولادة جديدة و الام جديدة. ماذا هناك؟ صرخت قبل أن تشعر بأشياء دافئة تنساب إلى الخارج. - "صافي دابا تخلصتي على سلامتك" على إيقاع كلمات المولدة أغمضت عينيها و هي تحس كأنها تحت تأثير مخدر بسبب كل ما عانته من الم: كانت تشعر بان يدا تحرك شيئا ما أسفلها، لكنها لم تقو على فتح عينيها لتعرف ماذا يجري. مرت لحظات و هي تزال في نفس الوضع، بدأت القشعريرة تسري في جسمها ابتداء من رجليها العاريتين و بدأت أسنانها تصطك، خصوصا و أنها كانت ملقاة على فراش بلاستيكي بارد زادت من برودته تلك الدماء و السوائل التي خرجت من جسمها و ترسبت أسفل ظهرها، لم تجد أحدا لتطلب مساعدته، لم تفهم ماذا يجري لان القاعة التي كانت تضج بالحركة خيم عليها سكون غريب لم تكن تقطعه إلا صرخات النساء اللواتي كن يلدن رجعت المرأة التي أخذت الطفل .. وضعته برفق في مكانه، و ما إن رأتها حتى بدأت تتوسل إليها، "عافاك قتلتي البرد غطيني". لكنها أجابتها :" بلاتي باقي ما ساليتيش الالة، راه باقي غادي يخيطوك". نزل الخبر على رأسها كالصاعقة ، لأنها تعرف جيدا ماذا يعني ذلك خصوصا و أنها مرت من هذه التجربة التي تعتبرها كل النساء أصعب من الولادة في حد ذاتها. لكم تمنت ألا يخيب أملها في ان تكون ولادتها طبيعية و ألا تحتاج إلى أية غرز إضافية في مناطق حساسة من جسمها. أفاقت من صدمتها لتسأل عن حجم التمزق الذي تسبب فيه خروج الطفل إلى الدنيا حتى تعرف عدد الغرز التي ستكون من نصيبها لكنها وجدت نفسها وحيدة مرة أخرى نسيت البرد الذي كان يجمد نصفها السفلي و بدأت تدعوا الله أن يعينها على ما سيأتي دون أن تنسى أن ترفع بصرها في اتجاه طفلها الذي بدا يعطس و سرعان ما عرفت سبب كل هذا البرد الذي أصبح صغيرها يتقاسم معها أن النافذة الزجاجية الكبيرة في تلك القاعة كانت مكسورة. دخلت فتاة في العشرينيات تحمل في يدها عدة الخياطة حاولت ان تهون عليها نظرت غليها و هي تبتسم و خاطبتها بود " على سلامتك اش ولدتي – وليد" أجابت بصوت هادئ حاولت الفتاة إعدادها نفسيا لتسهل عليها مأموريتها فأضافت بنظرة مازحة دابا شنو بغيتي نصاوب ليك الطرز الفاسي و لا رباطي؟ كانت مزحة مخيفة، يا إلهي جسمي أصبح قطعة ثوب سيتم تطريزها على ذوق هذه الطرازة تضيف السيدة قائلة لم تمضي سوى لحظات حتى بدأت "الخياطة" في أداء مهمتها دون أي تخدير لا موضعي و لا كلي، و كلما ثقبت الإبرة مكانا في جسمها صرخت و طلبت الرحمة و كأنها تحت التعذيب، فكانت الفتاة تدعوها إلى التحلي بمزيد من الصبر، و تعدها بان التالية ستكون أخر غرزة، لكنها كانت تتوسل إليها و تقول "أرجوك اتركي كل شيء كما هو، لا تصلحي شيئا، أكاد أموت" لم تنفعها توسلاتها في شيء و استمرت الفتاة في عملها استيقظت لم تعرف كم مضي من الوقت، لكنها لاحظت أنها مغطاة ببطانية تنبعث منها روائح كريهة، و أن هناك برودة تسللت إلى ظهرها، خصوصا و أن الجزء الأسفل من جسمها لا يزال على نفس الوضع الذي كانت عليه عندما شملتها تلك الإغفاءة كرحمة نزلت في وقتها لتخفف عنها بعض العناء كانت الحركة في الممر تتزايد هناك وجوه جديدة لم ترها قبل أن تغفو احتاجت إلى بعض اللحظات لتتفهم أن الفريق المتناوب الذي أشرف على توليدها غادر بمجرد وصول موعد مغادرته، و تركها ملقاة على ذلك الفراش البلاستيكي، و لعل احدهم كان رحيما بها حيث تكرم و غطاها بهذه البطانية. دخلت امرأة شديدة السمرة، ممتلئة القوام، رفعت الغطاء النتن، بدأت تتمتم بكلمات غير مسموعة، قبل أن تسألها عن ملابسها، أشارت بيدها إلى الحقيبة. فتحتها و أخرجت منها حفاظا نسائيا و ملابس داخلية ساعدتها على ارتدائها بعد أن مسحت الدماء التي تجمدت أسفل ظهرها و تحت فخذيها، بصعوبة بالغة ساعدتها على الوقوف لتغير ملابسها التي امتلأت بالدم، ثم وضعتها على كرسي متحرك ووضعت الأبيض في حجرها طفلها و ملفها الأبيض و دفعتها في اتجاه المصعد، لتجد لها مكانا في طابق علوي حيث ستقضي يوما أخر قبل أن تعود إلى بيتها وتغادر مستشفى الفارابي...