خلقت الاحتجاجات الشبابية المطالبة بالاصلاح ديناميكية في الحياة السياسية المغربية، حملت خلال الاسبوع الجاري عنوان مقاربة الاحزاب السياسية لورشات الاصلاح الدستوري الذي قدمه العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 9 اذار/مارس الجاري واعتبر خطوة متقدمة نحو دولة الحق والقانون. واستقبل المستشار الملكي محمد معتصم طوال الاثنين قادة الاحزاب، كلا على حدة، واستمع الى مقاربة كل منهم للاصلاحات التي يقترحها على ضوء مذكراتهم المكتوبة بهذا الشأن. وسارعت الاحزاب الى عقد ندوات صحافية لشرح مقارباتها وتفسير مواقفها من مختلف القضايا المطروحة للنقاش خاصة المثير منها للجدل وتحديدا الفصل 19 من دستور 1972 الذي يمنح الملك سلطات شبه مطلقة كامير للمؤمنين ورئيس للدولة فيما مشروع التعديلات الدستورية كما جاء بالخطاب الملكي تتحدث عن سلطات واسعة للوزير الاول وحكومته وللبرلمان واستقلال القضاء. ويؤكد حزب الاستقلال الحزب الرئيسي بالحكومة إنه لا علاقة له بالفصل '19' وأنه لم يطالب بتعديله أو تغييره، لكنه طالب بخلق منصب 'رئيس الوزراء' الذي يملك السلطة التنفيذية ويفوض له الملك جزءا من صلاحياته، كما طالب بأن تصبح الظهائر الملكية (المراسيم الملكية) عبارة عن مقترحات قانون تقدم للبرلمان. وقال الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انه يؤيد ابقاء على إمارة المؤمنين في الدستور المقترح تعديله، لأنها 'ضمان للاستقرار والوحدة الترابية، والضامن للاتفاقات والمعاهدات الدولية' وان يكون من صلاحيات الملك 'تعين رئيس الحكومة من الحزب الفائز في الانتخابات، وإمكانية إقالته من مهامه' وله الحق في 'تعيين الوزراء بناء على اقتراح من رئيس الحكومة'. وقال محمد الأشعري عضو المكتب السياسي للحزب 'نحن مع أن يكون للملك دور في التوجيه واتخاذ القرار فيما يتعلق بالمواضيع الأمنية، والشؤون الخارجية، أو عندما يتعلق الأمر بقضايا الدفاع الوطني'. ويرى حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي) ان أي مقاربة لموضوع الملكية، في سياق الإصلاح الدستوري الشامل، يتعين أن تُبعد المنطق المحافظ الذي يعمل على إضفاء شكليات جديدة على واقع مؤسساتي جامد، ومنطق المزايدة الذي يروم إضعاف المؤسسة الملكية في مشروعيتها. وقال نبيل بن عبد الله الامين العام للحزب ان حزبه يؤمن ان للمؤسسة الملكية جدلية الاستمرارية التاريخية والجنوح التقدمي، أي يفسح المجال أمامها لتضطلع بدور الحكَم والموجه الذي يتوفر على الآليات التي تحفظ له المكانة المرجعية في المجتمع من جهة، والقدرة على التدخل كأمير للمؤمنين ورئيس للدولة مؤتمن بهاتين الصفتين، على حماية الدين والدستور والحقوق والحريات، وضامن لاستقلال البلاد وحوزتها الترابية. ويرى أن 'التنظيم المؤسساتي الجديد، انطلاقا مما سبق، عليه أن يكون واضحا في أن السلطة التنفيذية بيد الوزير الأول والحكومة، علما أن الإشكال النظري والمنهجي المطروح أمامنا هو حسن اقتباس المقاربة النظرية للنظام البرلماني كي يستقبلها النسق التاريخي المغربي خير استقبال'. وقال بن عبد الله ان 'المطروح أمامنا هو اقتباس مقاربة مؤسساتية ديمقراطية متفردة تزاوج في آن واحد بين المكانة التاريخية الأساسية للملك المغربي، ومستلزمات مؤسسة عصرية للوزير الأول الماسك بالسلطات التنفيذية الفعلية'. واكدت الحركة الشعبية أنها مع الإبقاء على الفصل 19 بصيغتها الحالية وانها مع 'الملكية الدستورية'. وقالت مصادر حزب العدالة والتنمية الاصولي والذي يحتل المرتبة الثانية بالبرلمان ان وثيقته التي قدمها لجنة الاصلاح الدستوري تؤكد على ''ملكية ديمقراطية قائمة المؤمنين'' وما تقتضيه من تنصيص دستوري على ''البيعة على أساس الدستور'' وتجاوز حالة الفراغ الدستوري القائمة في هذا المجال، ودسترة المؤسسات التي يرأسها الملك بصفته أميرا للمؤمنين كالمجلس العلمي الأعلى، مع التنصيص على ''استقلالية العلماء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية''، وأن يتم النص على ممارسة الصلاحيات المرتبطة بالفصل 19 ب''وفق مقتضيات الدستور''. وتتحدث الوثيقة عن حاجة المغرب الى ''دستور يستند على المرجعية الإسلامية له ويؤهله لكسب تحديات التنمية الصالحة والعدالة الاجتماعية ، ويعزز إشعاعه الحضاري المرتكز على رصيده التاريخي وتنوعه الثقافي'' وأن ''رهان الإصلاح الديمقراطي المطروح اليوم يضع المغرب على أبواب الملكية المغربية الثانية لدولة ما بعد الاستقلال، والتي ستنقل الدولة المغربية من دولة التحكم إلى دولة التشارك بين مجموع مكوناتها في القرار خدمة للصالح العام''. ومن الإجراءات في مجال الهوية والمرجعية تطلب الوثيقة 'أن لا تخالف التشريعات والقوانين المتخذة تعاليم الدين الإسلامي'' و''حماية حرية ممارسة الشعائر الدينية وصيانة المجتمع من الممارسات المستفزة للشعور الديني''، و''أن يكون من اختصاصات المجلس الدستوري النظر في مدى مخالفة التشريعات لتعاليم الإسلام في حالة إثارة ذلك من قبل أعضاء البرلمان وفق القواعد القانونية المنظمة لذلك'' وان ''العربية كلغة رسمية وان تتم دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية بالحرف العربي و''التنصيص الدستوري على تجريم التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وكل ضروب المعاملة القاسية التي تحط بالكرامة الإنسانية''. ويقول الحزب الاشتراكي الموحد إن 'الانتقال بالملكية المغربية من ملكية حاكمة إلى ملكية برلمانية تكفل ربط القرار بصناديق الاقتراع وربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة على جميع المستويات، يعني إرساء قطيعة مع ماضي الحكم التقليدي ومباشرة الملك اليوم لأدوار رمزية وتحكيمية تشخص استمرارية الدولة وتسمح بتداول البرامج والسلطة الفعلية بين الأحزاب طبق القواعد العامة للنموذج المتعارف عليه عالميًا للملكية البرلمانية وليس بمعزل عن إحداها.' ان 'الشعب هو صاحب السيادة والمصدر الوحيد لكل السلط. وان جميع سلطات التقرير والتشريع والتنفيذ يجب أن تُوضع بين أيدي المنتخبين. ويُوكل الإشراف على الانتخابات إلى هيئة دستورية مستقلة' وان تخضع كل المؤسسات والسلط لأحكام الدستور وحده ولا يمكن الاستناد إلى لقب ديني من أجل اعتبار سلطة ما فوق الدستور أو غير مقيدة به، أو لجعل كل ما يصدر عنها من قرارات وتصرفات محصنا ضد النقد والمراقبة'. ويطالب الحزب اليساري المعارض بان 'رئيس الوزراء هو الرئيس الوحيد الرسمي والفعلي للسلطة التنفيذية ويتولى المجلس الحكومي الصلاحيات الأساسية لمجلس الوزراء الحالي. والإطار الوحيد لإدارة السياسة العامة للبلاد سواء تعلق الأمر بالمناحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية أو بمناحي الأمن والعلاقات الخارجية.