تلجأ الانظمة الحاكمة، جمهورية كانت او ملكية، لطلب المساعدة العسكرية في حالات محدودة جداً، وكملاذ اخير، حفاظاً على سمعتها، او سيادتها، او هيبتها امام شعوبها، من بينها تعرضها لغزو خارجي يريد اطاحتها من سدة الحكم، او لمصلحة جهة أخرى، او لاحتلالها بالكامل. الكويت استعانت بالولايات المتحدةالامريكية وقواتها العسكرية الضاربة مرتين، الاولى عندما تعرضت ناقلاتها النفطية لهجمات ايرانية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي بسبب دعمها للعراق في حربه ضد ايران، والثانية عندما احتلتها قوات عراقية في صيف عام 1990. ومن هنا فإن طلب البحرين من دول الخليج التي ترتبط معها في منظومة مجلس التعاون الخليجي لا يستقيم مع هذا المنطق، وان كنا نعارض اي تدخل اجنبي، سلمياً كان او عسكرياً في الشؤون العربية، ونرحب في الوقت نفسه بالحلول العربية لكل مشاكلنا مهما تعقدت، لشكوكنا في الاجندات الخارجية والنوايا غير الطيبة الكامنة خلفها. البحرين لم تتعرض لغزو خارجي حتى تستعين بقوات درع الجزيرة التي لم نسمع بها طوال العشرين عاماً الماضية، ولم نر اي مشاركة لها في اي ازمة خليجية، وكانت مشاركتها في حرب 'تحرير' الكويت رمزية، وكل ما سمعناه، او قرأنا عنه، انها ظلت دائماً موضع خلاف بين دول المجلس حول عددها وكيفية تسليحها، مما أدى الى حالة جمود في نموها، ودخولها مرحلة النسيان. الازمة في البحرين داخلية، والاحتجاجات فيها ذات طابع سلمي صرف، وهي احتجاجات ترفع مطالب مشروعة في المساواة والعدالة، والاصلاح السياسي في اطار النظام الحاكم، ولم يستعن المحتجون بأي قوى خارجية، اقليمية او دولية، للتدخل لحمايتهم في مواجهة قمع قوات الامن، وشاهدنا اعداداً كبيرة من المتظاهرين وقد قتلوا او جرحوا برصاص هذه القوات. قد يجادل البعض بان هؤلاء من ابناء الطائفة الشيعية، وان قطاعاً منهم، رفع صور الامام الخميني اثناء المظاهرات للتدليل على ولائهم لايران، وهذا كله صحيح، ولكن اذا كان قطاع من هؤلاء له مظلمة ما، فإن من واجبنا ان نستمع اليهم، وان نحاورهم، وان نتفهم مطالبهم وان نقدم حلولا لها. ألم يرفع خليجيون 'اقحاح'، سنة وشيعة، صور الرئيس الامريكي جورج بوش، بل ألم يطلق بعضهم اسمه على مواليده تيمناً وولاء وعرفاناً بالجميل لانه انتصر للكويتيين واخرج القوات العراقية الغازية من بلادهم؟ فهل تراجع هؤلاء او ندموا عندما اقدم الرئيس بوش الابن على احتلال العراق وقتل مليونا من ابنائه، ويتيم اربعة ملايين طفل، وبذر بذور المحاصصة الطائفية في البلاد وسلم الحكم بالكامل للميليشيات الشيعية؟ ' ' ' لم نكن طائفيين ابداً ولن نكون، ومثلما نعارض تدخل دول خليجية في الازمة البحرينية على ارضية طائفية بغيضة، فاننا سنعارض اي تدخل ايراني وفق الاعتبارات نفسها في المقابل، فنحن نطالب بالمساواة والعدالة، وترسيخ اسس المجتمع المدني، وحكم القانون. ارسال قوات سعودية واماراتية وكويتية وقطرية الى البحرين لن يحل المشكلة، بل سيؤدي الى تعقيدها، وتفريخ مشاكل اخرى اكثر خطورة، من بينها هز استقرار منطقة الخليج، وتهديد هويتها العربية، وتفتيت وحدتها الوطنية. استدعاء ايران لسفيري البحرين والسعودية في طهران للاحتجاج على دخول هذه القوات الخليجية الى البحرين امر مدان ومستهجن ايضا، لانه ليس من حق ايران تنصيب نفسها المدافع عن العرب الشيعة في البحرين، الذين صوتوا عام 1971 من اجل الاستقلال وعدم الانضمام اليها، في استفتاء حر ليثبتوا بذلك انتماءهم العربي، وليقدموه على مذهبهم الشيعي. فاذا كان من حق ايران تنصيب نفسها مدافعا عن الشيعة العرب، فان من حق العرب السنة، او الاتراك السنة، ووفق المنظور نفسه حماية السنة الايرانيين، او الشيعة العرب في منطقة الاحواز ايضا. دول الخليج، والمملكة العربية السعودية بالذات، تسرعت في اتخاذ قرار التدخل وارسال قوات عسكرية الى البحرين، حتى لو جاء ذلك من زاوية اظهار اكبر قدر ممكن من التضامن مع الاسرة الحاكمة فيها. فقد كان من الاجدى حث هذه الاسرة على ضبط النفس، والتحلي بالصبر، والدخول في حوار جدي مع ابناء شعبها، والتجاوب مع مطالبه المشروعة، وعدم أخذ الغالبية الساحقة من المتظاهرين بجريرة فئة صغيرة تنطلق من خلفيات طائفية طابعها الحقد على الآخر. نفهم ولا نتفهم، لو ان القوات الخليجية التي ارسلت الى البحرين، كانت ذات طابع امني، ومتخصصة في مواجهة اعمال الشغب، ولكن ان تكون قوات نظامية عسكرية فهذا امر يكشف عن قصور في ادارة الازمات، والرؤية الاستراتيجية الواعية والمتبصرة بالاخطار. الكثير من الخبراء الاستراتيجيين في الغرب يفسرون اقدام المملكة العربية السعودية على المبادرة بارسال الف جندي الى البحرين على انه خطوة 'استباقية' لمنع وصول الاحتجاجات الى المنطقة الشرقية ومدنها مثل القطيف والهفوف والدمام، حيث تتمركز الاقلية الشيعية، وهذا تفسير فيه وجهة نظر قد تبدو صائبة، ولكن الحكومة السعودية تتصرف مثل الذي يطلق النار على قدمه، لان هذه الخطوة قد تشعل فتيل الاحتجاجات، وبصورة اقوى في اوساط هؤلاء، وتفتح الابواب امام تدخل اطراف خارجية. ' ' ' الهروب من الاصلاحات السياسية التي يطالب بها معظم ابناء الخليج، سنة وشيعة، اسوة بزملائهم العرب الآخرين في الدول العربية الاخرى، بتفجير خلافات مذهبية، واذكاء نيران الفتنة الطائفية توجه خطير جدا، وربما يعطي نتائج عكسية تماما. الاصطفاف المذهبي الذي تعمل بعض حكومات دول الخليج على تكثيفه وتعميق جذوره، مدعومة بارصدة مالية هائلة، وعلاقات دولية راسخة خاصة مع القوى الغربية، ربما تكون خطرة في الاطاحة بانظمتها اكبر من خطر التجاوب مع مطالب الاصلاح الشعبي المتنامية. نعلم جيدا ان بعض الحكومات الخليجية تكابر، وترفض تقديم اي اصلاحات لمواطنيها تحت ذريعة انها ترفض سياسات لي الذراع، او التنازل تحت ضغوط المظاهرات، ولكن هذه المكابرة لن تفيد اذا ما انفجر الصراع المذهبي في المنطقة، واضطرت بعض الجهات المتطرفة، بدعم خارجي للجوء الى سلاح العنف والارهاب، وهناك مخزون هائل من الخبرات في هذا المجال في اكثر من مكان في دول المنطقة والعراق ولبنان احداها. كان بامكان حكومة البحرين امتصاص هذا الاحتقان، او الجزء الاكبر منه، بالتجاوب مع بعض مطالب المحتجين بتغيير رئيس الوزراء، وتعديل الدستور مثلما فعلت مصر، ومثلما وعد السلطان قابوس، ولكنه العناد الذي سيدمر المنطقة ويهز استقرارها، ويجرها الى حروب اهلية طائفية يعلم الله متى ستتوقف، وكم من الارواح ستزهق فيها. حكومات دول الخليج وخاصة السعودية تباهت على العرب 'الثوريين' الآخرين بمدى حكمتها وتعقلها ورباطة جأشها، والتعاطي مع الازمات بواقعية، ونخشى ان يكون تعاطيها مع ازمة البحرين خروجا عن هذه الثوابت.