بقلم عبدالصادق عبادة كل شيء في هدا المكان العزيز الذي ينتظر منه أن يقدم وظيفة جماعية تشاركية وديمقراطية تساهم بشكل أو بآخر في التنمية والتقدم، أصبح فاسدا أو يسري الفساد في جسمه كما تسري الميكروبات الفتاكة مع الدورة الدموية سريانا. المجتمع أصبح فاسدا وانتشرت في ذاته وعبر سلوكيات أفراده عادات غريبة تفسخت معها كل مكوناته وأصابها داؤه العضال بالتحلل وتحتاج إلى أكثر من عملية جراحية وعلاجية في ضل وضعية صحية متأزمة... نخب فاسدة وتساهم من خلال فسادها في الإفساد بكل أنواعه، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة كي تبقى سائدة وقد حصنت نفسها من خلال بث سمومها في كل محيطها، فأينما وليت وجهك إلا وتجد نقطة سوداء هي بؤرة وعلامة كبرى ورمز من رموز مقاومة التغيير... في الشارع والمدرسة والبيت وفي كل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وحتى التي وجدت أصلا وقانونيا لتمثيل الناس والدفاع عن مصالحهم، فسدت وتدافع عن فسادها كوضع قانوني ضد كل إصلاح أو تحول وتغيير وبدل أن نسير في اتجاه استثمار نتائج النضالات الجماهيرية التي قادتها القوى الحية في البلاد منذ زمن طويل، أصبحنا أمام لوبيات تقف سدا منعيا ضد حقنا في الحياة بشرف وبشكل يضمن كرامتنا على الأقل، وكأننا نبدأ من الصفر. عندما ناضل آباؤنا ضد مشروع الحماية من أجل الاستقلال والتحرر انتعشت فئة قليلة واستفادت من الوضع، وكانت لا تخدم إلا مصالح المستعمر وتدافع عن بقائه من أجل تقوية ذاتها والسيطرة على محيطها والاستفادة من ذيليتها وتبعيتها له، ومباشرة بعد الحصول على الاستقلال، وجد الذين كانوا في المعارك يناضلون ويقاومون سياسة الاستعمار. إذن به يستولون على كل شيء، لتبدأ معارك جديدة أخرى بين القوى الوطنية. وقوى بورجوازية هجينة ومجموعات أوليغارشية لا هم لها إلا بقاؤها هي واستحواذها على كل شيء، فتعطل قطار التنمية وفشل المشروع المجتمعي الحداثي، وهكذا خرج الاستعمار من الباب ليدخل من النافذة من خلال مريديه وأذنابه. والحصيلة دائما تكرار نفس المشهد وإعادة التاريخ من منطلقاته. لتضيع مع هذه الحصيلة سنوات وسنوات من القهر والقمع...سنوات كان من المفروض استغلالها في الأهم الذي يستفيد منه الجميع كوطن وشعب..معارك جديدة طالت مدتها وطالت صراعاتها انشطرت وانقسمت معها القوى الحية في البلاد وتشتتت وتناثرت ذراتها في الفضاء، وبدل أن يتحول الصراع في اتجاه تقوية الذات وحصول التغيير تحول في اتجاه إنهاك الذات وإفشال التجارب الهادفة، وما بين مرحلة الاستقلال ومرحلة التناوب تقوت بؤر الفساد وتهاوت قيم الإصلاح والتغيير إلى الحضيض، فأصبحت أغلب نخبنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية فاسدة تقوى معها الريع في السياسة و الاقتصاد، وتراكمت الثروات التي لم يستفد منها المجتمع في البر والبحر وفي المؤسسات جماعية كانت أو برلمانية وفي كل المجالات الحيوية، في مقابل ذلك نمى الفقر بشكل فضيع وأصابت الهشاشة الكثير من مكونات المجتمع.الآن، وبعد كل هذه السنوات العجاف أصبح الصراع الدائر أقوى من السابق وتحولت مجالاته وأطرافه، فبعد أن كان في السابق بعد الاستقلال بين قوى وطنية مؤطرة للمجتمع ضد الدولة أصبح هنا والآن بين المجتمع والمجتمع. فبعد أن تفتتت القوى الوطنية الديمقراطية وزاغت أغلبها عن دورها وطريقها، تقوت في المقابل جماعات استفادت من المرحلة لتنضاف إلى الجماعات القديمة ورثة الاستعمار ليصبح بذلك المجتمع مجتمعين الأول يريد التغيير والثاني يقاومه ويدافع عن وضعه، وقد بدأت التوزعات والانقسامات والصراعات تفعل فعلها حتى داخل العائلة السياسية الواحدة، وكأن المغرب داخليا لم يستفد قط من تجاربه، ومن تجارب حراك الربيع العربي الذي ما زالت حركاته مشتعلة، و لا ندري إلى أي اتجاه ستقودنا حكومة تنادي بالتغيير وتخلق حولها ضجة إعلامية يتضح من خلالها أنها مقدمة لتهيئ الأجواء لممارسته، وقوى تناهض التجربة منذ انطلاقتها وتعرقل المسيرة، حتى من داخل الحكومة نفسها ما دامت استفادت في السابق، وشعب دائخ بين هذه وتلك، يحتج ويصرخ في المسيرات والتظاهرات والمظاهرات و لا حياة لمن تنادي. وكأن كل مشروع أصبح محكوما بالفشل إن لم يساير أصحاب الثروات المستفيدون من الفساد، حكومة جديدة جاءت بعد اقتراع 25 نونبر 2011، و لا زالت في بدايتها. ومحظوظون من الريع السياسي والاقتصادي ورموز للفساد يلوحون بإفشال تجربتها، حتى من داخلها، وشعب يسير في اتجاه الانفجار.وضع أصبحنا معه أمام ظاهرة واحدة ووحيدة يعرفها أهل التاريخ والسياسة بالكمون والتكرار والانطلاق من الصفر، والفاعلون الحقيقيون في شرود، وهو وضع شاذ ويطرح أكثر من علامة استفهام.إن طبيعة المرحلة تفرض على الكل تنزيل الدستور الجديد إلى أرض الواقع أولا وتهييئ الأجواء المناسبة لذلك، واقتلاع جذور الفساد ثانيا ومحاربة كل مظاهره، والانتباه إلى الفئات العريضة من المجتمع التي لا زالت تعاني، بمعنى أن المرحلة تقتضي السير عبر ثلاث خطوط أساسية في نفس الآن وبنفس السرعة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، تصبح معها كل بنود وفصول الدستور مفعلة في مقابل محاربة الهشاشة والفقر ومحاربة الريع السياسي والاقتصادي وأشكال الإفساد وتقوية خيار التغيير، وإلا فإن المغرب لا قدر الله سيصاب بتسونامي جارف، و لا مثيل له...فإذا كانت تجربة التناوب التوافقي قد جنبت المغرب السكتة القلبية التي كان يسير في اتجاهها فأعادت له عافيته طيلة سنوات ساهمت من خلالها في استقراره السياسي، فإنه الآن أصبح على شفا أن يصاب بسكتة دماغية .