كانت مدينة آسفي عاصمة عبدة وقلبها النابض قبل حلول سنوات السبعينات، تعرف بكونها عاصمة أشهر إقليم على الصعيد الوطني عرف بالسردين وصناعة الخزف والفلاحة، حيث عرف قبل الإستقلال بجودة منتوجاته التي تصدر إلى الخارج، وعرف عقب ذلك بجودة منتوجاته النوعية وتميزها بالسوق الوطنية والدولية بفعل الشريط الساحلي المعروف والممتد من الصويرة القديمة إلى البدوزة. منذ مطلع السنة الأولى بعد الاستقلال ستشهد ملامح المدينة نوعا من التغيير بدخول قطاع جديد وغريب عن فضاء المدينةوالإقليم، بانطلاق أشغال تشييد أضخم مركب كيماوي وطني، يتعلق الأمر بالمركب الكيماوي للفوسفاط (8كلم) جنوب مدينة آسفي اتجاه الصويرة القديمة، عقبة انطلاق تشييد وتجهييز مركبين كيماويين ضخمين (مروك فسفور 1) (مروك فسفور2)، اعتقد الجميع أن هذه المدينة الصناعية التي نصبت حولها الأسيجة ووضعت لها قوانين لدخولها ستحول المدينة إلى مدينة مثالية. طبيعي أن يعتقد المواطنون أن هذا المشروع الضخم بإمكانه أن يضع حدا للبطالة وأن يرفع من القدرة الشرائية وأن يساهم في تقوية البنيات التحتية للمدينة، إلا أن المواطنين أصيبوا بخيبة الأمل وبدأت أصداء وتداعيات وجود المركب الكيماوي في المدينة تثير العديد من التساؤلات، لقد أعد المركب الكيماوي في مكان كان مستغلا للسكن إذا احتل مواقع العديد من الدواوير والأراضي الفلاحية، وتم ترحيل سكانها إلى الدواوير المجاورة، إذ قدمت إدارة المكتب الشريف للفوسفاط وعودا للسكان الذين نزعت منهم ملكيتهم بتعويض هزيل عن أراضيهم الفلاحية مع إيجاد فرصة عمل في المركبين، إلآ أن الإدارة تملصت من وعودها ولم تعر أي اهتمام لمضاعفات وجود مركب على المجال الفلاحي سواء تعلق الأمر بالزراعة أو بتربية المواشي التي أصبحت شبه ميتة " آثار التلوث".ويمثل المركب الكيماوي موقعا استراتيجيا بين المركبات والمنشآت الصناعية التي تسيئ وتهدد البيئة بكل مكوناتها – هواء، ماء، تراب – ويشتغل المركب 24 ساعة على 24 ساعة مما يعني تلوث البيئة على مدار 24/24 ساعة كما دمر الثروة السمكية التي كانت مصدر القوت اليومي لعشرات العائلات التي مع انطلاق المركب وجدت نفسها دون مورد للرزق بسبب النفايات التي يقذف بها المركب في المياه وتتناقلها التيارات البحرية، فحسب تقارير الخبراء البيئيين أن هناك شريطا هاما من الساحل تصل فيه الحياة درجة الصفر، كما أن تأثير مادة الكبريت على المجال الفلاحي جعل المردودية الفلاحية غير مضمونة في أحسن الأحوال، إن لم نقل مستحيلة، فالأرض مكسوة بالأصفر والأبيض ولم تعد صالحة حتى أن تكون مجالا رعويا، وحسب الزيارات الميدانية للموقع علمنا أن تربية المواشي في هذا المجال بدورها أصبحت تخضع للإكراهات، إذ يحرم الفلاح من تربية الأبقار ذات مسقط الرأس في المنطقة لكون الشريط الزمني العمري الذي تعيشه يكون جد محدود، كما أنها تفقد أسنانها في وقت مبكر مما يشكل خسارة للفلاح الذي يفضل الاستثمار في كسب الأبقار، ويضطر لبيع البقرة قبل أن تضع حتى لا يمنى بالخسارة، هذا فيما يتعلق بالأمراض المادية الظاهرة فماذا عن الآثار اليومية والتي لا يمكن تشخيصها بالعين المجردة المرتبطة بالإنسان الذي يستنشق هواء ملوثا طيلة حياته (أي طيلة السنة 24/24 ساعة).أليس من حق هؤلاء أن يستنشقوا هواء نقيا منعشا يفوح بعطر الحياة؟ ولم يسلم سكان المدينة من وجع الرأس بحيث أصيبوا بخيبة أمل لعدم فتح إدارة المكتب الشريف للفوسفاط أبوابها أمام حشود المتخرجين من الجامعات ومن مراكز التكوين المهني من أبناء آسفي، واستنفذت اليد العاملة والأطر المكونة من مختلف مدن المغرب إلا من مدينة آسفي دون أن يفهم أحد لماذا وما هي الخلفية التي كانت وما تزال وراء إقصاء أبناء المدينة من العمل في هذا المركب، أعتقد أنهم وعائلاتهم الذين يستنشقون هواء الكبريت والفوسفاط وينزعجون أربع مرات في اليوم من السرعة المفرطة وضجيج حافلات النقل. عمال ومستخدموا المركب أحق بالتعويض عما يلحق بهم من أضرار، وأعتقد أن الترخيص لهذا المركب بالعمل في التراب الإقليمي على دفتر التحملات يفرض على المستفيدين من الامتياز احترام إلتزاماتهم في مقدمتها الحفاظ على جودة البيئة، وتعويض المتضررين من هذا المشروع، وإعطاء أولوية في التشغيل لأبناء المدينةوالإقليم، ويمكن للمركب وإدارته أن يوظفا أطرا عليا متخصصة من خارج المدينة إن لم يوفرها سوق التشغيل المحلي، ومن المفروض على السلطات الإقليمية تتبع مدى التزام المستفيد بدفتر التحملات وتطبيق القرارات الجزئية في حالة عدم احترامهم مع إمكانية سحب الإمتياز، كما أن من حق المواطنين رفع الشكايات للمتابعة القضائية من أجل رفع الضرر الذي يلحقهم من هذا المركب أو ذاك.المساهمة في البنيات التحتية والمرافق الحيوية: - القطاع الثقافي: ماذا استفاد سكان المدينةوالإقليم من هذا المركب الذي يوزع مضراته بسخاء حاتمي؟أضعف الإيمان أن يسعى المكتب الشريف للفوسفاط إلى خلق حركة ثقافية وفكرية في المدينة وتنشيط وتشجيع الموارد الشابة والواعدة في الغناء والعزف والإبداع الأدبي من شعر وقصة وعرض مسرحي وغيره، لتجهيز قاعات ودور للشباب إما برصد ميزانية أو شراكة مع مندوبية الشبيبة والرياضة ومندوبية الثقافة بالمدينة، إلا أن إدارة المكتب الشريف للفوسفاطك قد اختار الإنغلاق والإقتصار في التعامل والإستفادة من الأنشطة على العاملين بها وذويهم في أنشطة محدودة وفي مناسبات معينة، أما أنشطة الكبار فتقتصر على السهرات الغنائية دون غيرها، خلق " حركة ثقافية " ودعم الفاعلين الثقافيين التربويين بالمدينة لا يتطلب من الإدارة المذكورة أكثر مما تصرفه في أنشطتها المبتلة وغير المفيدة، بل ويمكن لمصلحة الشؤون الإجتماعية أن تستفيد من هذه الفعاليات في تأطير وتسيير أنشطتها وإغناء رصيدها الفني والأدبي والعلمي. - القطاع الرياضي: منذ حلول المكتب الشريف للفوسفاط بآسفي، والمجال المتخصص لممارسة الرياضة والذي كان يستقطب المئات من الأطفال والشباب لممارسة كرة القدم في إطار الجمعية الرياضية للأحباء، إلى أن انعدمت كليا بسبب الزحف الخطير لسياج المكتب الشريف للفوسفاط بالمدينة بمحاصرة وعزل آخر متنفس قرب الملعب...، مئات الهكتارات اقتنيت في إطار نزع الملكية سحب لأغراض غير معينة، وقد مرت أزيد من عشرين سنة على حلول المكتب الشريف للفوسفاط بالمدينة، ولم يشيد لأبناء مستخدميه الذين يتجاوز عددهم 2000 عامل وإطار، مركبا ثقافيا أو رياضيا في المدينة، ولم يعوض ساكنة المدينة التي تفوق 198.000 ألف نسمة عما تعانيه وتكابده من مشاكل وجود المركب قرب المدينة، ولو ببناء مستوصف صحي أو حديقة صغيرة، كما أن المكتب يدعم ولا ينظم ويمول أنشطة رياضية في المدينة تستجيب لتطلعات وطموحات السكان، وفي مقدمتهم الشباب الذي لم يعد أمامه إلا البحر ورماله لممارسة كرة القدم، كما أنه على المكتب الشريف للفوسفاط اليوم أن يعيد تفعيل وتنشيط الحركة الرياضية بالمدينة بعدما تمددت فوق فراش الإحتضار. - ما هو دور السلطات المختصة: دور السلطات المختصة والتي تقوم على شؤون البلاد والعباد أن تحميهم مما يتربص بالساكنة من مخاطر التلوث الناجم عن هذا الغول الذي ابتلع كل شيء، ولم يعط أي شيء للمدينة، وأن تحمله على التزام واحترام التزاماته المنصوص عليها في كناش التحملات وذلك بإعلاء شعار دولة الحق والقانون. - ما هو دور ممثلي الأمة: لممثلي المواطنين من نواب ومستشارين ومنتخبين جماعيين دور في دفع الضرر على المواطنين، وحمل الإدارة على تعويضهم بدعم مشاريع تنموية واقتصادية واجتماعية بالمدينة، وتحسيس الجهات المسؤولة على تطبيق القانون. - دور المجتمع المدني: على المجتمع المدني القسط الأوفر من المسؤولية، ونظرا للدور الفعال في تأطير المواطنين وتحسيسهم بحقوقهم اتجاه ادارة المكتب الشريف للفوسفاط، ومتابعة كل التجاوزات التي تطال المجال الهوائي والبحري للمدينة وفضح عدم إسهام تقوية البنيات التحتية والمرافق الحيوية والأساسية، والقانون فوق الجميع، وحتى لا تصبح مثل هاته الحالة قاعدة يسير عليها من سيأتون لاحقا إلى المدينة من مستثمرين، ولكم في المركب الرياضي دليل لسواه عبرة.