بقلم محمد دهنون والأحداث متلاحقة..بشكل متسارع لا تكاد تترك للمحلل الرصين فرصة التقاط أنفاسه "التفكيكية"..الأنظمة العربية الدكتاتورية والحكام المستبدون والتافهون الذين حولوا مواطنيهم إلى رعايا وقطيع يتهاوون تباعا مثل قطع الدومينو وبلدانهم إلى محلبة يمصون منها كل الثروات وخيرات مناطقهم. تثور أسئلة موضوعية غير مرتبطة فقط ببلادنا، ولكن تجد لها ذلك الترابط القوي بين الأحداث في شمال إفريقيا والشرق الأوسط..ومجمل الفكرة التي تفرض نفسها اليوم على امتداد هذه الجغرافيا العربية المثخنة بالفساد والمحسوبية.. ونعني بهذه الفكرة.. إشكالية السلطة والثروة.. من يحكم؟.. كيف يحكم؟.. ومن يتحكم في مداخل الثروة ومن يحوزها أيضا..؟في بلادنا بدأ النقاش العارم حول مفهوم التغيير.. ولم يكن المغرب السياسي ولا الرسمي أو الشعبي بمنأى عن هذا الذي يحدث وحدث وما يزال برقعة الفساد التي تسمى نكاية في تاريخنا، ببلاد العرب..؟؟بعض المغاربة.. إما أذكياء زيادة على اللزوم.. أو انبطاحيون.. أو ملكيون أكثر من الملك.. قالوا بوجود"الاستثناء المغربي".. وهو ما يستدعي في هذه الحالة إطلاق نقاش حقيقي حول هذه المقولة، إما في اتجاه دحضها أو تأكيد مضامينها.. كيف يا ترى..؟ أولا.. المغرب لا يعيش في كوكب آخر.. بل هو جزء من المنظومة العربية الرسمية والشعبية، وتداعيات الأحداث اليوم لا بد واصلة إليه، بشكل أو بآخر، وبالتالي فإن أنبياء الاستثناء المغربي، لا يمارسون إلا نوعا من ترسيخ "نواقض الوضوء السياسي"وصناعة إيمان مغشوش بالتجربة المغربية وتمظهرات نجاحها في بعض المجالات. ثانيا.. لا ينكر أحد أن المغرب منذ تجربة التناوب التي أجهضت من طرف لوبيات المصالح و"أصدقاء القسم" عرف وعاش انفتاحا سياسيا قاد إلى انتقال ملكي. وداخل هذا الحراك السياسي جاءت المصالحة السياسية والحقوقية وتمت قراءة تاريخ الرصاص والقمع بشكل سمح للجميع بترسيم إستراتيجية التجاوز. ووسط كل هذا كان للمؤسسة الملكية دور مركزي في تنزيل الأوراش الكبرى للإصلاح. ولم يكن الهامش الدستوري" الممنوح" لبقية المؤسسات الدستورية يسمح بإعطاء صورة عن توازن السلط، بقدر ما كان يعمق التهميش والتحييد والتبعية لمؤسسة الحكومة والبرلمان والقضاء ويقوي الأدوار الجوهرية والوظائف الأصيلة للمؤسسة..
ثالثا.. تحدث الفاعلون السياسيون في أجندات واضحة عن مداخل الإصلاح بطريقة موضوعية وبخلفية توافقية، وجاء في مذكرات وحوارات ومقالات إعلامية وملفات سياسية تحديد أسس الإصلاح ومضامينه.. كان الجواب هو الصمت، والصمت والتجاهل أتى من بعده إحياء تجربة الحزب الأغلبي في المغرب، ولم يكن وراء هذه المبادرة سوى صديق الملك الذي أسس حزبا قالوا في معرض إنشائه، بأنهم جاؤوا لتغيير المشهد السياسي المترهل والفاسد.. سؤال بسيط.. من أفسد هذا المشهد.. ومن رهله.. ومن أضعف الأحزاب.. ومن عمق سؤال الاختراق داخلها..؟
رابعا.. وفي السياق ذاته تحدث البعض والكثير من المتفائلين – بحكم المنصب والموقع- بان المغرب يعيش انتقالا ديمقراطيا.. بالله عليكم.. هل رأيتم انتقالا بدون وثيقة دستورية جديدة؟ وهل رأيتم انتقالا في العالم تم بطريقة سلمية قاده رئيس دولة مع صديقه والجميع من فاعلين في غرفة الانتظار..؟ الانتقال أو التحول الديمقراطي له شروطه ومعاييره.. له زعاماته.. له أسسه ومداخله الواضحة، ولهذا قال السياسيون النزهاء والمثقفون الشرفاء، بأن ما حدث في المغرب في العشرية الأخيرة لا يرقى إلى مستوى انتقال ديمقراطي. بقدر ما كان نوعا من تفكيك وفتح مواسير الضغط والتوترات والاحتقانات، ونوعا من إعادة التجديد من داخل الاستمرارية.. ليس إلا..
خامسا.. السياسة لها شروطها ولها أخلاقها أيضا.. ونحن اليوم لا نوجد فقط في مفترق الطرق، بل في عين العاصفة، وأصحاب الطمأنينة والطمأنة، إذا ما أرادوا التحليل، فعليهم أن يقولوا الحقيقة.. اقتصاد ريعي متحكم فيه.. أوضاع اجتماعية كارثية.. مشهد حزبي مخترق.. عدم التدقيق في وظيفة الحزب.. أصدقاء قسم توزعوا على المواقع الاقتصادية والسياسية وبدؤوا يتحكمون في صناعة القرارات الإستراتيجية .. بدون كفاءة..ومؤسسة ملكية مهيمنة ومسيطرة تنتصر لملكية تنفيذية تسقط من حسابها تداول السلطة واقتسام السلطة بطريقة ديمقراطية، هذا هو الإشكال الحقيقي في مغرب اليوم..؟
سادسا.. لفك هذا التأزيم ولتجاوز المقولات الجاهزة، على الفاعل السياسي المركزي في النظام المغربي أن ينتبه إلى طبيعة التحولات الجيوسياسية التي تقع حولنا، وان تكون هذه التحولات هي أساس القرارات المنتظرة التي يجب أن تصدر عن رئيس الدولة، وقد لاحظ الجميع كيف تعامل المحتجون بذكاء مع المطالب وكيف توزعت الشعارات وسط المواطنين في العديد من المدن المغربية. الجميع يطالب بإصلاح النظام وليس إسقاطه، وهذا هو عمق الاستثناء المغربي، إذا كان من أحد يريد أن يتحدث عن هذا الاستثناء.
سابعا.. منطلقات الإصلاح واضحة.. وبسيطة.. على المغاربة أن تكون لهم حكومة حقيقية برئيس وزراء حقيقي، نابعة ونابع من صناديق الاقتراع.. حان الوقت للقطع مع صناعة نخب لا تتقن سوى "تجميع الولاء".. المغاربة يستحقون برلمانا حقيقيا نابع من السيادة الشعبية.. يستحقون أيضا قضاء مستقلا متماهيا مع التحولات الكبرى والأسئلة العميقة التي تخترق مجالاتنا العمومية.. المغاربة أيضا يستحقون انتخابات نزيهة وحرة وشفافة ومؤسسات تمثيلية تجيب عن الحاجيات الملحة للشعب وأبناء الشعب.. ماعدا ذلك، سيكون اللعب في الوقت الضائع، وهو ما يفيد بصيغة أخرى، التواجد خارج التغطية..؟ نهايته.. المغرب السياسي لم يكن عاقرا.. والسياسة في بلاد المغرب الأقصى ظلت دوما حية، ولا يمكن لبعض ممن ركب موجة 20 فبراير، أن يمسح الطاولة بما ومن فيها وعليها.. وهذا الكلام مبعثه بعض الخطابات العرجاء التي تحاول أن ترسخ في عقول شباب غير مسيس، أن السياسة والمطالب بدأت من الفايسبوك، وليذهب مناضلو الديمقراطية والصف التقدمي إلى المتحف.. كلام هجين بالتأكيد.