أسفي على لغة الضاد ولغة القرآن أصبحت بآسفي غريبة في عقر دارها، بعد أن بات الحط من شأنها وإهانتها واقعا ملموسا وظاهرة عامة، حيث زحفت اللغة الفرنسية على مختلف مظاهر الحياة بالمدينة. ومن ملامح تلك الغربة الكثرة الملحوظة من الأسماء الأجنبية على واجهات المحلات التجارية والشركات والمؤسسات وأسماء المقاهي والشوارع والملصقات واليافطات واللوحات الاشهارية المكتوبة بالأماكن العامة بلغة موليير دون غيرها، حتى أن المرء ليخال نفسه في ضاحية باريسية وليس في مدينة وصل ساحلها القائد العربي عقبة بن نافع وأنشأ بها الشيخ أبي محمد صالح مؤسسة الركب الحجازي ، ومنها أطلق سيدي محمد بن سليمان الجز ولي الإشعاع لطريقته الصوفية. ويبدو أن مقولة لا كرامة لنبي في وطنه تنطبق تماما على حال اللغة العربية بفضاءات آسفي حيث زهد فيها نخبة من أهلها ورضوا عنها بديلا، متنكرين لعنصر هام من عناصر الهوية، حيث نجد من بني جلدتنا من ينتصر للغة الأجنبي ويدافع عن النشاز. وهم بهذا الفعل يحكمون على اللغة العربية بالرحيل إلى مستودعات ومخازن الذاكرة وجعلها لغة متاحف ومكتبات. وفي خطوة غير مسبوقة أصدر المجلس الجماعي لفاس مقررا يتعلق بمشروع كتابة الأسماء باللغة العربية على واجهات المؤسسات والمتاجر والمكاتب والمقاهي واللوحات الاشهارية، لأن فاس كغيرها من مدن المملكة، تعاني من هجمة الحرف الأجنبي. هذا القرار جاء استجابة للمذكرة التي رفعها الوزير الأول إلى كافة الوزراء ملتمسا منهم تطبيق مقتضيات الدستور بخصوص اللغة العربية. إن اللغة من مقدسات الدولة مثلها مثل الراية الوطنية والحدود الجغرافية والنظام السياسي. وفي المغرب يأتي الدين الإسلامي في مقدمة المقدسات واللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد بحكم الدستور، الشيء الذي جعلها تسمو على اللغات الأجنبية، وبذلك لا يجوز أن تقصى وتهان في عقر دارها. وإزاء هذا الوضع غير السوي نعتقد أن مسؤولية الجماعة الحضرية لآسفي كبيرة في هذا المجال لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية الشارع العام من زحف اللغة الفرنسية على الفضاءات العمومية. ذلك أن معدلات هجرة آسفي للحرف العربي آخذة في التسارع ولا بد من وقف النزيف، علما أن حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الشركاء في تسيير المجلس الحالي، سبق لحزبيهما غير ما مرة، أن تقدما بمقترحات قوانين لتعريب الإدارة والحياة العامة، غير أن هذه المقترحات ووجهت بمحنة حقيقية، ففي كل ولاية تشريعية تتذرع الحكومات بأن تعريب الحياة العامة يقتضي إصدار مرسوم تنظيمي.فهل يتمكن المجلس الحضري لآسفي أسوة بمجلس فاس من وقف هجمة الحرف الأجنبي بآسفي أم أن دار لقمان ستبقى على حالها؟ قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: فلا خير في قوم تموت لغاتهم ولا روح في قوم بدون لغات