مقدمة لابد منها يبدو أن هناك بونا شاسعا بين انتظارات السكان من الخدمات الجماعية، والقدرة الفعلية لغالبية المجالس المحلية بآسفي على تلبيتها. ذلك أن الجماعة الحضرية لآسفي عبر تجاربها السابقة، انشغلت بما هو آني مع قلة الاكتراث بوظائف التخطيط الاستراتيجي. فقد لوحظ على الجماعة عدم القيام بمبادرات لاستشارة السكان لمعرفة حاجياتهم ومستوى رضاهم عن الخدمات، بدءا بتواضع المستوى التكنولوجي للجماعة، وتكريس أساليب عمل لا تنسجم مع طبيعة المشاكل المطروحة، حيث تعاني الأقسام والمصالح من قلة التجهيزات وعدم كفايتها وملائمتها مع متطلبات الإدارة الحديثة. فاعتماد المعلوميات ضعيف وغياب تام للبرامج المعلوماتية المندمجة. إن النظام السائد داخل مرافق الجماعة لا يختلف عما كان عليه الأمر منذ عقود خلت على الرغم من الطفرة الهائلة التي عرفها عالم المعلوميات ، فبنية التجهيزات والأدوات المكتبية وكذا الآليات المستعملة لتأدية الخدمات تقليدية ، بالإضافة إلى البنايات التي تأوي المرافق الإدارية وقدمها ووضعيتها غير الوظيفية. كما أن طريقة التعاطي مع هذه المشاكل وأساليب العمل متخلفة عن الواقع الذي تتعامل معه وتتطلع إلى تغييره. إن اللامركزية بآسفي ظلت عبر التجارب الجماعية السابقة بعيدة عما تصبو إليه الساكنة، في خلق إدارة تتوفر على آليات تدبير حديث يستجيب لمتطلبات التنافسية . فمستوى الخدمات يعتبر مؤشرا يعكس مدى تطور المدينة، لما له من آثار ايجابية على دينامية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. ولعل حجم الوسائل العمومية المسخرة لتعزيز الحكامة الجيدة، يعبر عن مستوى طموحات المنتخبين في التحديث والرقي بالخدمات الجماعية إلى مستوى المقاولة، حيث أن طبيعة الخدمات وجودتها يشكل المعيار الذي يعتمده المواطن في الحكم على تجربة التدبير المحلي . فالمواطن المسفيوي يريد استقبالا لائقا واستماعا جيدا، ويريد أن تنجز مطالبه بسرعة وفي الوقت المناسب، ويريد تدبيرا جيدا للمال العام لأن مصدره الضرائب التي يدفعها، ويريد أن تقدم إليه خدمات عالية الجودة وفي مستوى المقاولة، ويريد الشفافية في كل نشاطات الجماعة ،ويريد تبسيط المساطر الإدارية وحذف الزائد منها، ويريد المشاركة والاطلاع على كل المشاريع الجماعية عبر إحداث موقع إلكتروني يكون بمثابة همزة وصل بين الجماعة ومرتفقيها، ويريد أن يحاسب ويعاقب كل من يستغل مقدرات الجماعة في الحملات الانتخابية، ويريد تطوير العلاقة بين الإدارة والمتعاملين معها بهدف إرساء دعائم إدارة حديثة فاعلة وفعالة في أدائها ودائمة الإنصات لمحيطها باستخدام التكنولوجيا الحديثة للرفع من مستوى الخدمات وتلافي الطوابير الطويلة.إن تكنولوجيا الخدمات الجديدة إذا ما أدخلت بالمصالح الجماعية بآسفي ستسمح بتدبير إداري فعال وبأقل كلفة، كما ستساعد الجماعة في إمكانية إدارة الملفات ومتابعة مستوى معالجتها بسرعة، وتدبير أجور الموظفين وميزانية الجماعة بطريقة ناجعة، كما تتيح فتح وتحميل الاستمارات الإدارية والخدمات المقدمة عن بعد وخاصة الصفقات العمومية عبر تحميل طلبات العروض ودفاتر التحملات والولوج إلى نتائج فتح الأظرفة، و الترشح عن بعد، وأخيرا التسليم الالكتروني لوثائق الحالة المدنية عبر شبكة اتصال خاصة فيما بين المكاتب المحلية، في انتظار الربط الوطني بكل مكاتب الحالة المدنية في أفق 2012 . تحديث مكاتب الحالة المدنية بآسفي نموذجا لقد عرف الاهتمام بخدمة المواطن بآسفي تطورا ملحوظا، حيث باشرت غالبية الإدارات العمومية بآسفي إصلاحات هامة، مكنت من إحداث تغييرات عميقة على مستوى التلقين والإنتاج والتسويق والاستهلاك والترفيه والراحة والخدمات .غير أن قطاع الخدمات بالجماعة الحضرية لآسفي، ظل متخلفا عن محيطه، ولم يعرف نفس الوتيرة من حيث التحديث والفعالية. والجماعة الحضرية لآسفي مطالبة اليوم بتقديم خدمات في مستوى تطلعات المواطنين الذين يطالبون بالحصول على خدمات ذات جودة عالية وبالسرعة المطلوبة. ذلك أن ورش عصرنة الإدارة الجماعية لم يعد يقبل التأجيل لأن الجماعة مدعوة لممارسة مهام تزداد تعقيدا، في سياق حضري سريع يطرح تحديا أمام الجماعة لتحسين الخدمات واعتماد الإدارة الالكترونية في أحد عشر مكتبا للحالة المدنية بآسفي. والهدف هو تغيير النظام التقليدي المتسم بالبطء، وتلافي حالات الضغط و الاكتظاظ بهذه المكاتب، وخاصة في أوقات الذروة، مثل الدخول المدرسي ومباريات التوظيف وفي الانتخابات الجماعية والبرلمانية وحملات تعميم الحالة المدنية و تعبئة وثائق المتقاعدين وغيرها. صحيح أن الجماعة الحضرية لآسفي في المجلس الحالي، دخلت فعليا في تحديث الإدارة، من خلال إعطاء الانطلاقة في مارس الماضي، للعمل بنظام الخدمة الالكترونية بمصلحة الإشهاد على صحة الإمضاءات ومطابقة النسخ لأصولها بالمكتب المركزي ، وتهيئة فضاء الشباك الوحيد وتوسيع قاعة محمد الخامس وتجهيزها بأحدث التجهيزات، وهي خطوة نعتبرها هامة وغير مسبوقة، منذ إحداث الجماعة الحضرية لآسفي سنة 1918.غير أنها تبدو محدودة وغير معممة، إذ شملت مصالح معينة دون سواها، ذلك أن عددا كبيرا من المصالح الجماعية ذات الكثافة من حيث ضغط المواطنين، تحتاج إلى تدشين عهد جديد مع التكنولوجيات الحديثة، استجابة لضرورات التحديث وحرصا على تلبية حاجيات المرتفقين بالسرعة المطلوبة. ونعتقد جازمين أن إدخال التقنيات الحديثة في مكاتب الحالة المدنية بآسفي سيسهل عمل الموظفين ويقرب الإدارة من المواطنين، خاصة أن بعض الأنظمة المعلوماتية للحالة المدنية بالمغرب، أحرزت على جوائز على الصعيد الدولي والقاري والوطني، كالجائزة الوطنية للإدارة الالكترونية 2006 والجائزة الإفريقية للإدارة الالكترونية 2007 وجائزة الأممالمتحدة للإدارة الالكترونية 2007 وجائزة أحسن مشروع بحث علمي في العالم العربي 2008 .وفي هذا الإطار تقوم جميع الوزارات بالحث على إنجاح مشروع الحكومة الالكترونية بواسطة برنامج "إدارتي" و"مخطط المغرب الرقمي" 2013 . وقد سبق لوزارة الداخلية أن كشفت عن استراتيجيتها في تحديث الحالة المدنية، عبر "عرض الخدمات" الذي استفادت منه بعض المقاطعات والجماعات، حيث خصص له غلاف مالي يناهز 60 مليار سنتيم، لربط مكاتب الحالة المدنية بوسائل تكنولوجيا حديثة، وحوسبة 45 مليون رسم لتكوين قاعدة إلكترونية تضم جميع مكاتب الحالة المدنية، وتقديم خدمات جديدة في حوالي 2172 مكتبا وحصول المواطن على الوثائق بسهولة بالغة وتوفير خدمات بمعايير دولية . نبذة عن البرنامج المعلوماتي للحالة المدنية البرنامج يعمل على نظام التسليم الالكتروني لوثائق الحالة المدنية في محل السكنى بدل محل الازدياد. ويقوم على حفظ وتخزين كل المعطيات الواردة والصادرة عن مكاتب الحالة المدنية. وتضمين كل السجلات داخل البرنامج عبر عملية المسح الضوئي للسجلات، للحصول على قاعدة بيانات للصور الرقمية لكل العقود، فنصبح إزاء سجلات إلكترونية بدل سجلات ورقية بها أخطاء، و بعضها مكتوب بخط رديء تصعب قراءته مما يتسبب في إزعاج كبير للمواطنين. إضافة إلى تضمين مفصل للبيانات انطلاقا من الصور الرقمية للرسوم، وكذا توحيد مسطرة تسجيل البيانات، علاوة عن أنه يتوفر على نظام سريع باستعمال عدة طرق للبحث، ويسهل إصدار الوثائق بالعربية والفرنسية، مع إمكانية برمجة كل المراسلات والشواهد الإدارية بنظام سلامة عالية لحفظ وسرية المعلومات، ويمكن من طلب الوثيقة المرغوب فيها بطريقة سهلة من خلال شاشة الحاسوب. وبعد مراقبة سريعة من ضابط الحالة المدنية تتم تلبية الطلب في وقت وجيز، وطباعة كل الوثائق والإحصائيات على أوراق عادية تسمح بتوفير مبالغ مالية هامة من الميزانية المعدة لاقتناء الأوراق المستعملة حاليا. ناهيك عن بساطة الاستعمال بالنسبة للمستعمل المبتدئ، بحيث يمكنه تعلم استعماله في يوم واحد وبدون الحاجة لدروس تقوية في الإعلاميات. أهمية الحالة المدنية كثيرا ما ينظر إلى مصالح الحالة المدنية تلك النظرة الدونية التبسيطية التي تختزل دورها في مجرد تسليم شهادة الازدياد. والحقيقة أن هذه المؤسسة تلعب أدوارا أكبر من ذلك بكثير. من هنا يطرح السؤال لماذا الدعوة إلى تحديث مكاتب الحالة المدنية ؟ وما أهمية هذه المصلحة حتى تحظى أكثر من غيرها بأولوية الاستفادة من خدمات الإدارة الالكترونية؟ أولا:الحالة المدنية هي ذاكرة الشعوب، فهي المؤسسة الوحيدة التي تلازم المواطن من ولادته إلى غاية وفاته. ثانيا: تحدد هوية الفرد وتتبث وجوده بواسطة وثائق تسمح له بممارسة جميع الحقوق السياسية والإدارية. ثالثا: تنهض بدور مهم في ضبط اللوائح الانتخابية وتنقيتها من كل الشوائب التي تعتريها. رابعا: تزود الجهات المختصة بالمعطيات الديمغرافية، لاعتمادها في المخططات الاقتصادية والاجتماعية ، ناهيك عن شموليتها وضعف تكاليفها .وإذا كان هناك إحصائيات أخرى يعتمد عليها في معرفة عدد السكان، كالإحصاءات العامة للسكان والبحوث الديمغرافية، فإن ما يميز إحصائيات الحالة المدنية كونها المصدر الوحيد الذي يمكننا من التتبع المستمر للمؤشرات السكانية، الشيء الذي يساعد على إرساء مختلف القرارات على أسس علمية دقيقة، ويسهم في وضع الخريطة المدرسية للسنوات المقبلة . الخلاصة إن إدخال الأنظمة المعلوماتية في تدبير مكاتب الحالة المدنية بآسفي والربط المعلوماتي فيما بينها،هو خطوة لجعل الجماعة الحضرية لآسفي تواكب مستجدات العصر. فالخدمات عنصر أساسي في منظومة الحكامة المحلية. ولعل الشراكة مع وزارة الداخلية في "عرض الخدمات" الخاص بالحالة المدنية، هو فرصة سانحة لتحديث هذا المرفق الحيوي، خاصة أن الجماعة الحضرية لآسفي في دورة أكتوبر 2009 سبق لها أن عرضت الفكرة على أنظار المجلس، واستمعت إلى عرض مبسط من طرف ممثل مكتب للدراسات.إن شراكة من هذا النوع ستصب في مصلحة المجلس والساكنة ولن تكلف الجماعة أي سنتيم في ظل أزمتها المالية الخانقة، بحيث أن المبادرة ستكون بمثابة تكملة لمشروع التحديث الذي دشنه المجلس الجديد، وترجمة على أرض الواقع لبعض البرامج الانتخابية، كما ستسمح بسد العجز والخصاص في تحديت 11 مكتبا من مكاتب الحالة المدنية، ومن إدراج 350 ألف من ساكنة آسفي في شبكة للمعلوميات آمنة وسريعة و تمويل كامل للمشروع ، وتجاوز المشاكل التي تعيق تسيير مرفق الحالة المدنية الذي يحج إليه الآلاف من المواطنين يوميا. فهل ستتمكن الجماعة الحضرية لآسفي من ربح هذا الرهان الذي لا يكلفها سوى العزم والإرادة كي تلتحق بنظيراتها من الجماعات التي دخلت غمار التحديث؟