ترك انهيار الدينار الجزائري بصورة غير مسبوقة منذ استقلال البلاد آثارا اقتصادية سلبية وخيمة على المواطنين، تجلت في ارتفاع تدريجي في أسعار العديد من المواد، ما أصبح يشكل كابوسا يخيم على يوميات الجزائريين في الآونة الأخيرة، خصوصا في ظل تراجع إيرادات الخزينة، جراء استمرار تهاوي أسعار النفط وهو ما شكل صدمة في الجزائر من الصعب التعامل معها أو الخروج منها بأقل الأضرار. وتباينت المواقف حول مساعي الحكومة الجزائرية الرامية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة في أوساط الجزائريين ولدى الخبراء الاقتصاديين والمتتبعين، حيث تلقى بعض التدابير المتخذة في الأسابيع الأخيرة انتقادات واسعة على غرار الاجراءات الرامية لاسترجاع الأموال الموجودة في السوق الموازية والتي تقدرها الحكومة بحوالي 3700 مليار دينار، بالإضافة إلى تدابير وصفت بالتقشفية ومنها المتعلقة بتجميد بعض المشاريع وترشيد النفقات العمومية. وفي هذا الاطار، قال الخبير الاقتصادي فارس مسدور، لموقع CNN بالعربية إن انهيار أسعار المحروقات، المورد الوحيد للاقتصاد الجزائري، كان له تأثير كبير على الاقتصاد، موضحًا أن الاعتماد على المحروقات ليس عيبا ولكن العيب يكمن في عدم القدرة على استغلال مداخيل المحروقات خلال السنوات التي شهدت أسعار النفط أعلى معدلاتها وإنفاق تلك الأموال على مشاريع لا تعكس قيمة الميزانيات التي رصدت لها. وبخصوص التخوفات من تكرار أزمة سنوات منتصف الثمانينات أوضح مسدور أن الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد تختلف عن سابقتها نظرا لتوفر احتياطات مالية، الوضع الذي ساعد على التخفيف من شدة الصدمة، مقارنة بأزمة الثمانينات، مشيرا في هذا الإطار، إلى أن صناديق الاستثمار لوحدها تحتوي على 137 مليار دولار لم تستغل، إضافة إلى الأموال المتواجدة بالخارج منها 47 مليار دولار في الخزينة العامة الأمريكية وأخرى في بريطانيا واليابان ودول مختلفة وهي أموال إذا تم استغلالها فبالإمكان النهوض باقتصاد قارة . وأما عن الحل الذي يراه مسدور لتجنيب الجزائر المزيد من الغرق في الأزمة “لابد على الحكومة تبني المصالحة الاقتصادية من خلال القضاء على الاقتصاد الموازي الذي يكلف الدولة خسائر فادحة” . أما الخبير الاقتصادي مبارك مالك سراي، فصرح لموقع CNN بالعربية أن انخفاض قيمة الدينار، سوف يظهر تأثيره على أسعار المواد المستوردة والتي ستزيد بنسبة 30 بالمئة وهو ما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، غير أنه اعتبر، أن هذا الوضع له إيجابياته من حيث تقليص الاستيراد وإعطاء الأولوية للإنتاج الوطني وتشجيعه. وأضاف مالك سراي بأن الجزائر اليوم تريد تشجيع أصحاب الأموال من أجل إيداع أموالهم في البنوك لاستثمارها في مشاريع منتجة، مشيرًا إلى وجود 50 مليار دولار في السوق الموازية، معتبرا أن الجزائر قادرة حتى الآن على الدفاع عن اقتصادها في فترة 3 سنوات، غير أنه أكد على ضرورة وضع توصيات جديدة وعلى الحكومة رفع القيود البيروقراطية، لتمكين المواطنين من الاستثمار، إضافة إلى حتمية استغلال البلاد لقدراتها وثرواتها البطانية غير المستغلة بعد. واستبعد الخبير الاقتصادي، أن تعيش الجزائر نفس أزمة الثمانينات، نظرا لاختلاف الوضع الاقتصادي في الفترتين، فالجزائر حاليا -يضيف نفس المصدر- ليس لها ديون عكس سنوات الأزمة في الثمانينيات واليوم تمتلك إمكانيات كبيرة وطاقات وكفاءات بإمكانها الخروج بأولويات للدفاع عن الاقتصاد الوطني . من جانبه قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول لموقع CNN بالعربية إن الانهيار المستمر في أسعار النفط وتراجع قيمة الدينار لهما تأثير كبير على صندوق ضبط الإيرادات والمشاريع ومناصب الشغل وعلى احتياطات الصرف الخارجي، موضحا أنه إذا استمر الوضع على حاله سوف يؤدي ذلك إلى نفاذ احتياطات الصرف الخارجي خلال ثلاث سنوات، بالإضافة إلى تأثر القدرة الشرائية للمواطنين والاداء الاقتصادي للمؤسسات العمومية والخاصة. كما ستعرف أسعار مختلف المنتوجات ارتفاعا حسب الأستاذ عبد الرحمن مبتول، وكذا تراجع الدعم الحكومي، محذرا أنه إذا لم تتصرف الحكومة بعقلانية فسوف تلجأ البلاد إلى الاستدانة، مضيفا :”الجزائر ملزمة اليوم بالذهاب إلى إصلاحات عميقة للخروج من الأزمة، إضافة إلى محاربة الفساد والبيروقراطية وهذا ما يتطلب اقرار الحكم الراشد ودولة القانون” .