لا ندري ما إذا كان الأستاذ مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي لوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى، قد اختار أن يكون له قانون جنائي خاص به، متضمن لأحكام تخالف ما جاء في قانون 1962 المعمول به، حالياً في المغرب، بل تخالف حتى ما جاء في “المسودة” العجيبة الغريبة والتي لم تتحول، بعد، إلى مشروع قانون جنائي جديد. أصل الحكاية أن أستاذنا المحترم، عَرَضَ، في استجواب أجرته معه يومية (الأحداث المغربية)، الحجج التي يعتمدها في الرد على أطروحة حرية التصرف في الجسد، التي يرفعها، عبر العالم، دعاة إباحة الإجهاض، وقال، في هذا السياق : “البعض ينادي بالحرية الجنسية لأن الإنسان حر في جسده يفعل به ما يشاء، وهذا أمر خاطئ، هل الإنسان حُرٌّ في وضع حد لحياته بالانتحار؟ القانون يعاقب على ذلك، هل الإنسان حر في أن يفقأ عينه مثلاً؟ ألا يعاقب القانون على ذلك؟” (الأحداث المغربية – 30 مارس 2015 – العدد 5553 الصفحة 04). مثل هذا القول يدعو إلى التخوف المشروع من أن يَتَجَذَّرَ، شيئا فشيئاً، لدى علمائنا، أو لدى بعضهم على الأقل، الشعور بتوفرهم الدائم على أهلية الإفتاء في كل شيء، وتَتَرَسَّخَ لديهم نزعة ادعاء العلم بكل شيء، فيندفعون إلى إطلاق كلام لا سند له في العلم أو العقل بدون بذل أبسط مجهود في البحث والتفكير والتحري. القانون الجنائي لا يعاقب على الانتحار، وذلك، بكل بساطة، لأنه لا يعاقب الأموات بل يعاقب الأحياء، وهو أمر نستغرب كيف فات الأستاذ بنحمزة الانتباه إليه، بينما كل ذي عقل يمكن أن يدركه، تلقائياً، حتى بدون أن يكون للمرء باع طويل في المعرفة الحقوقية أو امتلاك لناصية العلوم القانونية. الجثث نحملها إلى المقابر ولا نودعها في السجون. هل اختلط، في ذهن الأستاذ بنحمزة، العقاب الدنيوي بالعقاب الأخروي، وشَقَّ عليه التمييز بينهما؟ أما محاولة الانتحار، فإن المشرع لا يعاقب عليها وذلك لسبب واضح، وهو ألا يدفع تقرير العقاب، في مواجهة شخص حاول الانتحار وباءت محاولته بالفشل، إلى إعادة الكَرَّةِ. إذن، لا عقاب على الانتحار، لأنه غير متصور وغير ممكن أصلاً، ولا عقاب على محاولة الانتحار حتى لا يكون العقاب، في هذه الحالة، حافزاً، لمن قام بمحاولة أولى للانتحار، لم تُؤْتِ أُكلها ولم تتحقق نتيجتها وهي الوفاة، على تنفيذ محاولة ثانية. المشرع المغربي يُجَرِّمُ، فقط، فعل (المساعدة على الانتحار)، ويعاقب من أقدم على هذا الفعل بالحبس من سنة إلى خمس سنوات (الفصل 407 من القانون الجنائي) ولكن ذلك يعني : * أن يكون الفاعل قد “ساعد، عن علم، شخصاً في الأعمال المحضرة أو المسهلة لانتحاره أو زوده بالسلاح أو السم أو الأدوات اللازمة للانتحار، مع علمه بأنها ستُستعمل لهذا الغرض” * وقوع الانتحار، فعلاً، أما إذا لم يتحقق الانتحار، فإن من قَدَّمَ المساعدة يفلت من العقاب. وبه الإعلام والسلام..