مع تنامي ظاهرة الانتحار في المغرب يطرح سؤال كيفية تعاطي المشرع في المادة الجنائية مع هذه الظاهرة ، و هل رتّب هذا الأخير جزاءات في مواجهة حدث الانتحار والأحداث المصاحبة له؟ وبمراجعة القانون الجنائي المغربي، يتضح لنا أنه تناول الانتحار في مناسبتين، إذ أعد عقوبة حبسية لمن ساعد المنتحر على تنفيذ خطته عن طريق مده بالأدوات والمواد الضرورية لذلك، ونجد أن المشرع يلزم النيابة العامة، في حال وقوع انتحار، بفتح التحقيقات الضرورية للتوصل إلى مساعدي المنتحر ومعاقبتهم طبقا للقانون الجنائي. كما أن المشرع أعد عقوبة ، كذلك، للممتنع عن مساعدة المنتحر للعدول عن خطته، إذ يعاقب القانون من لم يقدم المساعدة لشخص في خطر، و يدخل في نطاق تطبيق هذا الفصل عدم تقديم المساعدة للشخص المنتحر مع ما يستلزمه تطبيق هذا الفصل من شروط لعل أهمها وقوع حالة الانتحار في وجود شخص و أشخاص من الأغيار، وثبوت عدم تحركهم لثني المنتحر عن فعله. ومن هذا الفصل يمكننا أن نستشف بأن المشرع يعتبر حالة الانتحار حالة قاهرة تنعدم فيها الإرادة، وعيا من المشرع بكون الظروف التي تدفع الشخص إلى محاولة الانتحار هي ظروف يصعب التكهن بها ويصعب مواجهتها، فاعتبر الانتحار خطرا لا يقل عن خطر الحوادث الفجائية الماسة بالسلامة الجسدية للشخص، و لعل هذا الاعتبار، إلى جانب اعتبار الشخص المنتحر ضحية، ما أدى إلى عدم ورود نص قانوني يعاقب على الانتحار، و بما أن الفعل غير مجرم فالمحاولة بالتالي غير مجرمة ولا توجد أية إشارة على تجريم محاولة الانتحار في القانون الجنائي، مما يثير نقاشا قانونيا مهما إذا ما استحضرنا أن الانتحار محرم و مجرم شرعا، والشريعة الإسلامية هي من بين مصادر التشريع المغربي، الأمر الذي يخلق حالة من تباين وجهات النظر بين من يعتبر عدم معاقبة المتورط في محاولة الانتحار هو عدم تدخل في حرية شخصية يمكن بالاعتماد عليها لأي شخص وضع حد لحياته، كما أن التعامل مع الشخص الذي حاول الانتحار يجب أن يكون على أساس اعتباره ضحية و ليس مجرما، و بين مؤيدي فكرة العقاب على أساس ديني صرف ، كون المنتحر خالف شرع الله و مشيئته و يجب معاقبة المحاولة حتى لا تسول لأحد نفسه الإقدام على هذا الفعل مجددا. و بين مؤيد و معارض يبقى حل ظاهرة الانتحار غير ممكن باعتماد مقاربة قانونية صرفة، لأن الإنسان الحامل لأفكار انتحارية يحتاج لمتابعة نفسية و صحية أكثر من حاجة المجتمع لرادع قانوني.