متخصص في شؤون تنظيم ‘الاخوان'. قد يبدو هذا المعطى غريبا بعض الشيء عند العامة، وقد يعتبره فقهاء القانون الدستوري محاولة لتطويع هذا الفصل الدستوري ومحاولة لي عنقه لما يخدم أطروحة تيار سياسي معين، وقد يدفع البعض في اتجاه اتهامنا بالجهل القانون والقصور الدستوري و”العمى السياسي” لما يحمله الفصل من عبارات غير قابلة للاجتهاد أو التأويل. غير أن قراءة متأنية ورؤية تخترق الحروف والفواصل والتركيب الكلي للفصل 47 تدفعنا، دفعا، لإعادة قراءة هذا الفصل وفق الطرح الذي نحن بصدد التأصيل له. ينص الفصل 47 من الدستور المغربي الفقرة الأولى نصاً على ما يلي: ” يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”. من خلال استقرائنا لمضامين هذا الفصل يثير انتباهنا ما يلي: أولا: إذا كان النص واضحا في مسألة تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، فما الفائدة الدستورية أو الحاجة اللغوية للقسم الثاني من الجملة والتي لا تتوافق مع سابقتها؟؟؟؟؟؟ وبعبارة أخرى، ألم يكن كافيا الاحتفاظ بالقسم الأول من الفصل دون حاجة إلى إضافة عبارة “وعلى أساس نتائجها”.؟؟؟؟ أليست كافية جملة “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب”؟؟. تبدو هذه الجملة كافية وواضحة ولا تفتح المجال لأي اجتهاد لغوي يمكن أن يتم إقحامه في تأويل دستوري محدد. لماذا إذا إضافة عبارة “وعلى أساس نتائجها بعد “الفاصلة” وبعد “الواو”؟؟؟؟؟؟؟؟؟ إن علماء اللغة لابد وأن يستشعروا الاختلاف في المناولة والاستنتاج في التأويل. في هذا السياق، يطرح الإشكال اللغوي التالي: هل “الواو” بعد الفاصلة “واو عطف” أم “واو استئناف”؟ الجواب على هذا السؤال هو المفتاح الرئيسي لتأويل النص الدستوري تأويلا صحيحا. فإذا كانت “واو العطف”، يعني أنها تدخل على المفردات والجمل لتعطف على ما بعدها، وإعراب ما بعدها يكون تابعًا، وبمعرفة الإعراب، وكذا بمعرفة المعنى يمكن التفريق بينهما. أما واو الاستئناف يكون إعراب ما بعدها مستقلا، فالواو الاستئنافية تدخُلُ على الجملةِ الاسميّة أو الفعليّة لاستئناف معنى جديد منقطعٌ من النّاحيةِ الإعرابيّة عمّا قبلَه. مثلا يقول تعالى في محكم تنزيله “لنبين لكم، ونُقرّ في الأرحام ما نشاء” صدق الله العظيم (سورة الحج الآية 5). ومن خلال طرح الفصل 47 من الدستور على أساتذة اللغة العربية تبين أن “الواو” التي تناولها هذا الفصل هي “واو استئناف” تحيل على معنى جديد غير الذي طرح على مستوى الجملة التي سبقته، وإلا فما الحاجة لإضافة جملة “وعلى أساس نتائجها”. هذا التأصيل اللغوي للفصل 47 من الدستور يمكن أن يجد تفسيره في رغبة المشرع المغربي ترك هامش التحرك والتأويل، ولم يشأ أن يخندق المؤسسة الملكية في زاوية ضيقة وطرح أمامها إمكانية تعيين رئيس الحكومة “إما” من الحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب و”إما” على أساس النتائج المسجلة في الانتخابات ككل وفق رؤية سياسية تروم إخراج توليفة حكومية قومية ومتجانسة. عملياً، وبعد 40 يوما من تعيين عبد الإله بن كيران، لازال هذا الأخير عاجزا على تشكيل الحكومة وإقناع باقي الفرق السياسية بالانضمام إليه في التشكيل الحكومي باستثناء أحزاب الاستقلال والتقدم والاشتراكية، مما يجعلنا عمليا أمام حالة من البلوكاج السياسي. هذا المعطى دفع السيد رئيس الحكومة إلى الخروج بتسجيل “مستفز” قصف فيه أحزاب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي مع التبخيس من قيمة حزب الاتحاد الدستوري (لي شاد فاليدين ديال الأحرار بتعبير السيد رئيس الحكومة). أمام هذا المشهد السياسي الجامد وفي ظل غياب مؤشرات التقدم على مستوى المشاورات الحكومية، يبقى اللجوء إلى تأويل الفصل 47 بالصورة التي أصلنا لها ضروريا لفسح المجال أمام المؤسسة الملكية للخروج من هذا “الإشكال الدستوري” وتعين رئيساً للحكومة ليس بالضرورة من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في انتخابات مجلس النواب. سياسيا، تبدو الطريق معبدة أمام البام أو الأحرار لتشكيل الحكومة بسهولة في ظل الإمكانية القوية للتحالف مع كل من الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي ليصلوا إلى عتبة 205 من المقاعد مع إمكانية دخول باقي الأحزاب الأخرى وهي أغلبية مريحة تمكن حزب الأصالة والمعاصرة أو الأحرار من تشكيل الحكومة وتجاوز حالة البلوكاج السياسي التي وصلنا إليها. ختاما يمكن القول أن محاولة إعادة قراءة الفصل 47 من الدستور المغربي ليست من قبيل الترف الفكري أو المتاع العقلي، ولكنها محاولة جادة ومسؤولة لإعادة تفكيك هذا الفصل وفق منطوقه اللغوي وإعادة تركيبه وتأويله وفق ما يخدم الوضعية السياسية الراهنة ويحل “الإشكال الدستوري” الذي توهمه البعض.