عشر دقائق لا أكثر كانت كافية لرئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ادريس اليزمي لتسليط الضوء على المناطق الرمادية التي مازالت قائمة في أذهان بعض النواب الأوروبيين، والكشف عن بعض الأحكام المسبقة حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، وذلك خلال لقاء نظم أمس الثلاثاء ببروكسل، مع أعضاء اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي. وأعرب عدد من النواب عن إعجابهم بالصراحة التي ميزت عرض اليزمي حول المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان، وكذا بعض الاختلالات التي توجد حتى في الديمقراطيات الأوروبية الأكثر تقدما، والتي تعترف بها المملكة، بدون مركب نقص، وتعمل جاهدة على تجاوزها بفضل إصلاحات شجاعة، ونقاش صريح وشامل، والانفتاح على جميع مكونات المجتمع. فمن حراك الريف، والصحراء المغربية، إلى محاكمة اكديم إيزيك، مرورا بالاحتجاجات المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والمناصفة بين الرجل والمرأة … لم تغب أية قضية عن أول مداخلة لرئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمام اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي، التي تحظى بمكانة مهمة، والتي يترأسها النائب الإيطالي بير أنطونيو بانزيري. وأكد اليزمي أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتابع باستقلالية تامة وبشكل ملموس ودائم جميع هذه القضايا، سواء بصفة مباشرة أو عن طريق لجانه الجهوية (زيارة السجناء، والتحقيق الميداني، ومساعدة ودعم العائلات … إلخ)، مشيرا إلى أن هذا العمل أشادت به جميع الهيئات الدولية، على رأسها الأممالمتحدة، والاتحاد الأوروبي والمنظمات المستقلة. وقال اليزمي في مداخلته أمام قاعة مكتظة " أطلقنا مسلسل الإصلاح في بلادنا لأننا أردنا ذلك، وقررناه بأنفسنا. لم يمليه علينا أحد. إنه اختيار جلالة الملك والمواطنين المغاربة. نريد حقوقا لأنفسنا نحن ". وتناول رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان الدينامية التي يشهدها المجتمع المغربي اليوم، وخاصة النقاشات العمومية الحادة حول عدد من القضايا كالإرث، والإجهاض، وعقوبة الإعدام، والحريات الفردية، وحرية الضمير والفكر، والتي تجسد مجتمعا سويا يعيش دينامية ديمقراطية كاملة. وأوضح اليزمي أن تنامي الحركات الاحتجاجية ذات الطابع الاجتماعي هي ذلك العنصر الذي يعكس الدينامية القوية التي تميز المجتمع المغربي اليوم، مؤكدا أن هذه الحركات تشهد على الرفع من مستوى المطالب والوعي والذي يعبر عنه المغاربة بشتى الطرق (مظاهرات أو عبر الشبكات الاجتماعية، والإعلام،… إلخ). ولم يفوت رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان الفرصة للتأكيد على الدور النشيط الذي يضطلع به المجتمع المدني المغربي في بعض القضايا غير المسبوقة أحيانا في النقاشات العمومية كقضية الأشخاص المسنين، وداء فقدان المناعة المكتسبة وحقوق الإنسان، والإدمان على المخدرات… إلخ وبعدما قدم لمحة عن اختصاصات والنظام الأساسي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان كمؤسسة تعرف تعددية في تشكيلتها، مستقلة عن السلطة التنفيذية وتحظى مبادراتها بالمصداقية، أثار السيد اليزمي القانون الجديد، الذي صوت عليه البرلمان مؤخرا والذي وسع بشكل ملموس من صلاحيات المجلس. وأكد اليزمي على مستوى التفاعل بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والبرلمان المغربي ، والذي تتم استشارته دائما من قبل المؤسسة التشريعية للمملكة حول القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، مذكرا بأن جميع القوانين تقريبا حول حقوق الإنسان المنصوص عليها في دستور 2011 قد تم التصويت عليها. وأبرز اليزمي سياسة المغرب الجديدة في مجال الهجرة، خاصة على ضوء عمليات التسوية لأوضاع المهاجرين بالمغرب وخارطة الطريق التي قدمها في هذا الشأن صاحب الجلالة الملك محمد السادس للاتحاد الإفريقي. وشدد اليزمي على أن المغرب يريد أن يكون في علاقته مع الاتحاد الأوروبي " شريكا " في مجال حقوق الإنسان وليس " تلميذا "، مشيرا إلى أن " التحدي الذي يفرض نفسه اليوم هو إدماج الشباب والذي علينا رفعه بشراكة مع الاتحاد الأوروبي ". وقال في هذا الصدد " من مسؤولية الاتحاد الأوروبي مواكبة بلد مثل بلدنا في مسلسل الإصلاح السياسي ومن أجل التنمية الاقتصادية " مسجلا أن المغرب له أيضا واجب تعزيز هيئات الديمقراطية التشاركية والوساطة. وبخصوص الأقاليم الجنوبية للمملكة، التي تشكل الموضوع المفضل لدى بعض النواب الأوروبيين الذين يسعون للركوب على قضية حقوق الإنسان، ظنا منهم أنهم قادرون على إرباك المغرب أو محاصرته، أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أن العمل الذي يقوم به المجلس في ما يتعلق بحقوق الإنسان في الصحراء يحظى بإشادة المجموعة الدولية ، مذكرا بالقرار الأخير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي نوه بالمهنية والموضعية التي تميز عمل المجلس. وإذا كان عرض اليزمي أمام اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان قد مكن من رفع بعض الغموض على بعض المواضيع المرتبطة بحقوق الإنسان والتأكيد بالمناسبة على أنه " لا توجد أية قضية مزعجة أو محرمة " والتي لا يمكن مناقشتها بالمغرب، فقد أظهر مدى الاختيار الديمقراطي الناجع وغير القابل للمراجعة الذي قام به المغرب، مع كل ما يتطلب ذلك من شفافية، وواقعية، وشجاعة في طرح بدون مركب نقص نجاحاته وانزلاقاته وكذا نقط ضعفه، وهو ما يمكنه من المضي قدما إلى الأمام. إنها النتيجة ذاتها التي خلص إليها ممثل القسم الأوروبي للعمل الخارجي الذي أكد على أنه في ظل مناخ إقليمي مضطرب " اختار الاتحاد الأوروبي المواكبة البناءة في علاقته مع المغرب، وخاصة في مجال حقوق الإنسان والحكامة ". بدورهم، نوه نواب أوروبيون بالتطور الذي شهده المغرب في المجال الحقوقي. وقال النائب الأوروبي كريستيان دان بريدا في هذا الصدد " ليس هناك بلد يتعاون بشكل أفضل معنا حول قضايا حقوق الإنسان مثل المغرب ". وأضاف أن " الأصوات التي تنتقد المغرب في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان غير منصفة. أنا أقترح أخذ المغرب كنموذج ". أما رئيس اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان بالبرلمان الأوروبي فقال إنه " مرتاح جدا لمسلسل حقوق الإنسان بالمغرب وللشراكة بين المملكة والاتحاد الأوروبي ".