صورة قاتمة تلك التي رسمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، عن واقع حال مهن التربية والتكوين، والتي تشمل مختلف الهيئات التي ينتظم في إطارها الفاعلون التربويون نساء ورجالا، خاصة منهم، المربون، والمدرسون،والمكونون، والأساتذة الباحثون، وأطر الإدارة والتدبير، والتوجيه، والتخطيط، والتفتيش، حيث رصد المجلس في تقرير جديد له أبرز الاختلالات التي تعيق الارتقاء بهذه المهن، التي تشكل "إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها المنظومات التربوية". وقال التقرير ذاته، والذي قدمت خلاصاته اليوم الثلاثاء، خلال ندوة صحفية عقدت بمقر المجلس بالرباط، إن تدبير الخصاص في الفاعلين التربويين وجودة التكوين والتأهيل، تطرح إشكالية "غياب الانسجام القائم بين تحديد الحاجات والتوقعات مع التدابير الفعلية لسد الخصاص من الأطر البيداغوجية والإدارية وأطر التفتيش والتوجيه والتخطيط، وتوفير المناصب المالية الكافية لتغطية هذه الحاجات"، مضيفا أنه "غالبا ما تكون هذه التدابير متأخرة، ولا تستجيب لمعايير الجودة المطلوبة كالتوظيف المباشر أو بموجب عقود بدون تكوين"، كما أنها "لا تكون منتظمة حسب كم ونوع الحاجاتالتي تم تشخيصها". وسجل التقرير أن اثر ذلك "يظهر على عدم انتظام التكوينات التأهيلية لمزاولة المهنة وضعف بعضها"، خاصة بالنسبة لأساتذة التعليم المدرسي الجدد"، لكونها "لا تستغرق المدد الكافية للتمكن من الكفايات المهنية المطلوبة". أما بالنسبة للتكوين المهني، فإن التكوينات التأهيلية لمزاولة المهنة "تظل غير كافية وجد محدودة في الزمان، فيما يسجل غياب تأهيل بيداغوجي ممأسس وممهنن بالنسبة لأساتذة التعليم العالي الجدد، إضافة إلى انعدام تكوين بيداغوجي أساس لدى غالبية الأطر التربوية والإدارية العاملة بمؤسسات التعليم العتيق"، يؤكد التقرير. وسجلت الوثيقة نفسها أن هذه الإشكالية، ازدادت تعقيدا مع تبني قطاع التعليم المدرسي مقاربة جديدة "للتوظيف وسد الخصاص مبنية على التعاقد والمصاحبة الميدانية"، حيث أن "تدبير التكوين والتأهيل في هذه الصيغة ركز على حصص تأطيرية موسمية لإعداد المدرسين والمدرسات المتعاقدين"، علاوة على عدم "توفر العدد الكافي من الأطر البيداغوجية المكلفة بالمصاحبة والتأطير الميداني، ونقص تأطيرهم وتكوينهم لأجل هذه المهام. ولاحظ المجلس في تقريره كذلك "ضعف التنسيق والتكامل المفروض في المهام والأدوار بين المؤسسات الجامعية المحتضنة للمسالك التربوية من جهة، وبين المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين من جهة ثانية، وضعف حضور مؤسسات التدريب الميداني كفضاء أساس لإنماء وصقل الكفايات المهنية. وحسب وثيقة "مجلس عزيمان"، فإن من بين معيقات الارتقاء بمهن التعليم والتكوين كذلك، "ضعف تحصين المهن التربوية من بعض الظواهر على مستوى العلاقات الأفقية والعمودية، والتي تتجلى بالخصوص في مظاهر العنف بجميع أنواعه سواء اللفظي أو المادي أو الرمزي، وعدم الاحترام، واللامبالاة بالدروس. ونبه التقرير إلى أن "غياب شروط المزاولة الناجعة خاصة في المناطق النائية والصعبة، وشعور بعض فئات الفاعلين بعدم الاستقرار النفسي والمهني والاجتماعي، وغياب آليات للوساطة وحل النزاعات داخل المؤسسات"، كلها عوامل ساهمت بشكل كبير "في تدني الصورة القيمية والمكانة الاعتبارية للفاعل التربوي لدى المجتمع". وحذر التقرير من عدم معالجة هذه الإشكالات، التي يمكن أن "تساهم في تفاقم بعض الاختلالات في العلاقة بين الحقوق والواجبات المهنية، من قبيل التعاطي غير المتوازن مع الحقوق والواجبات، وتنامي مساءلة الالتزام بالواجب المهني، وتنامي ظواهر مخلة بالأخلاقيات المهنية"، كتعاطي بعض الفاعلين ل"دروس خاصة بمقابل مادي خارج الضوابط المعمول بها في هذا المجال"، ولا سيما مع تلاميذ الفصول التي يتولى المدرس تعليمها، و"المحاباة في ولوج بعض التكوينات بالتعليم العالي والتكوين المهني"، والتأخرات وللتغيبات غير المبررة". وسجل التقرير هيمنة التدبير الممركز، بنسب متفاوتة حسب قطاعات التربية والتكوين والبحث، في رسم وقيادة السياسات العمومية، لاسيما تلك المتعلقة بالمهن التربوية والفاعلين التربويين، إلى جانب "التوزيع الجغرافي اللامتكافئ للموارد البشرية الذي يكرس التفاوت بين المؤسسات والجهات، حسب التقرير، الذي انتقد سوء التدبير الذي يطبع مسألة انتشار الموارد البشرية داخل المنظومة التربوية، والذي يجعل "نفس الجهة تعاني من خصاص في الفاعلين التربويين بالموازاة مع تواجد فائض منهم، لا يتم توظيفه في الحد من آثار هذا الخصاص". وبعدما أشار إلى الاختلالات التي تسود تنظيم حركية الفاعلين التربويين، أفقيا على مستوى الحركةالانتقالية، وعموديا على مستوى تغيير الإطار والمهام، وتأثير ذلك على الاستقرار والرضى المهنيين، اعتبر التقرير أن الترقي المهني الذي لا يرتكز على التقييمات المنتظمة، ولا يأخذ بعين الاعتبار المبادرات المجددة والاجتهادات، علاوة على كونه محدود الفرص. وفيما يتعلق بالمشاكل التي تتعلق بظروف مزاولة المهن التربوية، فقد أكد التقرير أنها تتسم على العموم ب"الصعوبة والمشقة في حالات متعددة، ولا سيما بالنسبة للعاملين بالتعليم المدرسي في المناطق القروية والنائية والمعزولة والهامشية"، وكذا ب"اشتغال الفاعلين بشكل معزول عن بعضهم البعض داخل نفس المؤسسة التربوية، في غياب التنسيق والتكامل، فضلا عن هشاشة بعض البنيات والفضاءات التربوية، وقلة التجهيزات والموارد. كما انتقد التقرير الاكتظاظ المتفاقم داخل فضاءات التدريس والتكوين، وما يولده من عراقيل أمام أداء الفاعلين لمهامهم بالنجاعة المتوخاة، فضلا عن النقص المتزايد في التأطير المهني للفاعلين التربويين، وهو النقص الذي يؤثر بشكل سلبي على تطوير قدراتهم وتحسين مردوديتهم، إلى جانب غياب مواكبتهم في وضعيات هشاشة نفسية واجتماعية. التقرير تطرق أيضا إلى الاختلالات المتعلقة ب"تقييم الأداء المهني للفاعلين التربويين في علاقة بإنجازية ومردودية مؤسسات التربية والتكوين"، حيث قال إن هذه الإشكالية تثير "مسألة الافتقار لمعايير موحدة ودقيقة للتقييم، تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الأسلاك والمواد، وظروف العمل، والانخراط في تنمية المؤسسة، والمبادرات والاجتهادات، والجوانب القيمية، وغيرها من مقومات المهنة". وأشار التقرير إلى بعض تجليات هذه الإشكالية، ومنها " اتسام تقييم المدرسين بالظرفية وعدم الانتظام، وارتباطه بالترقية"، و"غَلبة المراقبة التربوية على تقييم المدرسين وطابعها النمطي، على حساب عمليات التأطير والتنشيط والتكوين." إلى ذلك، كشف التقرير أن ست جهات تحتضن حوالي 74 في المائة من مجموع المدرسين، تتصدرها جهة الدارالبيضاء–سطات بنسبة تفوق 15 في المائة من المجموع العام، أي ما يمثل 32 ألف و614 مدرس، "إلا أنها بالرغم من توفرها على عدد كبير من الأساتذة تراكم أعلى النسب، بمعدل 33 تلميذا لكل أستاذ، تليها جهة فاس- مكناس حيث تصل هذه النسبة إلى 29 تلميذ لكل أستاذ"، يقول التقرير، الذي أضاف أن المجال القروي يستقطب أكبر عدد من المدرسين بالتعليم الابتدائي، بما يناهز 64 بالمائة من مجموع العاملين بهذا السلك، في حين تشكل أعداد المدرسين في التعليم الثانوي بسلكيه والعاملة بالوسط القروي حوالي 28 بالمائة. وفي ما يتعلق بالإحالات على التقاعد، أفاد التقرير بأن التوقعات تظهر أن مجموع المتقاعدين بمختلف أسلاك التعليم المدرسي سيبلغ إلى حدود 2030 حوالي 73 ألف مدرس، "ما يعني أن حوالي ثلث الهيئة الحالية سيعرف تجديدا في أفق 2030، وهي النسبة التي سترتفع إلى النصف باحتساب عدد الإحالات على التقاعد النسبي التي من المنتظر أن يعرفها التعليم المدرسي خلال هذه الفترة"، يشير التقرير، الذي توقع أن الحاجات المستقبلية من المدرسين ستصل إلى 124 ألف مدرس، في الفترة ما بين 2017 و2030.