يلتئم القادة العرب، اليوم الأحد، بالظهران شرق المملكة العربية السعودية في إطار الدورة ال29 للقمة العربية، التي يجمع المسؤولون والمحللون السياسيون على السواء، على أنها قمة "استثنائية" تنعقد في سياق عربي وإقليمي مضطرب. ويبرز مفهوم الأمن القومي العربي كأحد أهم المحاور الرئيسية لأجندة قمة الظهران، في ضوء ما وصف بالإجماع العربي على ضرورة توحيد الصف العربي في مواجهة التحديات التي تطرحها التدخلات الأجنبية في عدد من دول المنطقة ومعالجة القضايا العربية خارج الإطار العربي. وتؤكد الجامعة العربية، في هذا الصدد، أن قمة الظهران تمثل "نقطة فاصلة في التوافق فيما يتعلق بالأمن القومي العربي"، بعد إدراج المحور المتعلق بضرورة تحجيم سياسة إيران التوسعية في المنطقة والعمل على منعها من التدخل في الشؤون الداخلية العربية. وفي هذا الإطار، أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة التي ترأس بلاده دورتها الحالية، أن لا تسامح مع التدخلات الإيرانية في المنطقة، قائلا "لا سلام ولا استقرار في المنطقة ما دامت إيران تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية من خلال إشعال الفتنة الطائفية وزرع ميليشيات إرهابية" في المنطقة. واتهم إيران بالوقوف وراء إمداد ميلشيا الحوثي في اليمن بالصواريخ البالستية "إيرانية الصنع" التي تطلقها على المدن السعودية، مؤكدا أن ذلك "يعكس دموية أفكار مرجعيتها وتبنيها لكافة الأعمال الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في اليمن". وبدوره، أكد الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أن "على العرب جميعا مسؤولية معالجة الظروف التي أدت إلى إتاحة الفرصة لهذه التدخلات غير الحميدة عبر التوصل إلى تسويات سياسية مستدامة للأزمات الداخلية، وحالات الاحتراب الأهلي التي تجتاح بعض دولنا". وفي هذا الإطار، ستكون هذه القمة مناسبة أخرى للتأكيد على دعم استمرار الشرعية الدستورية في اليمن برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي ودعم الإجراءات التي تتخذها الحكومة الشرعية الرامية إلى تطبيع الأوضاع وإنهاء الانقلاب وإعادة الأمن والاستقرار لجميع المحافظات اليمنية والالتزام بالحفاظ على وحدة البلاد وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية. كما يستحوذ ملف الأزمة السورية والتطورات الأخيرة في هذا البلد، عقب التقارير الواردة عن احتمال استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في دوما بالغوطة الشرقية، على أجندة القمة التي حضر أشغال اجتماعها الوزاري التحضيري المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا بدعوة من الجامعة. وفي كلمة أمام وزراء الخارجية العرب، طالب دي ميستورا بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة وشفافة في الهجوم الكيماوي المفترض على مدينة دوما السورية مؤخرا، داعيا مختلف أطراف الأزمة إلى تجنب المواجهات العسكرية والمضي قدما باتجاه الحل السياسي والوحيد للأزمة السورية. وفي هذا الصدد، ومن خلال الاستناد لميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه، ستشكل القمة مناسبة للتأكيد على الالتزام الثابت بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، إضافة إلى التشديد على الحل السياسي للأزمة القائم على مشاركة جميع الأطراف السورية وفقا لبيان "جنيف 1". هذا بالإضافة إلى التأكيد عن رفض العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة التركية في منطقة عفرين، وكذا التصعيد العسكري المكثف الذي تشهده الغوطة الشرقية. وباعتبارها قضية العرب الأولى، تحتل القضية الفلسطينية صدارة بنود جدول أشغال القمة ال29، التي ستجدد التأكيد على الموقف العربي الموحد والثابت في دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية. وفي هذا السياق ، تمثل قمة الظهران مناسبة لتجديد رفض الدول العربية لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس والإعتراف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل، وكذا الإشادة بالإجماع الدولي الرافض للقرار الأمريكي ، واعتباره قرارا باطلا وخرقا خطيرا للقانون الدولي وللقرارات الأممية. كما ستكون القمة فرصة لتجديد التأكيد عن رفض الدول العربية للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية بمختلف مظاهرها على كامل أرض دولة فلسطينالمحتلة، ودعوة كافة الدول العربية للالتزام بمقررات الجامعة العربية، ودعم فلسطين لمواجهة الضغوطات والأزمات المالية التي تتعرض لها بفعل استمرار إسرائيل باتخاذ إجراءات اقتصادية ومالية عقابية ضدها. كما تفرض ملفات وقضايا أخرى نفسها على جدول أعمال القمة العربية، أهمها مناقشة الشأن اللبناني، من خلال تأكيد التضامن الكامل مع هذا البلد وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي له، وكذا تجديد الالتزام بوحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها ورفض التدخل الخارجي وتشجيع الحل السياسي للأزمة، بالإضافة إلى رفض الاعتداء على السيادة العراقية الذي يشكل بذاته تهديدا للأمن القومي العربي. ومما لاشك فيه أيضا أن تحدي الإرهاب وتداعياته، الذي كان محط إجماع عربي ودولي في مواجهته، سيحظى باهتمام كبير لدى الزعماء العرب في هذه القمة بتجديد رفضهم لكافة أشكال العمليات والأنشطة الاجرامية التي تمارسها التنظيمات الإرهابية في الدول العربية وفي كافة دول العالم، والتفكير في إيجاد آليات أخرى غير الحلول العسكرية والأمنية التي لا تكفي لوحدها لدحر الإرهاب. وأمام التحديات الاقتصادية الصعبة التي يفرضها الواقع العربي والدولي الراهن، يبرز الملف الاقتصادي والاجتماعي بقوة ضمن بنود جدول أعمال القمة، والذي يتطلب من الدول العربية تعزيز آليات التعاون الاقتصادي لبلوغ التكامل الذي يدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول ويعزز مكانتها إقليميا ودوليا، ولاسيما من خلال تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، والاتحاد الجمركي العربي، وتنفيذ مشروع الميثاق العربي لتطوير قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وبالإضافة إلى مناقشة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن استضافة اللاجئين السوريين وآثارها على الدول العربية المستضيفة، سيكون الجانب البيئي بدوره ضمن بنود أعمال القمة العربية ال 29، وذلك من خلال الانكباب على تدارس الوثيقة العربية لحماية البيئة وتنميتها، والاستراتيجية العربية (2030) للحد من مخاطر الكوارث في المنطقة، والاتفاقية العربية لتبادل الموارد الوراثية النباتية والمعرفة التراثية، ثم تقاسم المنافع الناشئة عن استخدامها.