من المخجل أن يتحول الشارع المغربي إلى استوديهات مكشوفة لتصوير العنف الجسدي والاغتصاب العلني، على مرأى ومسمع من المارة، الذين يحجزون مقاعدهم للفرجة من دون أن يحركوا ساكنا، والمخجل أكثر أنهم لا يتوانون في التقاط صور وفيديوهات لتلك المشاهد المخزية التي لا تحرك فيهم أدنى شعور بواجبهم الإنساني تجاه الضحايا، وإن كان القانون نفسه يجرم، عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر. والأخطر من ذلك أن تتحول هذه السلوكات الغريبة عن مجتمعنا وعن أخلاقنا إلى ظاهرة عامة، الواحدة تغطي عن الأخرى، وما نكاد نتجرع الصدمة حتى نصدم بواقعة أخرى أشد فظاعة وقبحا. ففي ظرف أقل من أسبوع جرى تسجيل ثلاث حالات رهيبة اهتز لها الرأي العام الوطني، وتصدرت أحداث الإعلام الوطني، ومواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشرها على اليوتيب، حيث تلقفتها تلك المواقع، وتكرمت بعض الجرائد بإعادة نشر صور مقتطفة من الفيديوهات وكأني بها تؤرخ لحدث خارق مميز يستحق الإسهام في تعميمه، وإن كان في حقيقة الأمر، يكرس هذا النوع من التشهير المجاني لغسيل وسخ. وهذه إشارة إلى ضرورة احترام الضحايا، اللواتي سقطن في شرك هذه الممارسات اللاأخلاقية المرفوضة مجتمعيا وإنسانيا. فمن فتاة الرحامنة التي كانت ضحية مراهق يعبث بشابة لا حول لها ولا قوة، ويمارس عليها عنفا جسديا وجنسيا مقرفا، وتسجيله بواسطة عنصر ثاني بالصوت والصورة، وينشره بعد ذلك عبر اليوتيب، وكأنه قام بعمل بطولي يستحق المشاهدة على أوسع نطاق. إلى الاعتداء الوحشي الذي تعرضت له سيدة من الدشيرة، ظهرت في شريط فيديو على شبكة الأنترنيت، عرضها طليقها لاعتداء جسدي شنيع، أمام حشد من المواطنين، الذين برهنوا على براعة فائقة في تصوير المشهد المخجل، بواسطة هواتفهم النقالة، عوض التدخل والاستجابة لاستغاثة الضحية، أو الاتصال برجال الأمن. لكن لا حياة لمن تنادي، ظلت تصارع مصيرها تحت عنف المعتدي.. إلى تلك المواطنة البلجيكية من أصل مغربي، التي تعرضت لاعتداء جسدي بواسطة السلاح الأبيض، بالرباط من طرف طليقها. وما إلى ذلك من الحالات التي تعود بنا إلى واقعة الأوتوبيس الذي كان مسرحا لعبث مجموعة من المراهقين بجسد شابة، افتضح أمرها هي الأخرى عبر اليوتيب، حيث لا أحد تدخل ساعتها، بمن في ذلك سائق الحافلة. صحيح أن مثل هذه الأفعال تبقى شاذة واستثنائية، ولكنها بدأت تستشري في المجتمع بشكل تصاعدي أكثر وحشية وتغلغلا في الشارع العام، بعنفها وتشهيرها الفج، وتسويقها كمادة خادشة للحياء، بشكل عادي، دون مراعاة لآثارها النفسية والاجتماعية، للضحايا اللواتي يجدن أنفسهن محاصرات من طرف الآخر، بأحكام مجتمعية وتأويلات مجانبة للصواب، وكأنهن مذنبات، في الوقت الذي يحتجن فيه إلى دعم معنوي أسري ومجتمعي، كفيل بمساعدتهن على تجاوز آثار وتبعات ما تعرضن له من اعتداء صارخ، على يد وحوش آدمية، من مختلف الأعمار والمستويات بل وحتى النخب التي من المفروض أن تكون بمثابة القدوة. فهل هي أزمة قيم، أم استقالة الضمير المجتمعي، من أداء وظائفه الطبيعية في التصدي لمثل هذه الفظائع، ومد يد العون لشخص معرض للخطر، بأي شكل من الأشكال، أو التعجيل بالتبليغ عنه في حينه، وذلك أضعف الإيمان. علما بأنه قد يكون هو نفسه أو إحدى قريباته أو أقاربه، عرضة له، لا قدر الله. ولذلك فإنه لا يمكن القضاء على مثل هذه الظواهر ومحاصرتها إلا بصحوة الضمير، وإعمال النخوة والشهامة المغربية، فالكل معني بها. إن العنف العلني المرتكب مع سبق الإصرار والترصد، لا يختلف كثيرا فظاعة وخسة عن صمت من عاينوه من دون أن يحركوا ساكنا، بغض النظر عن كونهم مسؤولين أمام القانون بعدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر. ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى مسؤولية مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة اليوتيب والفايسبوك، التي تجيز نشر مثل هذه الفضائح والسلوكات الخارجة عن القانون، والمصنفة في باب التشهير المسيء للضحايا ولعائلاتهن. ليس لكونها تزكي انتشار هذه الفضائح وتشجع مقترفيها على التمادي في الاستهتار والإساءة العلنية للآخرين ولكنها تتنافى جملة وتفصيلا مع أبجديات وقوانين النشر الورقي منه والرقمي، الذي أضحى بوابة مترعة عن آخرها للتشهير بأعراض الناس، خصوصا منها مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مطالبة وبإلحاح بعدم السماح بنشر تلك الفضائح، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق كل من يحاول نشر هذا النوع من الفيديوهات الحاطة من الكرامة الإنسانية، لأغراض دينئة من قبيل التشهير والمساومة والابتزاز. مرتبط