أجمعت النقابات الوطنية للتعليم على أن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 60 لثورة الملك قد رد الإعتبار للمدرسة العمومية التي مكنت برامجها ومناهجها من تكوين أجيال من الأطر الوطنية ووضع الأصبع على مكامن معضلة التعليم في معرض تشخيصه لواقع التربية والتكوين ببلادنا ، الذي أصبح أكثر سوءا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة، معتبرة نبرة الخطاب القوية والقاسية عنوان صدق ومسؤولية من أعماق قلب أب يكن، كجميع الآباء، كل الحب لأبنائه ويتقاسم وإياهم نفس الهواجس المرتبطة بتعليم الأبناء ونفس مشاكل المنظومة التربوية. وحسب الفاعلين المعنيين بورش التربية والتكوين ، فإن قرار الملك القاضي بتفعيل المجلس الأعلى للتعليم ، عملا بالأحكام الانتقالية التي ينص عليها الدستور، أملته الأوضاع الراهنة لقطاع التربية والتكوين ، والتي باتت تقتضي إجراء وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات وتحديد مكامن الضعف والاختلالات، بعد أن أصبحت مشاكل التعليم العمومي تدفع بالأسر المغربية ، رغم دخلها المحدود تتحمل التكاليف الباهظة لتدريس أبنائها في المؤسسات التعليمية التابعة للبعثات الأجنبية أو في التعليم الخاص ، بسبب اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية، التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، وبسبب الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية. لدا، فإن ضرورة تقييم منجزات عشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين والانكباب على هذاالورش الوطني الكبير الذي يتوخى إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية وضمان التوزيع العادل للمعرفة باتت مطروحة بقوة ، بل وتعكس مطالب الشعب الملحة في إصلاح المنظومة التعليمية ، أمام تقاعس الحكومة الحالية في استثمار التراكمات الإيجابية التي تم تحقيقها في إطار تفعيل مخطط البرنامج الاستعجالي للتعليم ، بل وتراجعها، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين بورش التربية والتكوين ، كما جاء في الخطاب الملكي ، عن مكونات أساسية منه، تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية، وبرنامج التعليم الأولي، وثانويات الامتياز. ويهذا الخصوص يثور قرار تعطيل العمل بالمذكرتين 122و204 حول بيداغوجية الإدماج السنة الماضية، والذي تسبب في احتقانات واسعة في أوساط الهيئة التربوية والتعليمية ،بسبب المزايدات والحسابات الضيقة التي طبعت عمل الحكومة و حالت في غياب آليات للتقويم دون تمكن المشرفين من قياس نجاعة المشاريع ومدى تحقيق غاياتها الأساسية في مجرى تنفيذ مشاريع المخطط الإستعجالي البالغ عددها ثلاثة وعشرون مشروعا. وإن دل هذا على شيء فإنه يدل ، حسب ما ذهبت إليه التقارير الدورية لبعض النقابات الوطنية للتعليم ، على أن المسؤولين عن قطاع التعليم يفتقدون التصور الشامل الناجع لإصلاح التعليم، و ليست لديهم أية رؤية واضحة وحقيقية عن مقاصد التعليم وغاياته وأغراضه، بحيث لا تزال المنظومة التربوية تراوح مكانها وتجتر ذات الظواهر السلبية التي جاء المخطط لمعالجتها كالهدر والاكتظاظ والعنف وضعف المردودية و الخصاص في الموارد البشرية سواء في اطر هيئة التدريس والادارة والخدمات والاحتقان اليومي والاحتجاجات المستمرة ... ومعلوم أن المخطط الإستعجالي للتربية والتكوين الذي باشرت الحكومة السابقة عملية تنفيذه في السنوات الثلاث الأخيرة من ولايتها،وصرفت الدولة قرابة 800 مليار سنتيم لتغطية مختلف مشاريعه ، قد تم تسطيره من أجل تطوير المنظومة التربوية المغربية وتحقيق جودتها، وفق مشاريع وأهداف مضبوطة تتمثل مجالاتها في إعداد الفضاءات الكافية لاستيعاب المتمدرسين من خلال البناء والتشييد و الاصلاح والتجهيز ، وفي التصدي لضعف الكفاءة التربوية والتدبيرية بهدف توفير الأطر الأكفاء المتميزين لتحقيق المردودية التربوية والجودة التعليمية ، وفي ضمان كثافة التحاق التلاميذ بالمدرسة في أجواء تربوية ومستقرة بهدف القضاء على الأمية والحد من الهدر المدرسي . الا ان طرائق تنفيذ هذه الاهداف النبيلة ، حسب بعض المستشارين التربويين، لم تكن موفقة في توزيع الأدوار والوظائف والمسؤوليات و اختيار الموارد البشرية المكلفة بأجرأتها ، إذ اسندت مهمة تنسيق المشاريع جهويا وإقليميا لاشخاص لا يتوفرون عل مؤهلات قيادة مشاريع من هذا الحجم ، بل هناك اشخاص اسندت لهم مهمة قيادة اكثر من مشروع مما صعب مهمة متابعة وتنفيذ مختلف خطوات هذه المشاريع ، وهذا ناهيك عن تفشي المحسوبية والزبونية في ظل التهافت على الاستفادة من التعويض السخي المخصص لمنسقي المشاريع بل وفي غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة. وتفيد الأرقام والإحصاءات الرسمية ، أن ميزانية قطاع التعليم تبلع حوالي 40 مليار درهم سنويا، تمثل في مجملها نسبة 4.5 %من الناتج الداخلي الخام، وتنفق الدولة قرابة 5000 درهم لكل تلميذ سنويا، وذلك من مجمل ميزانية مخصصة لسبعة ملايين تلميذ، وحوالي 280 ألف موظف حيث تصل نسبة القطاع ما يقارب26 % من الميزانية العامة للدولة، وظلت ميزانية التعليم مثار جدل كبير خلال السنوات الأخيرة، إذ مقابل المبالغ الضخمة التي يستهلكها ينتج آلاف العاطلين عن العمل سنويا، التي تقضي أعداد واسعة منها يوميا في الاعتصام وفي المطالبة بالتوظيف، ليطرح سؤال الجودة، ومدى قدرة التعليم العمومي على مواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم اليوم. وأكدت الإحصائيات إن السياسة التعليمية في المغرب لم تستطع مواكبة هذه المتغيرات، حيث تزايد حجم الهدر المدرسي، كما أن الجامعات المغربية عجزت عن ملائمة الشواهد مع سوق الشغل، وأصبحنا أمام منظومة تعليمية دون المعيار الأساس في سلم التنمية البشرية بل وخارج سياق العصر ومتطلبات مغرب ديمقرطي مواطن .