ذ.مولاي نصر الله البوعيشي من الصعب إصدار الإحكام الجاهزة دون أن يكون المرء ملما بمختلف المعطيات ومتمكنا من مختلف المؤشرات المبنية على دراسات علمية ، لذلك فإنني اعتبر أن الخوض في تقييم مشروع من حجم المخطط الإستعجالي للتربية والتكوين الذي جاء من أجل تطوير المنظومة التربوية المغربية وتحقيق جودتها، يتطلب الحيطة والحذر خصوصا في غياب تقارير رسمية حول الحصيلة النهائية لهذا المخطط ونسب نجاح أو فشل مشاريعه 23. ولكن هذا لا يمنع من التأكيد على أن هذا المخطط كان يحمل معه بوادر فشله لأنه من( الدار خرج مايل ) كما يقول المثل المغربي، إذ رغم أن أهدافه كانت مضبوطة - فوق الورق على الاقل- تلكم الاهداف التي يمكن اختزالها في 3 مجالات : 1- إعداد الفضاءات الكافية لاستيعاب المتمدرسين من خلال البناء والتشييد و الاصلاح والتجهيز و الربط بالماء والكهرباء والهاتف . 2- تكوين المدرسين والمسيرين بالتصدي لضعف الكفاءة التربوية والتدبيرية و مراجعة المسارات التكوينية بهدف توفير الأطر الأكفاء المتميزين لتحقيق المردودية التعليمية المرجوة . 3- التحاق التلاميذ بالمدرسة بشكل مكثف في أجواء تربوية مفعمة بالسعادة والطمأنينة والاستقراربهدف القضاء على الأمية والحد من الهدر المدرسي . الا ان طرائق تنفيذ هذه الاهداف النبيلة لم تكن موفقة وعلى رأسها توزيع الأدوار والوظائف والمسؤوليات و اختيار الموارد البشرية المكلفة بأجرأتها ، إذ اسندت مهمة تنسيق المشاريع جهويا وإقليميا لاشخاص لا يتوفرون عل مؤهلات قيادة مشاريع من هذا الحجم ، بل هناك اشخاص اسندت لهم مهمة قيادة اكثر من مشروع مما صعب مهمة متابعة وتنفيذ مختلف خطوات هذه المشاريع ، بحيث ترك الأمر عائما و مائعا وسبب ذلك هو التهافت على الاستفادة من التعويض السخي المخصص لمنسقي المشاريع وهو ما حدا بأغلب الإدارات التعليمية الجهوية والاقليمية -إن لم تكن كلها- الى إسناد مهام تنسيق المشاريع الى بعض موظفيها بغض النظر عن مؤهلاتهم وقدراتهم أو توفرهم على شروط القيادة (أكاديمية العيون بوجدور الساقية الحمراء ونياباتها نموذجا ) مع بعض الاستثناءات . هذا بالإضافة الى التعويضات الكبيرة المخصصة في ميزانية المخطط الإستعجالي سواء للتكوين أو للتغذية أو للتنقل .هذا التكوين الذي اوكلت مهمة الاشراف على بعض محاوره لكل من هب وذب في الوقت الذي كان فيه على الإدارة أن تدرس بشكل موضوعي وواقعي إمكاناتها البشرية والا يقتصر الامر على العاملين بالنيابة او الاكاديمية , وكان بامكانها أن تستعين بخبراء أو أفراد من خارج هاتين المؤسستين بل ومن خارج القطاع ككل لتنفيذ هذه المشاريع الطموحة . فعلى سبيل المثال : وفي ابجديات تنفيذ المشاريع فإن المنسقين مطالبون بوضع خطة تنفيذ منفصلة عن خطة العمل الرئيسية وذلك بالتنسيق مع كافة اعضاء فريق قيادة المشروع .ولكن ضعف مؤهلات بعض المنسقين في وضع الخطط وفي قيادة المشاريع نتج عنه مثلا برمجة تكوينات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا تستجيب لادنى الحاجيات الفعلية للفئات المستهدفة اذ طغى عليها الجانب الكمي لتبرير صرف الإعتمادات المخصصة لها ( التعويضات و التنقل والتغذية). والمحصلة هو هذا الفشل الذريع الذي يتحدث عنه الجميع ويقر به المسؤولون انفسهم . وإن دل هذا على شيء فإنه إنما يدل على أن المسؤولين عن قطاع التعليم يفتقدون التصور الشامل الناجع لإصلاح التعليم، و ليست لديهم أية رؤية واضحة وحقيقية عن مقاصد التعليم وغاياته وأغراضه.والدليل ان المنظومة التربوية لا تزال على ما هي عليه وهو ما يؤكده واقع المؤسسات التعليمية الذي لازال على حاله كما عهدناه منذ عقود من استمرار لنفس الظواهر السلبية التي جاء المخطط لمعالجتها كالهدر والاكتظاظ والعنف وضعف المردودية و الخصاص في الموارد البشرية سواء في اطر هيئة التدريس والادارة والخدمات والاحتقان اليومي والاحتجاجات المستمرة وتنامي ظاهرة الأشباح التي يقر بها الجميع ولكن لا احد يتجرأ عن ادخال يده في عش الزنابير هذا ، و اتخاذ القرار الكفيل بوضع حد لهذه الآفة التي غالبا ما يكون ابطالها نقابيون او محسوبون على احزاب معينة او فائضون بدون مقر عمل او بدون مهمة معروفة ومنهم للاسف الشديد اعضاء مكاتب نقابية اقليمية وجهوية .....ممن يتشدقون بمحاربة الفساد وهم اكبر المفسدين .... ومن الظواهر كذلك التي لا زالت مستفحلة: قلة التجهيزات والأدوات التعليمية وعدم جودة المتوفرة منها والتي تحمل جلها علامة صنع في الصين/ وما ادراك ما السلع التي تحمل هذه العلامة . و هناك ظواهر جديدة طفحت على السطح واصبحنا نسمع بها كبيع المخدرات في ابواب المؤسسات بل وبداخلها وهجوم المنحرفين والشماكرية( واغلبهم ممن لفظتهم تلك المدارس) على المؤسسات والاعتداء على التلاميذ والاساتذة والاداريين و لاتقتصر هذه الافة على اقليم دون آخر . وهذا بشهادة مختلف مكونات الجسم التعليمي والمجتمعي بصفة عامة وهو ما تطالعنا به مختلف وسائل الإعلام المكتوبة منها بالخصوص صباح مساء . ومرد كل هذا – في اعتقادي - الى افتقاد المسؤولين الرسميين عن قطاع التعليم الى التصور الشامل الناجع لإصلاح التعليم، والى ان جل منسقي مشاريع المخطط الاستعجالي ليست لديهم أية رؤية واضحة وحقيقية عن مقاصد التعليم وغاياته وأغراضه. وما دام الوضع على ما هو عليه ولا شيء تغير من هنا تأتي مشروعية السؤال الذي جعلته عنوانا لهذا المقال : أين صرفت 800 مليار سنتيم ؟؟؟ هذا المبلغ الكبيرالضخم والهائل والمخيف ( اللي ما جمعو غير الفم) المخصص لتنفيذ مختلف مشاريع هذا المخطط ؟؟؟؟؟ وما حجم الدعم المالي والقروض التي تم تحصيلها من الشركاء الأجانب والمؤسسات المالية الدولية لتمويل البرنامج الاستعجالي مثل البنك الإفريقي للتنمية والوكالة الفرنسية للتنمية والبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الدولي. ويقدر حجم هذه الاستثمارات الأجنبية -حسب بعض المصادر - بحوالي 518 مليون أورو؟؟؟؟ السؤال كذلك يكتسب مشروعيته من تقارير صادرة عن بعض لجن الوزارة ومن تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي تتحدث عن وجود سوء تدبير مالي للميزانية المرصودة للمخطط ألاستعجالي بجهات محددة . نعم صحيح ان بعض المشاريع 23 من المخطط قد تفشل او تتعثر بسبب تعرضها لمؤثرات خارجية يصعب التكهن بها, ولكن اين هي اجهزة المراقبة أثناء التنفيذ التي تكمن مهمتها في المساعدة على توجيه المشروع من خلال الاستمرار بتنفيذ الخطة أو تعديلها أو وضع خطة بديلة. وأنا في الحقيقة لا اعرف فيما اذا كانت اكاديمياتنا المحترمة تتوفر على أجهزة رقابية من هذا النوع أوكلت لها مهمة تقييم المشاريع وتقويمها عند الإقتضاء . وعلى ضوء تصريح وزير التربية الوطنية لوسائل الاعلام يوم 21 فبراير2012 فيبدو ان المغرب كدولة لا يتوفر على أليات لتقويم مشاريعه فقد صرح سعادته بأنه" قد حان الوقت لنتوفر على أليات لتقويم المشاريع "جاء هذا في حديثه عن إلغاء المذكرتين 122 و204 . ويمكن أن نستشفه من كلام الوزير وهو على كل حال مسؤول ويعرف ما يقول هو أن هذا المخطط وضمنه بيداغوجيا الإدماج لا يتوفر على آلية للقياس (دورية أو نصف سنوية أو سنوية )تمكن المشرفين من قياس نجاعة المشروع ومدى تحقيق غاياته الأساسية . بيداغوجيا الادماج بين التقويم والتقييم وجبر الخواطر . اذن اليوم ، و والمخطط يلفظ انفاسه الاخيرة ، فان المطلوب من الجهات المختصة مركزيا باعتبارها صاحبة المشروع ومن الأكاديميات باعتبارها منفذة المشاريع جهويا ومن النيابات اقليميا ان تقوم بعملية تقييم شاملة لما انجز وما لم ينجز وما نجح وما لم ينجح وما صرف وأين صرف ؟؟ وكيف ؟؟ وما لم يصرف ؟؟ ولماذا ؟؟؟ على ان توكل هذه المهمة لأشخاص من ذوي الاختصاص : هيئات او مؤسسات مستقلة لم يشتغلوا بأي مرحلة من مراحل اي مشروع من مشاريع المخطط ، وذلك عن طريق وضع جدولة زمنية محددة , وعن طريق تحديد المؤشرات التي ستفحص , مع تعليمات صارمة وواضحة باستصدار المعلومات من جميع المصادر التي يرونها ضرورية لانجاح عملية التقييم . ان اهمية هذا التقييم تكمن في كونها ستجعلنا نستفيد منها في المشاريع المستقبلية. لان هنا مكمن الخلل و سبب فشل جميع المشاريع السابقة هو غياب التقييم ثم ما ينتج عنه من جزاء . ويجدر التنويه هنا الى انه لا يجب باي حال من الاحوال وتحت اية ذريعة او مسمى او مسوغ اعتبار ما تقوم به المجالس الادارية للاكاديميات من مصادقة على تقارير الحصيلة السنوية بمثابة تقييم ، وانتهى الامر . على اعتبار أنها هذه المجالس معينة و صورية و شكلية و مهمتها التصديق بالتصفيق ، مع احترامي لاعضائها المنتخبين الذين لا يكترث احد لهم او لا يلتفت لاقتراحاتهم( هذا اذا كانت لديهم اقتراحات اصلا) وهذه المجالس بتركيبتها وباختصاصتها الحالية مضيعة للوقت وللمال ، ولا يجب ان نعول عليها لإجراء التقييم الموضوعي الشامل الذي نصبو اليه والاجابة عن سؤالنا حول كيفية وأين صرفت أموال البرنامج ألاستعجالي؟ بتاريخ 17 فبراير 2012 اطلق الاستاذ الوفا رصاصة الرحمة على بيداغوجيا الادماج عندما قرر تعطيل العمل بالمذكرتين 122 و204 التين كانتا السبب في احتقانات واسعة في صفوف نساء ورجال التعليم . وقد تساءل الكثيرون ومنهم الخبير التربوي الأستاذ الدريج عن : "كيف يمكن للسيد الوزير أن يلغي بيداغوجيا الإدماج بهذه السرعة دون الاستناد على دراسات تقويمية وإحداث "لجان لتقصي الحقائق"على أرض الواقع ؟" ونحن نضيف الى هذا التساؤل تساؤلا من طينة اخرى : هل المقصود من هذا القرار :جبر خواطر النقابات لتهدئة الأوضاع والحد من هذا السيل الجارف من الإضرابات والاحتجاجات؟؟ الم يكن من الاجدى ان يتأنى السيد الوزير قبل الاقدام على هذا القرار(التاريخي ) ؟؟؟ أما والأمر قد قضي والقرار قد اتخذ، "والفاس قد وقعت في الرأس " كما يقال ، فهل سيقوم السيد الوزير بمتابعة المسؤولين عن هذه الورطة وبمحاسبة المتلاعبين في الأموال الطائلة المخصصة لهذه البيداغوجيا والتي ظهرت اثار نعمها على الكثيرين . توجد اليوم أصوات متعددة داخل المنظومة التربوية وداخل جميع مكونات المجتمع ترى أن هناك أموالا كثيرة صرفت على البرنامج الاستعجالي بدون فائدة، وبالمقابل فان الادارة تؤكد أن المبلغ المخصص لهذا المخطط تصرف بشكل شفاف، وأن جل الاعتمادات المخصصة للمشاريع والبرامج تمت برمجتها من أجل إنجاح المخطط. ولكن ما ننتظره هو ان تصدر كل اكاديمية وكل نيابة بيانات بالأرقام عن المبالغ المرصودة لكل مشروع من المشاريع وكشوفات عن المبالغ المصروفة في مختلف المشاريع ولوائح باسماء المستفيدين من التعويضات ومبلغ هذه التعويضات والمهام التي استحقوا عنها هذه التعويضات . كما ننتظر كشوفات بالمبالغ المصروفة في التنقل مع تبيان الوجهات ومبرر التنقل ومدة الاقامة . نريد ان نعرف المبالغ المخصصة للتغذية وبكم تقام كل مأدبة وعدد أيام الإطعام .و قائمة بمختلف التجهيزات والادوات المقتناة والجهات المستفيدة منها .و....و....و....و إلى أخرها حتى يكون الشعب صاحب هذه الاموال والعاملون داخل المنظومة على علم باوجه صرف الملايير المخصصة للمخطط الاستعجالي .وهذه هي الشفافية وهذا هو الوضوح ومن هنا يمكن ان نربط المسؤولية بالمحاسبة .بهكذا اجراء وبهكذا تقييم يمكن ان نضع حد لسياسة الأهواء والأمزجة في صرف المال العام ونضع حدا كذلك للقيل والقيل وللشائعات التي تتناسل هنا وهناك عن الاغتناء اللامشروع من اموال هذا المخطط التي لم تأت إلا من عرق ودم الشعب . وفي اطار تفعيل سياسة القرب والتواصل ، هل ستقوم الاكاديميات ومنها طبعا أكاديمية العيون بوجدور الساقية الحمراء بإصدار نشرة عن كل مشروع يتضمن مختلف التفاصيل الأدبية والمالية ؟؟ . قد يقول قائل بان هناك جهات هي التي من حقها ومن اختصاصها ان تعرف وان تحاسب وان تطلع . وهذا طرح صحيح ولكن لا احد يثق في تلك الجهات بدليل أن ذلك يتنافى مع الشفافية والوضوح الذي بشرت به الحكومة الجديدة و كذلك بدليل ان تقارير تلك الجهات تبقى سرا من اسرار الدولة كما ان بعض قراراتها لاتحترم والدليل ان لجنة افتحاص أعفت مسؤولا في الأكاديمية ومع ذلك تدخل النفوذ النقابي والحزبي وعاد أقوى مما كان عليه وكأن شيئا لم يكن في الوقت الذي كان الرأي العام ينتظر أن تطال يد المحاسبة حوارييه .. ، ان الشفافية في صرف المال العام رهين بإسناد مناصب المسؤولية الدائمة كرؤساء الاقسام والمصالح و المهام المؤقتة كمنسقي المشاريع واللجن إلى الذين يستحقونها عن جدارة علمية بمعايير واضحة وشفافة عوض اللجوء إلى تكليف أطر ضعيفة مهزوزة عبر طرق غير مشروعة معروفة للداني والقاصي...، ومحاسبة المسؤولين المقصرين وناهبي المال العام وتبذيره هو وحده الكفيل ليسترجع المواطن المغربي الثقة في الادارة المغربية وفي المدرسة العمومية .