دعا وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، أول أمس بالرباط، مقاولات القطاع الخاص إلى التحلي بمزيد من المواطنة الضريبية، لتجاوز عدم التوازن بين ميزانية الدولة والدين العمومي المرتفع. وقال بوسعيد، في كلمة بمناسبة الدورة ال 11 للمناظرة الدولية حول المالية العمومية، ألقاها بالنيابة عنه الخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، إن على "مقاولات القطاع الخاص التحلي بمزيد من المواطنة الضريبية، لأن عدم توازن الميزانية العمومية وارتفاع الدين العمومي سينعكسان عاجلا أم آجلا على جودة البنيات التحتية والخدمات العمومية، وأجال التسديد، وبؤديان في نهاية المطاف إلى الرفع من معدل فرض الضرائب أو إحداث ضرائب ورسوم جديدة". وأضاف أن ميزانية الدولة يجب أن تكون أقل تبعية للعائدات ذات الطبيعة الاستثنائية، كمنح دول الخليج، وإيرادات الخوصصة. وذكر أن على الدولة أن تقوم بتقييم السياسات العمومية وإدراج المالية العمومية ضمن رؤية بعيدة المدى، بعيدا عن الإكراهات القصيرة الأمد المرتبطة بالظرفية الاقتصادية والمالية. وأكد بوسعيد أن توازن المالية العمومية لا يجب أن يرتبط فقط بوزارة المالية، موضحا أن مختلف القطاعات الوزارية، والمؤسسات والمقاولات العمومية التي تشرف عليها، مطالبة بضمان استدامة المالية العمومية. وأشار إلى أن الدستور كان صريحا بهذا الشأن لأنه ألقى على عاتق البرلمان والحكومة مسؤولية الحرص على الحفاظ على توازن مالية الدولة. وذكر بوسعيد بأن إجراءات هامة قد اتخذت بالمغرب لمواجهة مكامن الخلل التي سجلت على مستوى ميزانية الدولة تحت تأثير الأزمة المالية لسنة 2008 وارتفاع أسعار النفط. وأوضح أن من ضمن هذه الإجراءات اعتماد قانون تنظيمي جديد يتعلق بقانون المالية يؤطر بشكل أمثل مالية الدولة والمقايسة التي عرفتها أسعار المنتجات البترولية، والتي مكنت من توفير فضاءات على مستوى الميزانية الرئيسية، والتسوية التدريجية لوضعية اعتمادات الضريبة على القيمة المضافة، وإصلاح نظام التقاعد. وشدد الوزير على الطابع السيادي لميزانية الدولة، التي يعبر عنها من خلال سياسة للميزانية تشكل، إلى جانب السياسة النقدية، أحد أهم رافعات السياسة الاقتصادية التي تتوفر عليها الدولة في مواجهة آثار الظرفية الاقتصادية. وتابع قائلا بهذا الشأن أن الدولة يمكنها على سبيل المثال تعويض انخفاض أو تباطؤ الطلب بالرفع من النفقات العمومية. من جهته، قال بنسودة إن الأدوات الرئيسية المتعلقة بميزانية الدولة هي النفقات، على الخصوص تحويل الأموال والدعم المالي والضرائب والحوافز والإعفاءات الضريبية وكذا الديون التي باتت ضرورية لسد الفجوة بين الموارد والنفقات. وشدد على أن السيادة النقدية للدول تشمل اجراءات سك العملة وتحديد معدل الفائدة وتحديد الكتلة النقدية الجاري استعمالها وسعر الصرف. وأشار الخازن العام إلى أن السياسة النقدية تمثل مجموع الوسائل التي تتوفر عليها الدول من خلال البنوك المركزية للعمل على مستوى النشاط الاقتصادي بواسطة العرض النقدي مع تحديد شروط تمويل الاقتصاد. أما بوفييه ميشال، الأستاذ بجامعة باريس 1 بونثيون–السوربون، ورئيس جمعية المؤسسة الدولية للمالية العمومية ومدير المجلة الفرنسية "فينانس بيبليك"، فشدد على أن المالية العمومية، التي تنطوي في الوقت ذاته على جوانب اقتصادية وقانونية واجتماعية وحتى فلسفية، مرتبطة بتحولات المجتمعات. وأوضح أن "التاريخ أثبت مرارا أن المالية العمومية تلعب دورا كبيرا في إطلاق التحولات العميقة التي تعرفها بعض الدول"، مشددا على الارتباط الوثيق بين المالية العمومية والسلطة السياسية، وكونها مصدر دينامية البناء وتطوير سيادة الدول". وشكلت المناظرة الدولية حول المالية العمومية التي تنظمها وزارة الاقتصاد والمالية بشراكة مع المؤسسة الدولية للمالية العمومية، حول موضوع "المالية العمومية وسيادة الدول"، والتي تميزت جلستها الافتتاحية بحضور السفير الفرنسي بالمغرب، جان–فرانسوا جيرو، مناسبة لتدارس قضية تبرز عددا من التأثيرات والضغوط التي تتعرض لها الدولة نتيجة التحولات الكبرى الناجمة عن ظاهرة العولمة وتحرير الاقتصادات والمبادلات. ويشتمل برنامج هذه التظاهرة التي تمتد على مدى يومين ثلاثة محاور تتركز حول "واقع السيادة المالية" و "مستقبل السيادة الميزاناتية" و"الرهانات المستقبلية للمالية العمومية وسيادة الدول".