بجلسته المنعقدة يوم الثلاثاء الماضي, اختتم مجلس النواب دورته الخريفية للولاية التشريعية الحالية. وعشية نهاية هذه الدورة, وحتى قبل كلمة الاختتام' رصدت وسائل الإعلام الوطنية الموضوع وخصصت له تعاليق أولية. وأن يكون هناك اهتمام وتتبع اعلامي للحدث فذاك ما يعكس واقعا يمكن ان نسميه بالصورة الجديدة للمؤسسة التشريعية' الصورة التي نحت الدستور الجديد ملامحها العامة من خلال الاصلاحات والصلاحيات التي اتى بها' والتي كان من جملة ما جاء بصددها' في خطاب 9 مارس 2011 : "توطيد مبدا فصل السلط وتوازنها, وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها من خلال برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة' يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة, مع توسيع مجال القانون' وتخويله اختصاصات جديدة, كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية..." . ولقد حرصنا على إيراد هذه الجملة من الخطاب الملكي للتدليل على أن الإصلاح الدستوري الذي أنجزته البلاد بكل وعي ومسؤولية' يضعنا أمام مؤسسة برلمانية من طراز جديد' وبان فلسفة هذا الإصلاح تقوم على تأهيل وتحديث شاملين لهياكل الدولة عبر تعزيز الأليات الدستورية وتزويد مؤسساتها البلاد بما يجعلها قادرة على مواجهة التحديات ورفع الرهانات. وأن تكون لمجلس النواب صورة جديدة, لدى المواطنين والرأي العام, معناه أن تتجسد هذه الصور في أداء وعمل المجلس تشريعا ورقابة وديبلوماسية موازية. وتعتبر نهاية كل دورة برلمانية مناسبة لاستعراض وتقييم وتيرة العمل وحجم الإنتاج التشريعي' وكما سبقت الإشارة فان الصحافة سارعت الى نقل بعض وجهات النظر التي اعتبرت بأن إنتاج الدورة الخريفية كان متواضعا على مستوى المقترحات التي يتقدم بها السادة النواب' إذ أن المقترحات المحالة من لدن الفرق البرلمانية' حسب ما نشر' لم يتجاوز 36 مقترحا . على أن الضعف البارز الذي سجله الملاحظون هو ما يعود إلى المشاريع المفروض أن تتقدم بها الحكومة' بما في ذلك القوانين التنظيمية المرتبطة بتنزيل مقتضيات دستور 2011 . على هذا المستوى اعتبرت التقييمات الأولية أن الحصيلة كانت هزيلة' بالنظر إلى أنها لم تتجاوز 20 نصا قانونيا, و15 اتفاقية دولية. ومعنى ذلك واضح' بحيث أن هزالة الحصيلة, وبطء التشريع, يتمثلان في عزوف الحكومة او تأخرها في تزويد المؤسسة التشريعية بالمشاريع التي تنتظرها العديد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية' وتستوجب الإسراع بها حاجة استكمال هيكلة مجموعة المؤسسات وتعالج بعض الإشكالات السياسية. هذا, بينما كانت الحكومة منذ مدة, قد التزمت بالإعلان عن مخططها التشريعي الذي يمكن من خلاله وضع الرأي العام والمتتبعين في الصورة. لكن ها هي الشهور تمر وها هي دورة الخريف تختتم من دون أن يظهر لهذا المخطط أثر' ومن دون أن تعلن الحكومة عن تصورها لأجندة وأسبقيات القوانين التنظيمية والنصوص التشريعية المنتظرة. والفريد في الموضوع ' وفي ظل صمت الحكومة' أن يتولى رئيس الفريق البرلماني للبيجيدي الأنابة عن الحكومة حينما تحدث عن "نيةّ هذه الأخيرة في إحالة مخططها التشريعي على البرلمان في الأيام القليلة القادمة. والحقيقة أن خرجات برلمانيين من هذا النوع لا يمكن أن تغطي على ارتباك الحكومة وانسداد قنوات الإنتاج بينها وبين البرلمان والبرلمانيين' فأحرى أن تعوض المسؤولية الحكومية في هذا التأخر والغموض الذي يطبع سلوكها في مجال تهييء مشاريع القوانين وتزويد مجلس النواب بمادة التشريع . هذا الواقع هو ما يدفع بالكثيرين إلى المجاهرة بكون التعامل الحكومي, من غير الحضور الذي لا ينكر, لا ينسجم مع الوتيرة والشحنة التي يتطلبها رهان الإصلاحات الديمقراطية التي انفتحت عليها أبواب المغرب بتميز وتفرد شامخ. لاشك أن تدارس وتحاليل نتائج الدورة قد يتسع, وسيكون لكل معني الوقوف على نتائجه وخلاصاته' أما في المجمل وعموما فلا بد من الإقرار بأن العمل الحكومي تجاه الواجهة البرلمانية لم يكن في مستوى ترسيخ الصورة الجديدة للبرلمان المغربي, ولا يساعد – بهذا البطء – على قيام المؤسسة التشريعية بدورها الفاعل في مجالات التشريع و التنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي .