من المرتقب أن يحل رئيس الحكومة الفرنسية "جان مارك أيرلوت" بالمغرب يومي 12 و 13 من الشهر الجاري، في رغبة من قصر الإيليزيه للإبقاء على خيوط الاتصال مع المغرب وعدم الإضرار بالعلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين والموقع الذي تحتله فرنسا كشريك أول للمغرب. الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الفرنسي تأتي، كما ترى مصادر دبلوماسية ومراقبون إعلاميون، في إطار ترضية المغرب، بسبب عدم اختيار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند له كوجهة أولى، حيث ستكون الجزائر أول بلد مغاربي يقوم بزيارته يومي 19 و20 دجنبر، في خرق واضح للتقليد الذي أرساه رؤساء فرنسيون سابقون، بمن فيهم الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران. وكانت جريدة "لوموند" الفرنسية قد أوردت خبر زيارة رئيس الوزراء الفرنسي ضمن مقال تحليلي لها في الملحق الجيوسياسي الصادر في نهاية الأسبوع الأخير بعنوان "فرنسا تتجاذب بين الأشقاء الأعداء في المغرب العربي"، حيث أكدت أن التنافس القوي بين المغرب والجزائر داخل المنطقة، في عدة مجالات استراتيجية تحول الى العلاقات مع فرنسا باعتبارها القوة الاستعمارية السابقة. وأضافت الجريدة الفرنسية أن إمكانية بناء علاقة ثلاثية تبقى مستبعدة في ظل التجاذبات الحالية بين البلدين المغاربيين. مذكرة أن من بين العناصر التي تقوم عليها العلاقات الفرنسية المغربية تأييد باريس للمغرب في نزاع الصحراء، وهو ما يشكل ضربة كبيرة للنظام الجزائري بسبب مناهضته لوحدة المغرب الترابية. وأبرزت جريدة "لوموند" مدى القلق الذي سيطر على المغرب بعد فوز فرانسوا هولاند الاشتراكي برئاسة فرنسا في شهر ماي الماضي وذلك بسبب وجود لوبي قوي موال للجزائر في محيط الرئيس الجديد من بينهم "قادر عريف" و"فوزي المداوي" و"ستيفان لوفول"، في مقابل أن اللوبي المغربي لا يمثله سوى "نجاة بلقاسم" الناطقة حاليا باسم الحكومة الفرنسية، ومن ثم كانت خسارة نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية وهو الذي كان يدعم المغرب ويعطيه الأفضلية في علاقات بلاده مع منطقة المغرب العربي، ذات وقع سلبي كبير على المغرب، خشية أن يحدث هولاند تغييرات عميقة في أولويات علاقات بلاده مع دول المغرب العربي، علما أن الاشتراكيين الفرنسيين ظلوا على مسافة بعيدة تجاه المغرب في ما يخص قضية الصحراء، بل كانوا في أحيان عديدة يصدرون مواقف غير ودية تجاه المغرب. مصادر سياسية ودبلوماسية، أخرى اعتبرت أن خطوة الرئيس الفرنسي من خلال قراره بإرسال رئيس حكومته إلى الرباط خلال منتصف الشهر الجاري، تحمل أكثر من رسالة سياسية نحو المغرب. فبغض النظر عن مبدأ التوازن الذي يحاول أن يطبقه هولاند في علاقات بلاده مع كل من المغرب والجزائر، والذي بدا واضحا حينما حرص على إجراء اتصال هاتفي مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في اليوم الذي عقد فيه لقاء مع جلالة الملك محمد السادس خلال شهر ماي الماضي، تفاديا لأي حساسية مع الجزائر، تظل علاقات فرنسا مع المغرب، حسب مصادر دبلوماسية وسياسية، أكبر من وصول الاشتراكيين إلى قصر الايليزيه لأنها علاقات تحكمها أشياء أخرى هي الأساس في نظر العارفين بخيايا وأسرار العلاقات بين الدول في تعريف درجة وقوة كل علاقة استراتيجية بين بلدين شريكين، مثل حجم الاستثمارات والمبادلات التجارية، والمساعدات المالية، والدعم الدبلوماسي والتعاون المشترك، ونوع ومستوى الشراكة بينهما. وفي هذا الإطار، كانت "مارتين أوبري" الكاتبة الأولى للحزب الاشتراكي الفرنسي خلال زيارتها للمغرب في مارس الماضي أي قبل الانتخابات الرئاسية قد صرحت أن فرنسا والمغرب يجمعهما تعاون لا مثيل له، ويتضح ذلك من خلال تنوع وأهمية المبادلات القائمة بين البلدين، معتبرة أن تغيير اسم الرئيس لن يغير في الموقف الفرنسي شيئا من قضية الصحراء، في إشارة إلى مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وممكن للنزاع المفتعل. وبعد ذلك شكل لقاء المستثمرين الفرنسيين والمغاربة في 28 مارس الماضي، بمبادرة من نادي رؤساء مقاولات فرنسا والمغرب، رسالة قوية بأن المغرب سيبقى أرضا للوجهة المفضلة للمقاولات الفرنسية، حيث إن فرنسا تظل الشريك الاقتصادي الأول للمغرب. إذ أن كل مستثمر أجنبي من أصل اثنين يكون فرنسيا. وتشغل المقاولات الفرنسية الناشطة في المغرب 120 ألف مغربي. وهو البلد الوحيد الذي يتزايد فيه الاستثمار الفرنسي إلى جانب الصين. كما أن فرنسا «تمول» المغرب بنحو 40 بالمائة من عائدات السياحة و40 بالمائة كذلك من تحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج. ويعتبر المغرب أول مستفيد من المساعدات الفرنسية ذات الطابع العمومي، ومن تمويل المشاريع بشكل دوري ومنتظم، وتعمل الوكالة الفرنسية للتنمية على مصاحبة الاختبارات المالية والمخططات القطاعية للبلاد، خصوصا في الصناعة والفلاحة. وتمنح قروضا للدولة المغربية والفاعلين العموميين كذلك. وتشير السفارة الفرنسية إلى أن نحو 100 ألف فرنسي يوجدون بالمغرب، مقيمين وسياحا. ويتصدر الفرنسيون قائمة السياح الوافدين سنويا على المغرب، حيث ما تزال فرنسا تستقبل 61 بالمائة من إجمالي الطلبة المغاربة الراغبين في استكمال دراستهم في الخارج. ويصل عددهم إلى 300 ألف متقدمين على الطلبة الأجانب، بمن فيهم الصينيون. وفي المقابل، توجد بالمغرب 30 مدرسة فرنسية، نصف مجموع تلاميذها البالغ عدهم 300 ألف مغاربة. ويطرح هذا النسيج من العلاقات السياسية والاقتصادية والإنسانية والثقافية بين البلدين أكثر من سؤال حول طبيعة خطة الرئيس الفرنسي هولاند في تدبير هذه العلاقات، موازاة مع علاقات فرنسا مع الجزائر، وما هي الفوائد التي يمكن أن يجنيها من مغازلة النظام الجزائري، وتفضيلها في الوقت الحالي على المغرب؟ حيث إن الفاعلين السياسيين الفرنسيين، بمختلف مشاربهم ومسؤولياتهم، يعلمون أن علاقات بلادهم مع المغرب هي أكثر استقرارا وأمانا وفائدة لبلادهم على عكس الجزائر التي ما زالت تبحث عن مقومات الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي بالرغم مما تملكه عائدات ضخمة من البترو دولار.