حرصت باريس على رسم صورة متوازنة في علاقاتها بالمغرب والجزائر من خلال تحركاتها الديبلوماسية من جهة، والملفات الاقتصادية التي تعكسها الاتفاقات والمشاريع التي تفضي إليها الزيارات والاجتماعات المشتركة. ففرنسا التي كانت الدولة الاستعمارية لهذين البلدين المغاربيين جعلت من كفتي ميزانها تجاه الرباطوالجزائر، ظاهريا على الأقل، يحمل نفس الحمولة من الامتيازات والمساعدات و...التصريحات. قبل أسبوعين زار رئيس الوزراء الفرنسي جاك مارك أيرلوت المغرب على رأس وفد رفيع المستوى يضم مائتي شخصية من بينهم ثمانية وزراء . وقبل ثلاثة أيام كان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مرفوقا بنفس العدد فاعلين ووزاراء . وفي حقيبته كما فعل وزيره الأول مشاريع اقتصادية وترتيبات ديبلوماسية حرصت على عدم اختلال كفتي الميزان حتى لا تحدث ردود فعل في عاصمتي بلدين بينهما ملفات شائكة وحدود ملتهبة بالرغم من أنها مغلقة منذ حوالي عقدين . ويبدو أن الاشتراكيين وهم في الحكم اليوم، تجنبوا ما شهدته علاقاتهم مع المغرب في بداية الثمانينيات حينما صعد زعيمهم فرانسوا ميتيران إلى الرئاسة وجعل من علاقات بلده مع الجزائر أكثر دفئا مقارنة مع المغرب، حيث ساد توتر لم تخف حدته إلا بعد عودة اليمين إلى قصر الاليزي ممثلا في الرئيس جاك شيراك وبعده نيكولا ساركوزي. في الدارالبيضاء التي استقبلت الوزير الاول الفرنسي بمناسبة تدشين خطوط الترامواي ، كانت هناك تصريحات فرنسية مطمئنة للمغرب وللجزائر كذلك. وأضفت كلمات مارك أيرلوت، وهو يخرج من الاستقبال الذي خصه به جلالة الملك محمد السادس جوا من الثقة في العلاقات بين البلدين وآفاقها، خاصة وأن أوراشا مهمة فتحت في وجه الاقتصاد الفرنسي وأبرزها ليس فقط الترامواي بل القطار الفائق السرعة بين طنجة والعاصمة الاقتصادية ، بالإضافة إلى الاتفاقيات التي أبرمت بمناسبة المنتدى بين رجال الاعمال الفرنسيين والمغاربة و...القروض التي ستمنحها باريس للرباط والتي قد تصل الى 250 مليون أورو. أيرلوت رأى أن المغرب ليس لديه مايخشاه من الحوار المعمق بين باريس والجزائر، مؤكدا أن الشراكة بين الرباط وباريس فريدة من نوعها وهما معا متحدان عبر شراكة استثنائية . زيارة فرانسوا هولاند للجزائر توجت بتوقيع ثماني اتفاقيات أبرزها إنشاء شركة مختلطة لإنجاز مصنع للسيارات بوهران، وتأكيده على أن المهم هو «نوعية العلاقات بين البلدين والارادة في اعطاء استمرارية للتعاون الاقتصادي ... وشراكة استراتيجية الند للند لولوج عهد جديد سيتم توضيحها من خلال اتفاق إطار وبرنامج عمل على مدى خمس سنوات». وتضمن البيان المشترك الذي صدر بمناسبة الزيارة المحاور الرئيسية التي ستتأسس عليها هذه الشراكة. التصريحات المتعلقة بملف الصحراء والصادرة عن الرئيس هولاند ووزيره الاول كانت هي نفسها سواء في المغرب والجزائر وملخصها أن النزاع استمر فترة طويلة جدا وصار إيجاد حل له اليوم أكثر إلحاحا في سياق التوترات في منطقة الساحل والصحراء، وأن مهمة إيجاد حل لهذا النزاع من اختصاص الاممالمتحدة، وأن باريس تدعم حلا متفاوضا بشأنه ومقبولا لدى جميع الاطراف. لقد خلفت الزيارتان ارتياحا في البلدين المغاربيين، ومن المرتقب أن تكون لهما تأثيرات إيجابية في العلاقات بين الرباطوالجزائر والتي تتميز بفتور ظاهر وصراع خفي . ودون شك، فإن الزيارة المرتقبة للرئيس فرنسوا هولاند مطلع السنة المقبلة للمغرب ستكون مناسبة مهمة في عودة الدفء لهذه العلاقات.