لسنا من وصف العصابة الإجرامية الحاكمة في الجزائر بالحثالة، وإنما هذا الوصف ألقي على مسامع دول العالم بأسره ومن منبر الأممالمتحدة وبحضور أزلام العصابة ورؤوس ديبلوماسيتها القذرة، قبل شهرين، وبالضبط خلال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان القائل هو السيد عبد الله مايغا الوزير الأول الحالي لجمهورية مالي الشقيقة، عندما عبر وبكل مرارة عن تذمر شعبه وبلاده من التدخلات العدوانية السافرة والمتواصلة لنظام العصابة الحاكم في الجزائر في الشأن الداخلي المالي، وتمويل العصابات الإرهابية المسلحة وإيوائها والتصرف وكأن مالي ولاية جزائرية، كما قال هذا الوزير وبالحرف، ثم خاطب من المنبر الأممي الأزلام الديبلوماسية الجزائرية الحاضرة وبكل ثقة في حجته وفي الحق الذي ينطق على لسانه بأنهم حثالة ديبلوماسية "énergumènes diplomatiques". مناسبة العودة إلى هذا الوصف الدقيق للحثالة، هو قيام نظام العصابة الحاكمة في الجزائر خلال الأيام القليلة الماضية بإعادة تأكيد حثالتها وقذارتها بشكل عملي واستعراضي واستعرائي مقزز، من خلال دعوتها وعلى عجل أبواقها الإعلامية الموجهة إلى المغرب، وأحزابها المحرومة من عقد أي اجتماع أو تنظيم ندوة أو لقاء جماهيري مفتوح يهم الشأن الجزائري، إلى الحضور في ملتقى هام سمي ب"يوم الريف"، لتقديم أوراق اعتماد ثلة من النشطاء "الفيسبوكيين" المغاربة المحسوبين على منطقة الريف بالمغرب، باعتبارهم رؤساء ووزراء دولة شقيقة وصديقة جديدة تم اكتشاف أنها لا تتمتع باستقلالها، مع وعدها، في إطار تشبث الجزائر بتقرير مصير الشعوب، بإقامة جمهورية جبلية مستقلة في شمال المغرب، بعد أن تبخر حلم إقامة جمهورية صحراوية في جنوبه. وتماما مثلما حصل قبل نصف قرن بخاري من تشكيل ميليشيا من مرتزقة ولقطاء مستقطبين من المغرب ومن موريتانياوالجزائر ودول الساحل أطلق عليهم جبهة ودولة، ومنحوا صفة رؤساء ووزراء وسفراء وعمداء، وزودوا بالأسلحة والعتاد وجرى المال والغاز الجزائري الدافق في عروقهم، ها هي ميليشيا أخرى جديدة موازية ستمتص ما تبقى من خزينة الجزائر لإرضاء أطماع عدوانية وأمراض نفسية لرؤوس نظام العصابة، وما لم تحققه العصابة طيلة نصف قرن من الإرهاب ودعم الانفصال في الجنوب المغربي، وفي ظروف دولية مواتية ومساعدة آنذاك للأطروحة الانفصالية، ستعجز لا محالة عن تحقيقه في الظروف الراهنة التي تترنح فيها العصابة في اتجاه سقوطها الأخلاقي والديبلوماسي المدوي. الريح الذي حصدته في ملف الصحراء هو الريح نفسه الذي ستحصده في يدها المشلولة الممدودة بالشر إلى الريف، مع زيادة جديدة هو قطع هذه اليد نهائيا ومن جذورها، فقد تناسى أغبياء النظام الجزائري وحثالة أزلامه وعصاباته، أنهم بهذا الصنيع قدموا الجزائر للعالم على أنها حاضنة للإرهاب والفوضى والعدوان في المنطقة، وأن ما تشكوه دول حدودها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا هو الموضوع المشترك نفسه المتعلق بتسليط العصابة الجزائرية الإرهاب ومخططات تفكيك الوحدة الترابية على هذه الدول… فكل الجوار الجزائري هو مجرد ولايات جزائرية كما تسوقه العصابة لشعبها، مثلما وقع في الشأنين التونسي والمالي، ومن يمانع في قبول وصاية نظام الحثالة وولايتها، فإن أقل ما سيسلط عليه هو ميليشيات مسلحة مدفوعة الأجر والعدة والعتاد لتمزيق تراب الأوطان ووحدة صفوفها. مما أغفلته العصابة في تقديراتها الخاطئة لتبعات وقراءات هذه الخطوة العدوانية الجديدة القديمة ضد الوحدة الترابية للمملكة، أنها في الحقيقة تستهدف ضمنيا بالتفجير وبالعمليات الإرهابية المعابر بين إفريقيا وأوروبا والتي تقع تحديدا في الجسرين المغربيين، الأول فيهما ممثل في شماله الريفي على ضفتي المتوسط، وثانيهما ممثل في جنوبه الصحراوي الرابط بين المغرب وموريتانيا عبر معبر الكركارات الذي لم تبتلع العصابة بعد فشل مخططها في الاستحواذ عليه، وتجميد حركة قوافل التجارة السائلة والسلسة بين المغرب وعمقه الإفريقي. ومثلما لم يعد مسموحا من قبل المجتمع الدولي ولا دول غرب إفريقيا بوقف شريان الكركارات وتهديد أمن التجارة الدولية وأمن مئات من مواطني هذه الدول المتنقلين يوميا عبر هذا المعبر، خصوصا بعد تطهير المغرب له من الأذرع الإرهابية للجيش الجزائري، فإنه لن يسمح قطعا لنظام العصابة ومخابراتها الحثالة بتهديد ضفتي المتوسط والتجارة الدولية عبر افتعال واختلاق كيان إرهابي وهمي جديد تحت مسمى "جمهورية الريف" تكون المنطقة تحت تهديداته وعربدته، خصوصا وأنه كيان مخابراتي جزائري مدسوس لا يمثل لا الريف المغربي ولا ساكنته الشامخة والمعتزة بانتمائها الوطني. إن الدول الأوروبية المعنية قبل المغرب بالضربات الإرهابية التي تخطط لها الجزائر بشكل مبطن في المعبر الأوروبي الإفريقي باسم دعم حركة انفصالية تطالب باستقلال الشمال المغربي، مطالبة بالتحرك العاجل ضد هذه الحثالة الجزائرية التي لا تحترم أي اتفاقية أو معاهدة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتي تتطلع عما قريب إلى تفريخ مكاتب وقنصليات وسفارات داخل الدول الأوروبية لرضيعتها الجديدة، وتستقطب إليها المهربين وتجار المخدرات والأسلحة والبشر، والهاربين من العدالة، والمقتاتين من المساعدات الاجتماعية، ونشطاء منصات التواصل الاجتماعي، لجعلهم نشطاء سياسيين وحقوقيين، تمرر خلالهم أجندة تخريب الجسر الأوروبي نحو إفريقيا والجسر الإفريقي نحو أوروبا. فهل تسمح أوروبا التي تنسق أجهزة دولها مع شريكها المغربي على المستوى الأمني للضفة المتوسطية الغربية في محاربة الإرهاب وتعقب الجرائم العابرة للحدود، بهذا الانفلات الجزائري المهدد للمنطقة بتفريخ الجماعات الإرهابية والمجموعات الانفصالية، والمهدد لمشروع النفق البحري المقرر بموجبه الربط بين جنوب إسبانيا وشمال المغرب؟ وهل تسمح دول المجموعة العربية الملزمة بموجب ميثاقها الذي يقضي باحترام سيادة الدول الأعضاء والدفاع عن وحدتها الترابية، أن ترتكب دولة العصابة والحثالة كل هذه الجرائم الانفصالية والإرهابية في حق جارها المغربي دون محاسبة أو معاقبة أو حتى وخز ضمير قومي أو إنساني؟ وأين شعار النفاق والشقاق الموسوم منذ قمة الجزائر 2022 تحت مسمى "قمة لم الشمل"، والحال أن نظام الحثالة تاجر بهذا الشعار إلى أبعد حد في تشتيت الشمل والتحرش بالوحدة الترابية للدول العربية وبعلاقاتها الأخوية؟ وهل بقي في أجندة العصابة دولة أخرى وهمية تدعو إلى خلقها في بقعة ثالثة وعاشرة من ربوع المملكة الشريفة، والحال أنها ادعت أن الصحراء آخر مستعمرة في إفريقيا، لتصحح اليوم هذا المعطى الخاسئ وتستدرك معتذرة باكتشافها أن الريف المغربي بدوره هو مستعمرة تطالب بالاستقلال، ولا ندري غدا أي إقليم مغربي آخر ستتطاول الحثالة عليه وتنظم له يوما دراسيا كثالث مستعمرة في إفريقيا إلى عاشرها، والغريب أن هذه المستعمرات الإفريقية تكتشف كلها في المغرب بعدد براريه وصحاريه وحواضره وأريافه بل وأحيائه وأزقته؟ وهل ما اكتشفته الحثالة في ردها الأخير على اختطاف الكاتب المعروف صنصال بوعلام على خلفية تصريحاته بشأن تاريخ الجزائر الفرنسية، من أن الرجل يمس بالمشاعر الوطنية للجزائريين، وأن الوحدة الترابية للجزائر خط أحمر، لا ينطبق على مساسها بمشاعر ملايين المغاربة بهذا السلوك الأرعن في صناعة ميليشيا إرهابية مسلحة فوق أراضيها لاستهداف الريف المغربي وتمزيق التراب الوطني؟ فهل دماء المغاربة ووحدتهم الترابية ومشاعرهم الوحدوية تقل عن مشاعر الجزائريين، أو لا تتكافأ ولا تتساوى؟ وهل ثمة خطوط حمراء مغلقة في السيادة الجزائرية، وأخرى خضراء مفتوحة في السيادة المغربية؟ علما أنه في حالة الكاتب الجزائري يبقى الأمر عملا فرديا ومجرد تصريح ورأي شخصي، لكن في حالة نظام الحثالة هو عمل نظامي ممنهج لدولة مارقة وحاقدة تمر بسرعة قصوى من التلميح والتصريح، إلى التجريح والتسليح. فعسى أن ينقلب عليها المقلب، ويحيق بها المكر السيئ الذي تمكره ببلادنا وتتربص به الدوائر والدواهي بأمننا ووحدتنا الترابية، ويُرد كيدها إلى قلبها ونحرها.