لفرط ما ظل المغرب يلقاه على مدى أزيد من أربعة عقود من استفزاز وابتزاز واستنزاف، وتماد في معاكسة مصالحه ومحاولات اعتداء على وحدته الترابية، من قبل النظام العسكري الجزائري المتغطرس، من خلال تسخير أبواقه الإعلامية المهترئة في نشر الشائعات والمغالطات وتزييف الحقائق، ودعمه المتواصل بالمال والعتاد لميليشيا البوليساريو الانفصالية والإرهابية، ابتهج الكثير من المغاربة هذه الأيام لإعلان "جمهورية القبايل" في المنفى عن اعتزامها فتح سفارة لها بالرباط وقنصلية بالداخلة. ذلك أنه وحسب ما أذيع من تصريحات مصورة لوزيرها الأول المدعو "لفضل زيدان"، تسعى جمهورية القبايل التي ما انفكت تناضل بكل الوسائل الممكنة من أجل الحصول على استقلالها من الجزائر، إلى افتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة الجنوبية بالمغرب. وهي الخطوة غير المسبوقة في التاريخ الحديث، التي يرى عدد من الملاحظين والمتتبعين أنها ستكون في حالة ما إذا تحققت بمثابة صفعة أخرى قوية على خدود "الكابرانات" في قصر المرادية، وأنها ستشكل إلى جانب حصولها على اعتراف صريح من لدن المغرب، ضغطا قويا على "العصابة" الحاكمة في الجزائر المتخبطة في أوحال مشاكلها الداخلية على عدة مستويات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا. و"جهورية القبائل الأمازيغية" التي تبحث لنفسها عن الانفلات من قبضة الطغمة العسكرية الفاسدة في الجزائر وتعمل جاهدة على تقرير مصيرها، ومازال ملفها القانوني حول المطالبة بالانفصال والاستقلال، متداولا في ردهات منظمة الأممالمتحدة وأروقتها وبين مختلف الهيئات التابعة لها، ليست في واقع الأمر سوى منطقة القبائل أو بلاد القبائل، الواقعة في شمال شرق الجزائر والتي تغطي سبع ولايات، وتعد مدينة تيزي وزو عاصمتها الإدارية وهي أكبر المدن سكانا، ثم مدينة بجاية عاصمة اقتصادية، بالإضافة إلى مدن بومرداس وبرج بوعريريج وسطيف وجيجيل... وجدير بالذكر أن مساحة "جمهورية القبائل الأمازيغية" المعلن عنها تبلغ 25 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تزيد عن مساحة قطر والبحرين معا مرتين وعن لبنان مرتين ونصف. ويقدر عدد سكانها بحوالي ثمانية ملايين نسمة، أي ما يقارب عدد سكان ليبيا وضعف عدد سكان عمان، ويتحدث مواطنوها اللغة الأمازيغية، باعتبارها اللغة الأصلية والرسمية للجمهورية. وتحدها من الجنوب والشرق والغرب الجمهورية الشعبية الجزائرية، ويحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط، وهو المنفذ البحري الهام للتبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي والعالم. ومن مميزاتها مناخها المتوسطي وتضاريسها الممتدة على طول سلسلة جبلية وأراض خصبة وتوفرها على ثروات معدنية وفلاحية وبحرية هامة. فما هي دواعي ظهور هذه "الجمهورية الأمازيغية"؟ يذكر الكثير من سكان المنطقة أنه بالنظر إلى عقود من التهميش والإقصاء، وأمام تجاهل مطالبهم بالاستفادة من ثمار التنمية وخيرات البلاد، التي واجهتها السلطات الجزائرية في أكثر من مناسبة بالعنف المفرط، الذي أدى إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الإصابات المتفاوتة الخطورة واعتقال العديد من الأبرياء خلال المظاهرات الاحتجاجية السلمية، لم يجد زعماء أمازيغ منطقة القبائل من وسيلة لرفع الظلم والقهر عنهم، عدا الإعلان عن تأسيس الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل "MAK" وإقامة جمهورية أمازيغية مستقلة عن دولة "الكابرانات" الدكتاتورية. وهكذا تشكلت حكومة مؤقتة في المنفى، وانتخب "فرحات مهني" رئيسا لها، الذي قال حينها: "نعلن اليوم تشكيل حكومتنا المؤقتة، وذلك حتى لا يستمر تحملنا للظلم والاحتقار والهيمنة والترهيب والتمييز ضدنا منذ استقلال الجزائر عن فرنسا في 1962". مؤكدا على أن الهدف من الإقدام على هذه الخطوة الاضطرارية، هو رفع المعاناة عن الساكنة وإنهاء مسلسل القهر، الذي ظلت الحكومات الجزائرية المتعاقبة تمارسه عليهم بإيعاز من "العصابة" الحاكمة، التي تنكرت للشعب الأمازيغي وتصر على إنكار وجوده وطمس هويته ولغته بالقمع والتهميش. وأضاف قائلا: " لقد منعونا من هويتنا ولغتنا وثقافتنا القبائلية، وتمت سرقة ثرواتنا الطبيعية، نحن نحكم اليوم مثل المستعمرين بل كأجانب في الجزائر، وزاد "لقد أنكروا وجودنا واعتدوا على كرامتنا ومارسوا التمييز ضدنا في كل المستويات". وبغض النظر عن مدى مشروعية مطالبة منطقة القبائل بالانفصال عن الجزائر وإعلان جمهوريتها المستقلة، وعن خلفيات إفصاحها عن نيتها في فتح سفارة لها بالرباط وقنصلية بالداخلة في هذا الوقت بالضب،. وعما سبق في سياق الرد بالمثل على دعم "كابرانات" الجزائر حق تقرير مصير سكان الصحراء المغربية في المحافل الدولية، وعن ما دعا إليه مندوبا المغرب في الأممالمتحدة عمر ربيع في 2015 وعمر هلال في 2021 الأسرة الدولية من مساعدة تلك المنطقة المهمشة في نيل استقلالها ومرافقتها في مشروعها السياسي الذي ينبغي أن ينتهي إلى الحكم الذاتي والاستقلال، رافضين أن يظل صوت حوالي 8 ملايين شخصا مخنوقا، ويعانون من الحصار والعقاب الجماعي، وإرغام زعماءها بالقوة على العيش في المنفى، فيما تتعرض عائلاتهم للاضطهاد، فإن المغرب وبفضل السياسة الرشيدة لعاهله المفدى محمد السادس، ظل دائما ينأى بنفسه عن حشر أنفه في صراعات الدول الداخلية مهما أخطأت في حقه، ويدعو دائما إلى القطع مع الحركات الانفصالية، باعتبارها وجها آخر للإرهاب وزعزعة الاستقرار، كما هو الحال بالنسبة لميليشيا البوليساريو الإرهابية، ولاسيما بعد التأكد من أن تلك الأعداد من الحركات والتيارات التي تسعى إلى الانفصال والاستقلال، ذات ارتباط وثيق بالجماعات الإرهابية المتطرفة مع ما يوفر لها من وسائل مالية وتكتيكية... فماذا لو أن "العصابة" تحذو حذو المغرب في منح منطقة القبائل حكما ذاتيا تحت السيادة الجزائرية؟