تعد المسيرة الخضراء من أبرز الذكريات الوطنية الخالدة التي سجلها التاريخ في صفحاته المشرقة ودوّنها بمداد الفخر والاعتزاز. ومن أجّل تلك الذكريات التي يستحضرها المغرب في تاريخيه الحديث المعاصر، ذكرى انطلاق المسيرة الخضراء، مسيرة أدهشت العالم وأفرزت مغربا جديدا قويا متماسكا. ويعود بنا الكاتب الصحفي الكبير محمد الصديق معنينو الشاهد على ملحمة النصر في مذكراته، إلى خطاب جلالة المغفور له الحسن الثاني الذي أعلن فيه عن انطلاق هذه الملحمة البطولية. هذا الخطاب الملكي الذي ألقي بمدينة مراكش يوم 16 أكتوبر 1975، أعلن فيه عن تنظيم المسيرة الخضراء. ويسرد معنينو في مذكراته كواليس هذا الخطاب التاريخي. فقد كان الملك ينتظر رأي محكمة العدل الدولية التي طرح عليها المغرب ثلاثة أسئلة: السؤال الأول هل بيننا وبينا اسبانيا خلاف؟ فأجابت بنعم ثم هل عندما دخلت اسبانيا وجدت الأرض خلاء أجابت بالنفي فطرح السؤال الثالث ماهي إذن العلاقة بيننا وبين الصحراء فأجابت توجد علاقات قانونية وعلاقات بيعة. فحينما صدر هذا الرأي الاستشاري صبيحة يوم الخميس 16 أكتوبر 1975، تم الإعلان عن خطاب ملكي، وفيه حلل جلالة الملك الحسن الثاني في البداية الجانب القانوني من هذا الرأي الاستشاري، وأعلن عن المسيرة الخضراء التي اعتبرها الأستاذ معنينو في مذكراته قنبلة إعلامية ديبلوماسية سياسية، فتحت الملف بيننا وبين اسبانيا. وكشف الأستاذ معنينو أن الملك الحسن الثاني كان هو صاحب فكرة البرنامج المباشر عن المسيرة الخضراء بمراكش، الذي بُث من قصر الدارالبيضاء بناه الحسن الأول في نهاية القرن التاسع عشر، تحديدا من قاعة الجيش الملكي، والذي نقل تحركات القوافل التي حجت من مختلف المدن المغربية إلى الصحراء. ويرصد المتحدث الخريطة الجيو سياسية للأوضاع حينذاك. فقد دخلت اسبانيا مرحلة تغيير النظام وهدفها هو المحافظة على الصحراء، فلم ترغب في فترة من الفترات الخروج من الصحراء إلا أن المسيرة هي التي أرغمتها على الخروج. والهدف الاستراتيجي التي عملت عليه الجزائر منذ الانطلاقة وحتى اليوم وهو أن المغرب يخرج من الصحراء لأنها تريد دُويلة صغيرة تطل على البحر. وموريتانيا من الجنوب كانت تحت ضغط جزائري قوي وكان هناك تحالف بين اسبانياوالجزائروموريتانيا، والحسن الثاني، عندما شعر بخطورة هذا التحالف حاول أن يفتته، ويربح الوقت. لذلك، دخل في البداية في حوار سري ثم علني مع موريتانيا. ففك الحصار حول المغرب، الذي وجد هذا ثغرة سيزعزع بها اسبانيا من جهة والجزائر من جهة أخرى وكانت انطلاقة مسيرة النصر. وعن العوامل التي ساهمت في نجاح المسيرة الخضراء، يجرد معنينو في مذكراته أنه بداية من صيف 1975 سأل الحسن الثاني نفسه الآن ماذا يمكنني أن أفعل إذا كان الرأي الاستشاري للمحكمة الدولية لصالحنا. ففكر في البداية في مظاهرة، وبعد حيرة كبيرة بين تنظيم المظاهرة أو المسيرة، رسا في نهاية المطاف على هذه الأخيرة كسلاح سري لم يعلن عنه في البداية، ليستدعي ثلاث كولونيلات في الجيش المغربي في غرفة معزولة بالقصر الملكي وأخبرهم أنه سينادي على 350 ألف مغربي إلى الصحراء. وبالتالي، فأول عامل هو التعبئة الوطنية، فلم يتردد المغاربة في تلبية نداء الملك الحسن الثاني رحمه الله. أما العمل الثاني، فالجانب اللوجيستيكي للمسيرة الذي كان على عاتق الضباط والعمال والوزراء… وتبقى شجاعة المغاربة هي العامل الأهم. وحسب الأستاذ معنينو، كان الملك يغذي الرأي العام بطريقة ذكية ومهنية، فخطاب 16 أكتوبر أعلن فيه عن المسيرة الخضراء وخطاب 23 أكتوبر سيوجه خطابه إلى مغاربة الصحراء، والذي تحدث فيه عن حمله لعاتق البيعة الذي سيخلصهم من الإسبان، ثم خطاب 5 نونبر الذي سيقول فيه "شعبي العزيز إذا عزمت فتوكل على الله" ، غدا تنطلق المسيرة" ووصف معنينيو خطاب 9 نونبر من أصعب خطابات الملك الحسن الثاني وهو مطالبة المغاربة بعودة المشاركين في المسيرة أدراجهم، والذين لم يكونوا على علم بأن المغرب داخل في مفاوضات مع إسبانيا. ليأتي الخطاب الأخير بتاريخ 18 نونبر الذي قال فيه الحسن الثاني طيب الله ثراه "شعبي العزيز "صحراؤك رُدت إليك".