تركز أوروبا حاليا على استثمارات واسعة في مشاريع الهيدروجين الأخضر في قارة أفريقيا، آملة في استيراده لدعم جهودها للحد من انبعاثات الكربون والالتزام بتعهداتها المناخية العالمية. هذا التوجه يجعل من الهيدروجين الأخضر عنصرا حيويا للتحول إلى مصادر طاقة مستدامة، خاصة في القطاعات التي يصعب على البطاريات الكهربائية دعمها بالكامل، مثل النقل الثقيل، والطيران، والنقل البحري. وتعد هذه القطاعات في أمس الحاجة إلى حلول طاقة مبتكرة وفعّالة لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري. أظهرت دراسة أعدتها شركة "ديلويت" عام 2023 أن المغرب ومصر يحتلان مكانة ريادية على الصعيد العالمي في تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر، وتوقعت الدراسة أنه بحلول عام 2050، قد تكون منطقة شمال أفريقيا أحد أكبر المصادر لهذه الطاقة النظيفة، مع إمكانيات تصدير تصل إلى 110 مليارات دولار سنويا وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. ويرجع هذا الإمكان إلى الموارد الطبيعية الوفيرة التي تتمتع بها المنطقة، وبشكل خاص الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يوفر بيئة ملائمة لتطوير هذه المشاريع على نطاق واسع. في أعقاب أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الصراع الروسي الأوكراني، باتت أوروبا تبحث عن مصادر طاقة بديلة وموثوقة، وتركز اهتمامها على ثلاث دول أفريقية يُنظر إليها كجهات رئيسية لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر. من بين هذه الدول، حصلت مصر على مشروع ضخم بقيمة 428 مليون دولار بتمويل من تحالف "إتش تو غلوبال"، لتطوير إنتاج الأمونيا الخضراء بقدرة تصل إلى 70 ألف طن سنويا. تقوم بتنفيذ المشروع شركة "سكاتك" النرويجية بالتعاون مع "أوراسكوم" المصرية و"فيرتيغلوب" الإماراتية، وأعربت ألمانيا عن رغبتها في استيراد حوالي 259 ألف طن من الأمونيا الخضراء الناتجة عن هذا المشروع بين عامي 2027 و2033. في المغرب، يشهد القطاع تطورا نوعيا، إذ أطلق مشروعا طموحا في مارس الماضي يسعى إلى تأمين احتياجاته المتزايدة من الطاقة، خاصة في ظل اعتماده الكبير على الواردات التي تغطي 96% من استهلاكه. وقد أثار هذا المشروع اهتماما واسعا من جهات محلية ودولية، حيث قدمت الحكومة المغربية حوالي مليون هكتار لمشاريع الهيدروجين الأخضر، منها 300 ألف هكتار للمستثمرين في المرحلة الأولى. وفي إطار التعاون المغربي الألماني، منح بنك التنمية الألماني ما يقرب من 300 مليون يورو، كمنح وقروض لدعم إنشاء محطة للهيدروجين الأخضر في مدينة كلميم. ويتضمن المشروع أيضا بناء منشآت للطاقة الشمسية وتركيب توربينات رياح، بالإضافة إلى محطة تحلية مياه، بما يتيح بيئة إنتاج مثالية ومستدامة للهيدروجين الأخضر ويعزز من التعاون التقني والاقتصادي بين البلدين. من الواضح أن أوروبا وأفريقيا تسعيان نحو شراكة إستراتيجية في مجال الطاقة النظيفة، حيث تقدم أفريقيا إمكانات طبيعية مذهلة تدعم هذا التوجه، في حين تسهم الاستثمارات الأوروبية في خلق فرص اقتصادية ضخمة ومستدامة تسهم في تحقيق التنمية الخضراء المنشودة في كلا القارتين.