بعد أن حققت أرباحا هائلة من الوقود الأحفوري على مدى عقود، تضع دول الخليج حاليا نصب عينيها الهيدروجين الأخضر في إطار رغبتها المعلنة في جعل اقتصاداتها صديقة للبيئة. وتستثمر السعودية والإمارات وسلطنة عمان كثيرا في هذا الوقود في وقت تبحث عن مصادر عائدات بديلة عن النفط والغاز. ويقول الخبير كريم الجندي من معهد "تشاتام هاوس" للدراسات الذي يتخذ من لندن مقرا، "دول الخليج تطمح إلى ريادة سوق الهيدروجين العالمية". ويضيف لوكالة فرانس برس "تنظر إلى الهيدروجين الأخضر على أنه أساسي لأنه يسمح لها بالبقاء كقوى كبرى في مجال الطاقة، والاحتفاظ بنفوذها مع تراجع الطلب على الوقود الأحفوري". وبخلاف الهيدروجين الذي يتم إنتاجه من الوقود الأحفوري الملو ث ولا يزال مستخدما على نطاق واسع، يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر من المياه باستخدام الطاقات المتجددة على غرار الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية. إلا أن هذا الوقود النظيف الذي يمث ل حاليا أقل من 1% من مجمل إنتاج الهيدروجين، ليس قابلا للحياة بعد تجاريا ويحتاج إلى زيادة هائلة في مصادر الطاقة المتجددة، وهي عملية قد تستغرق سنوات. وفي حين أن الوقود الأحفوري ينتج غازات الدفيئة، لا ينبعث من الهيدروجين الأخضر سوى بخار المياه. ويتم الترويج لاستخدامه في القطاعات الأكثر تلويث ا مثل النقل والشحن وصناعة الصلب. وبفضل رأس مالها الاستثماري الهائل، تقوم السعودية، أكبر مصد ر للنفط في العالم، ببناء أكبر محطة لإنتاج للهيدروجين الأخضر في العالم في مدينة نيوم المستقبلية الضخمة في شمال غرب المملكة التي ستبلغ كلفتها 500 مليار دولار. وستضم المحطة التي بلغت كلفتها 8,4 مليار دولار، طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإنتاج ما يصل إلى 600 طن من الهيدروجين الأخضر في اليوم بحلول أواخر عام 2026، بحسب السلطات. وترى نائبة رئيس شركة "أدنوك" الإماراتية النفطية العملاقة حنان بالعلا أن "الهيدروجين سيكون وقود ا أساسي ا للانتقال إلى الطاقة" النظيفة، واصفة إي اه بأنه "امتداد طبيعي" للشركة. وتقول لفرانس برس "الإمارات في وضع جي د للاستفادة منه". غير أن سلطنة ع مان التي تحل في مرتبة متأخرة لجهة إنتاج الوقود الأحفوري مقارنة بجيرانها، تبدو مستعدة لقيادة سباق الهيدروجين النظيف في الخليج. إذ إنها ستصبح بحلول نهاية العقد الحالي سادس أكبر مصد ر للهيدروجين الأخضر في العالم والأو ل في الشرق الأوسط، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الطاقة الدولية ن شر في يونيو. وتطمح السلطنة إلى إنتاج ما لا يقل عن مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا بحلول عام 2030، وما يصل إلى 8,5 مليون طن بحلول 2050، "ما سيكون أكبر من مجمل الطلب الحالي على الهيدروجين في أوروبا"، وفق الوكالة. وبحسب شركة "ديلويت" للتدقيق المالي العملاقة، فإن دول الشرق الأوسط وفي المقام الأول دول الخليج، ستقود تجارة الهيدروجين عالمي ا على المدى القصير، عبر تصدير نصف إنتاجها المحل ي بحلول 2030. وبحلول 2050، يت وقع أن تصبح دول شمال إفريقيا وأستراليا الأكثر قدرة على الإنتاج، رغم أن دول الخليج ستبقى "رائدة في التصدير"، بحسب ما جاء في تقرير للشركة صدر في يونيو. لم يحل الاستثمار في الهيدروجين الأخضر دون توسيع مشاريع النفط والغاز، إذ لدى كل من الإمارات والسعودية خطط لتطوير صناعاتهما الهيدروكربونية. ويتوقع خبراء أن تحتاج دول الخليج الى سنوات لتتمكن من إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة منافسة للوقود الأحفوري. وفي حين أن كلفة الطاقة المتجددة انخفضت بفضل التقد م التكنولوجي، إلا أنه لا يمكن بعد إنتاج الهيدروجين الأخضر منه بشكل مربح. وتقول الباحثة المشاركة في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية عائشة السريحي "دول الخليج سترك ز على زيادة إلى أقصى حد مبيعات الهيدروكربونات لأطول فترة ممكنة". وتضيف "سيستغرق الأمر سنوات من التجارب والأخطاء حتى يصبح الهيدروجين الأخضر سلعة يتم تداولها تجاريا "، مشيرة إلى أن ه "يمكن أن يكون الوقود الجديد للمستقبل" ما إن تنضج التكنولوجيا وتنخفض التكاليف. ولا يزال الطلب على الهيدروجين أيضا غير واضح. إل ا أن دول الخليج تزو د منذ زمن دولا آسيوية تعتمد على الاستيراد لتأمين حاجاتها من الطاقة مثل اليابان وكوريا الجنوبية التي تخطط لاستخدام الهيدروجين الأخضر في استراتيجياتها لإزالة الكربون. ويحذ ر وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي عبد الله النعيمي من أن "البنية التحتية الحالية لنقل الهيدروجين ليست كافية وستتطلب استثمارات ضخمة لتعديلها". ويقول لفرانس برس "الوقت اللازم لرفع التحديات التي يواجهها الهيدروجين (الأخضر) طويل جدا".