كان استقبال المشاركين في قمة الأممالمتحدة للتغير المناخي "كوب 26" بحافلة تعمل بالهيدروجين الأخضر إشارة إلى دعم التوجه نحو استخدام هذه الطاقة الخضراء. ويأتي ذلك بينما بدأت حمى الاستثمار في هذه الطاقة تنتشر عبر العالم؛ ومنها المملكة المغربية، التي أعلنت عن خارطة طريق الهيدروجين الأخضر لتحقيق الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة. فما هي طبيعة قطاع الهيدروجين الأخضر، الذي تطمح المملكة المغربية إلى التموقع فيه بدور ريادي؟ بين الآمال والإكراهات يمكن تصنيف غالبية الغاز المستخدم فعليا كمادة كيميائية صناعية بأصناف متعددة؛ فهو يكون إما "بني" إذا تم تصنيعه من خلال تغويز الفحم، أو "رمادي" إذا تم تصنيعه من خلال إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار باستخدام الغاز الطبيعي كمادة وسيطة، وإما "أزرق" إذا تم إنتاج الغاز عن طريق إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار مع خفض كمية الكربون الناتج إلى النصف تقريبًا باستخدام احتجاز الكربون وتخزينه. وإما هيدروجين "أخضر" إذا تم خفض الانبعاثات إلى تقريبا الصفر عن طريق استخدام الطاقة المتجددة. أ – إنتاج الهيدروجين الأخضر: يتم بواسطة عملية "التحليل الكهربائي "Electrolysis" للماء، حيث يتم فصل ذرات الهيدروجين (H) عن ذرات الأوكسجين (O) في جزيئات الماء (H2O) باستخدام تيار كهربائي من مصدر طاقي متجدد كالطاقة الشمسية أو الطاقة الريحية، وبذلك تتم عمليّة الإنتاج دون أي انبعاث لغاز ثاني أوكسيد الكربون. ب – إيجابيات الهيدروجين الأخضر: 1- متجدد بنسبة 100%، بحيث لا يتسبب في انبعاث الغازات الملوثة، سواءً خلال الإنتاج أو الاستهلاك. 2- قابل للتخزين، مما يسمح باستخدامه بشكل متعاقب للعديد من الأغراض، وليس فقط بعد إنتاجه مباشرةً. 3- مرن، بحيث يمكن تحويله إلى كهرباء أو غاز اصطناعي واستخدامه في القطاعات التجارية والصناعية. 4- قابل للنقل، حيث يمكن مزجه مع الغاز الطبيعي (بنسب تصل إلى 20%) ونقله عبر نفس الأنابيب والبنية التحتية المُستخدمة لنقل الغاز. ج – سلبيات الهيدروجين الأخضر: 1- الكلفة العالية، والمرتبطة أساسا بالكلفة المرتفعة للطاقة المتجددة الضرورية لإنتاجه. 2- استهلاك الطاقة المرتفع الذي يتطلبه إنتاج الهيدروجين عموماً، مقارنة مع بقية أنواع الوقود. 3- الأمان والسلامة، وذلك لأن الهيدروجين عنصر متطاير وقابل للاشتعال بدرجة عالية، مما يتطلب معايير سلامة أعلى لإنتاجه منعاً للحوادث. ذ – استخدامات الهيدروجين الأخضر: يُعد الهيدروجين وقوداً مستخدماً اليوم في العديد من البلدان كالولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا والصين واليابان وفرنسا وألمانيا. كما له استخدامات مستقبلية مؤثرة في العديد من المجالات أهمها: 1- النقل، حيث ستسمح المرونة الكبيرة التي يتمتع بها الهيدروجين باستخدامه في منافذ الاستهلاك التي يصعب فيها التخلص من الكربون بشكل نهائي مثل قطاع الطيران والنقل البحري. 2- تخزين الطاقة، حيث تمتلك خزانات الهيدروجين المضغوطة القدرة على تخزين الطاقة لفترات زمنيّة طويلة، وإدارتها أسهل من إدارة بطاريات الليثيوم لكونها أخف وزنا. 3- الكهرباء ومياه الشرب، بحيث يمكن الحصول على الماء والكهرباء من تفاعل الهيدروجين مع الأوكسجين في خلايا الوقود، وقد أثبتت هذه العملية فائدتها الكبيرة في البعثات الفضائية لتزويد الطاقم بمياه الشرب والكهرباء على نحو متجدد. وإذا كان المتفائلون يرون أنه من غير المحتمل أن تكون المشاكل التقنية المتعلقة بالتخزين والنقل مستعصية الحل، وأنه من المحتمل أن تكون هناك استخدامات وتطبيقات متعددة في مجالات تتراوح من التدفئة وتخزين الطاقة على المدى الطويل إلى النقل، فإن إنتاج الهيدروجين الأخضر لا يزال مكلفا، على الرغم من التراجع الكبير في تكلفة مصادر الطاقة المتجددة المستخدمة في إنتاجه، إذ تبلغ تقريباً 5 دولارات أمريكية للكيلوغرام أي 125 دولارا للميغاواط في الساعة، وذلك في مقابل، نحو 60 دولاراً للميغاواط في الساعة بالنسبة للغاز الطبيعي، وففط 40 دولارا للميغاواط في الساعة بالنسبة للنفط. لكن الشيء الذي يبعث على التفاؤل هو أن تكلفة الهيدروجين الأخضر بدأت تشهد انخفاضا بوتيرة أسرع من الماضي، حيث تطمح شركة "Snam" الإيطالية، مثلا، إلى خفض تكلفة الهيدروجين إلى أكثر من النصف لتصل إلى حوالي دولارين للكيلوغرام أو 50 دولارا للميغاواط في الساعة، بحلول سنة 2026. وفي السياق نفسه أطلقت وزارة الطاقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية مبادرةEarthshot" " لمحاولة الحصول على الهيدروجين بكلفة دولار واحد للكيلوغرام فقط أو 25 دولارا للميغاواط في الساعة بحلول نهاية العقد الحالي. وبالأخذ بعين الاعتبار المردودية العالية لخلايا الوقود في مقابل الاحتراق والتكاليف الحالية والمتنامية لثاني أكسيد الكربون، سيكون الهيدروجين عند هذه المستويات أقل تكلفة بأشواط بالمقارنة مع الوقود الأحفوري في استخدامات عديدة. وبالتالي سيشكل الهيدروجين الأخضر فرصة مهمة لخفض تكاليف الطاقة. وللوصول إلى خفض التكلفة من 5 دولارات لكيلوغرام من الهيدروجين إلى دولار واحد، يتعين إنتاج المزيد منه، وذلك بالزيادة أساسا في تصنيع أجهزة التحليل الكهربائي. وفي هذا السياق أعلنت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير لها في صحيفة ديلي-ميل البريطانية، أن تكاليف المحلل الكهربائي قد تنخفض بمقدار النصف بحلول عام 2040، من حوالي 840 دولارًا لكل كيلووات من السعة. سياق مواجهة التغير المناخي في عالم يجب الإبقاء على معدل ارتفاع درجات الحرارة فيه إلى أقل من 1.5 درجات، بات لزامًا تقليل الأثر الكربوني الصادر عن جميع القطاعات بشدة، حتى تلك التي يصعب تشغيلها بالكهرباء. وبفضل خصائصه الفريدة والمكملة لخصائص الكهرباء، يُعدُ الهيدروجين بديلاً مناسبًا جيدًا لتلك القطاعات، لاسيَّما لتوفير خدمات التدفئة في القطاعات الصناعية والمباني، ونقل البضائع لمسافات طويلة، وبات يُنظر إليه بشكلٍ متزايد على أنه عامل تمكين رئيسي لأنظمة الطاقة منزوعة الكربون تمامًا. وقد برز ذلك بوضوح في أحدث توقعات وكالة الطاقة الدولية، حيث قد يمثل الهيدروجين الأخضر والأزرق ما يقارب 15-20 في المائة من الطلب العالمي على الطاقة بحلول عام 2050. وتجدر الإشارة إلى أن طاقة الهيدروجين ليست فكرة جديدة، فقد استحوذت على اهتمامٍ كبيرٍ في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما حظيت رؤية بناء "اقتصاد الهيدروجين" بدعم كبير من الحكومات، قبل أن تتلاشى سريعًا في النصف الثاني من العقد، بسبب عدم تحقيق تقدم كبير في نشر الهيدروجين وخلايا الوقود، وتكلفة الطاقة المتجددة والبطاريات؛ وهو ما جعل كهربة نظام الطاقة بديلا أكثر جاذبية. وفي السنوات التي أعقبت توقيع اتفاق باريس للمناخ، أدت الأهداف الطموحة بشكل متزايد التي وُضِعت للتخفيف من آثار تغير المناخ لإعادة الهيدروجين إلى الصورة. واليوم، حسب وكالة الطاقة الدولية، يتمتع الهيدروجين بزخم سياسي وتجاري غير مسبوق، يفنده العدد المتزايد بسرعة للسياسات والمشاريع في جميع أنحاء العالم، والحجم الهائل الذي يمكن أن تصل إليه هذه الصناعة الجديدة التي تتداخل إلى -حد ما- مع الغاز الطبيعي. وتشير التوقعات والدراسات إلى أن محاولة التسريع في تقليل الأثر الكربوني الصادر عن مصادر الطاقة -ربما- قد يتطلب استخدام كلٍ من الهيدروجين الأزرق والأخضر. وبذلك يكون الهيدروجين الأزرق أكثر تنافسية في العديد من المناطق على المدى القصير إلى المدى المتوسط، والهيدروجين الأخضر الخيار الأكثر استحسانًا على المدى الطويل. لقد أصبح اليوم الوعي بضرورة الحد من تغير المناخ العالمي أقوى، والتكنولوجيا أكثر نضجًا، وصناعة الطاقة أكثر استعدادًا لقبول هذا التغيير التحويلي؛ فقد أدت جهود البحوث والتطوير الرئيسية إلى تحقيق تقدم كبير في العديد من مجالات إنتاج الهيدروجين ونقله والاستخدام النهائي له، كما ظهرت منظومة لشركات جديدة حول تقنيات الهيدروجين الجديدة التي يمكن الآن توسيع نطاقها بسرعة نسبيًا. وسواء اعتمدنا على طاقة الهيدروجين أم لا، فإن صناعة الطاقة اليوم تمر فعليًا بتحول جذري في مواجهة تغير المناخ، وهو الوضع الذي لم يكن قائمًا في عام 2000. ومن الأمثلة الدالة على نوع الإجراءات التي من المحتمل أن تشكل مستقبل صناعة الطاقة الهيدروجينية الإعلانات الأخيرة مثل إطلاق مبادرة "منجنيق الهيدروجين الأخضر"، التي اجتمع فيها قادة صناعة الهيدروجين الأخضر لبحث سبل زيادة إنتاجه بمقدار 50 ضعفًا على مدى السنوات الست المقبلة؛ وهو ما أدى إلى تسريع وتيرة توسيع نطاقه وتقريب الهيدروجين الأخضر إلى النقطة التي تقترب فيها التكلفة من التنافسية. سباق دولي نحو الريادة اكتسبت برامج إنتاج الهيدروجين الأخضر زخمًا قويًا في أوروبا وآسيا وأمريكا والخليج العربي وشمال إفريقيا وفي أنحاء أخرى من العالم، ويمكن استخلاص هذا الزخم العالمي انطلاقا من بعض النماذج لمشاريع معلنة عبر العالم. – أوروبا: كآلية للتحرك الجماعي، أصدرت المفوضية الأوروبية، لكونها أبرز الداعمين للطاقة النظيفة، في يوليو 2020، إستراتيجية لتحفيز التوسع في استخدام الهيدروجين الأخضر، عبر تدشين منشآت محللات كهربائية للهيدروجين بقدرة 6 جيغاوات لإنتاج ما يصل إلى مليون طن من الهيدروجين الأخضر في المرحلة (2020-2024)، و40 جيغاوات لإنتاج ما يصل إلى عشرة ملايين طن في المرحلة (2025-2030)، وذلك بميزانية 180-470 مليار يورو. – ألمانيا: تسعى الحكومة الألمانية إلى أن يكون الهيدروجين المكون المحوري في تحول سياستها الطاقية. وهي الدولة التي تمتلك الخطة الأكثر طموحا وتفصيلا في العالم، كما تعد السوق الأكثر جاذبية للمستثمرين في مشاريع هيدروجينية، متفوقة في ذلك على هولندا وبريطانيا وفرنسا والنرويج مثلا. وقد استطاعت إقامة شراكات مع موردين أجانب ودعم الإنتاج المحلي ب9 مليارات يورو. ومن بين المشاريع الحديثة المعلنة على الأراضي الألمانية، على سبيل المثال، المشروع المشترك بين شركة الطاقة النفطية البريطانية "بي بي" وشركة الطاقة الريحية "أورستيد" الدنماركية لتوليد الهيدروجين في "لينغن" انطلاقا من سنة 2024، والذي ب50 ميغاوات سيتعدى الطاقة المبرمجة لمشروع "Westküste 100" في ولاية "شليزفيش هولشتاين". وكذلك مشروع الشركة النفطية "شيل" الذي تطمح من خلال المزج بين الطاقة الريحية البحرية وإنتاج الهيدروجين، توفير نحو 1000 محطة شحن للسيارات الكهربائية في محطات الوقود لديها في غصون سنة 2030. ومن جهة أخرى، تسعى الحكومة الألمانية إلى اعتماد معايير مشتركة وتنسيق أوسع بين الدول الأوروبية في مجال الهيدروجين، في أفق تشييد طاقات تحليل كهربائي بقوة عشرة ميغاوات في غضون 2040، أي ما يعادل طاقة عشر محطات نووية. كما تسعى ألمانيا إلى الحصول على منتجات الطاقة المعروفة باسم "Power-to-X-Produkte (PtX)"، مثل الغاز والكيروسين إضافة إلى مواد أولية يمكن استخدامها في الصناعات الكيميائية. وقد كان العائق في وجه هذه البرامج، حتى الآن، الاستهلاك الكبير من الطاقة في عمليات التحليل الكهربائي للماء. وقد اتجهت الحكومة الألمانية لحل مسألة الطاقة من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية المستوردة من خارج البلاد، كبلدان شمال إفريقيا بشكل أساسي. وفي هذا الإطار عملت على نسج شراكة مع المغرب لتطوير أول محطة صناعية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في إفريقيا، باعتبار أن المغرب يحتل الصدارة بين بلدان إفريقيا من ناحية التوسع في اعتماد مصادر الطاقة المتجددة. وتعتبر ألمانيا من الشركاء الرئيسيين للمغرب في مشروع محطة الطاقة الشمسية "نور" الأضخم في العالم بمنطقة وارزازات، والذي أنجز على مساحة 30 ألف هكتار ويغطي احتياجات 1,3 ملايين إنسان. وتعول ألمانيا على الشراكة مع المغرب لتعزيز مكانتها الرائدة عالميا في مجال تقنيات الهيدروجين؛ لكن، ومنذ إعلان المغرب في مارس 2021 وقف العلاقات مع السفارة الألمانية بالرباط، بما فيها مشاريع وبرامج الدعم، بسبب خلافات سياسية قد تكون لها علاقة بقضية الصحراء المغربية، أصبح اتفاق تطوير قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر ومشاريع الأبحاث والاستثمارات في عداد المجهول. – البرتغال: في إطار أهدافها الاستثمارية في مجال الطاقات المتجددة، وقعت البرتغال مع المغرب اتفاقية تعاون في مجال الهيدروجين الأخضر في فبراير 2021، لوضع الأسس اللازمة لتطوير الشراكة في قطاع الطاقة النظيفة، والتي تلتها توقيع اتفاقية ثانية في شهر يوليوز 2021 مع الشركة البرتغالية " Fusion Fuel Green and Consolidated Contractors "، المورد العالمي للحلول الهندسية، تتعلق بالبنية التحتية، الأمان، النقل والخدمات اللوجستيكية المرتبطة بمشروع إنتاج الأمونياك والهيدروجين الأخضر "HEVO Ammoniac Maroc"، والذي من المقرر أن يحقق إنتاج 10 آلاف و411 طنا من الهيدروجين الأخضر و60 ألف طن من الأمونياك الأخضر بحلول سنة 2025، باستثمار إجمالي يقدر ب865 مليون يورو، يطمح إلى أن يكون أكبر "مزرعة" للهيدروجين والأمونياك الأخضر على الصعيد العالمي، يخصص إنتاجها للتصدير. – السويد: في مشروعHybrit" " في مدينة "لوليا" الساحلية السويدية، تعمل ثلاث من أكبر الشركات في البلاد، وهي شركة التعدين "LKAB" وشركة إنتاج الصلب "SSAB" وشركة توليد الكهرباء "Vattenfall" على خطة لإنتاج نسخة من الفولاذ "خالية" من الأحافير؛ وذلك بمحاولة استخدام الهيدروجين الأخضر لإنتاج الحديد المختزل المباشر. وسيأتي الهيدروجين من منشأة التحليل الكهربائي التي تعمل بالطاقة الكهرومائية التي توفرها شركة "Vattenfall". وإذا نجحت هذه المحاولات، سيتم بعد ذلك بناء مصنع تجريبي طاقته 1.1 مليون طن سنويا، ما يمهد الطريق لإنتاج الفولاذ الخالي من الأحافير اعتبارا من 2026. – كندا: تطمح كندا إلى امتلاك أحد أكبر مصانع الهيدروجين الأخضر في العالم، من خلال منح عقد هندسي لشركة "هايدرو كيبيك" الكندية بالتعاون مع شركة "تيسين كروب" الألمانية الصناعية العملاقة، لتنفيذ مشروع تركيب محطة التحليل الكهربائي للمياه بقدرة 88 ميجاوات، والتي ستكون قادرة على توليد نحو 11 ألف طن متري من الهيدروجين الأخضر سنوياً. وستكون الكهرباء المستخدمة لهذا المشروع قادمة من الطاقة الكهرومائية. – الشيلي: وفقا لوزارة الطاقة في دولة الشيلي، فإن هذه الأخيرة تزخر بمؤهلات هائلة في مجال إنتاج الطاقات المتجددة، وأنها قادرة على إنتاج 60 مرة أكثر من الطاقات المتجددة، مقارنة مع ما تنتجه حاليا من الطاقة الشمسية، الريحية والهيدروكهربائية، وأن كلفة الهيدروجين الأخضر بالشيلي تعد الأرخص في العالم؛ الأمر الذي يشجع طموح الشيلي إلى أن تصبح رائدا في أمريكا اللاتينية في مجال الاستثمار في هذه التكنولوجيا. وعبر تنزيل 18 مشروعا للهيدروجين بغلاف استثماري يقدر ب12 مليون دولار، تتطلع الشيلي إلى تصدير هذه الطاقة في أفق سنة 2030. ويوجد هناك بعض أوجه التشابه بين المغرب والشيلي في مجال الرؤى والإستراتيجيات والجغرافيا، ويتوفران على مؤهلات فضلى لإنتاج الهيدروجين الأخضر في ما يتعلق بالقدرات والتنافسية؛ الشيء الذي دفع الطرفين في اتجاه توسيع التعاون في هذا المجال، دشن أولا في سنة 2016 بتوقيع اتفاقية تعاون بين الهيئة الشيلية المكلفة بتطوير ودعم إحداث الصناعة الوطنية "كورفو" والوكالة المغربية للطاقة المستدامة "مازن"، قصد الدفع بالصناعة الشمسية والبحث والتطوير وتنفيذ مشاريع مستقبلية في مجال الطاقات المتجددة. – السعودية: أعلنت المملكة العربية السعودية في عام 2021 عن شراكة إستراتيجية مع ألمانيا في مجال تطوير مجال الهيدروجين الأخضر، إنتاجا ومعالجة واستخداما ونقلا، حيث يتم في مدينة "نيوم" تطوير أكبر مصنع للهيدروجين الأخضر في العالم بتكلفة تبلغ 5 مليارات دولار، وبطاقة إنتاجية تبلغ نحو 650 طنا من الهيدروجين الأخضر يوميا و1.2 مليون طن من الأمونياك سنويا، ابتداء من سنة 2026. – الإمارات: دشنت دولة الإمارات العربية المتحدة مشروع الهيدروجين الأخضر في مجمع "محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية" في دبي، بتعاون بين هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا"، "إكسبو 2020 دبي"، و"سيمنز إنرجي"، كأول منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. – عمان: نقلت إفادات إعلامية أن سلطنة عمان يصدد التخطيط لإنشاء واحد من أكبر مصانع الهيدروجين الأخضر في العالم بالمحافظة الوسطى على بحر العرب سنة 2028، بقدرة إنتاجية قد تصل إلى 25 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وذلك في إطار التقليل من اعتماد اقتصاد الدولة الخليجية على النفط ضمن إطار رؤية عمان 2040. ويقوم على المشروع، الذي تبلغ تكلفته 30 مليار دولار، تحالف من الشركات، بما في ذلك شركة النفط والغاز الوطنية "اوكيو" وشركة تطوير الهيدروجين المتجددة "أنتركونتيننتال إنرجي". ويهدف إلى إنتاج 1.8 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر وما يصل إلى 10 ملايين طن من الأمونياك الأخضر سنويا. طموح مغربي لانتقال طاقي وتنمية مستدامة كباقي دول العالم، يحاول المغرب التموقع كرائد في مجال الطاقات المتجددة عموما والهيدروجين الأخضر خاصة، باعتباره زاوية في الانتقال الأخضر للقطاعات الطاقية والصناعية. وقد تم وضع إستراتيجية عقب توصيات بعض الدراسات التي أكدت توفر المغرب على إمكانيات كبيرة لتطوير هذا القطاع قد تؤهله للاستحواذ على ما يصل إلى 4 في المائة من الطلب العالمي على الجزيئات الخضراء. ويرتكز تنفيذ هذه الإستراتيجية، في أفق سنة 2050، على ثلاثة محاور أساسية: أولا- التطوير التكنولوجي، ثانيا- تخفيض التكلفة بتوفير البنيات التحتية الملائمة، ثالثا- تحقيق فرص الطلب عبر أسواق جديدة. وتضم أجرأة هذه الإستراتيجية: -خفض التكاليف في جميع مراحل سلسلة القيمة لقطاع الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، -تنفيذ الإجراءات الضرورية للاندماج الصناعي المحلي للقطاع، -تكوين الموارد البشرية ونقل الخبرات، -إنشاء مجمع صناعي وطني مخصص لتطوير تكنولوجيا الهيدروجين، -وضع مخطط توجيهي للبنيات التحتية الملائمة، -بلورة مخطط وطني للتخزين بهدف استخدام الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة، -ضمان التمويل الضروري للتطوير وأنشطة الإنتاج المرتبطة من خلال التعاون والشراكات الدولية، -تطوير سوق وطنية للهيدروجين من خلال دعوة الفاعلين والمستثمرين إلى استعمال طاقة نظيفة ترتكز على الهيدروجين الأخضر، -إحداث قطب مغربي وإقليمي للبحث والتنمية لتعزيز موقع المغرب كمركز للخبرة، -توفير الظروف الملائمة لتصدير الهيدروجين ومشتقاته، خاصة إلى أوروبا التي يرتقب أن يرتفع فيها الطلب كثيرا خلال السنوات المقبلة. وقد اندرجت تفاصيل هذه الإستراتيجية في وثيقة "خارطة طريق الهيدروجين الأخضر لتحقيق الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة Fouille de route Hydrogène vert, Vecteur de Transition de Energétique et de Croissance Durable "، وهي وثيقة نشرت بالغة الفرنسية مؤخرا وكان إصدارها في شهر يناير 2021. وحسب هذه الوثيقة، يقدر الطلب الوطني المغربي من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، في حدود 4 آلاف جيغاواط ساعة في سنة 2030، وبقدرة تصل إلى جيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة، وسيرتفع هذا الطلب في سنة 2050 إلى 40 ألف جيغاواط ساعة بقدرة 20 جيغاواط. فيما يقدر الطلب عند التصدير ب 10 آلاف جيغاواط ساعة في سنة 2030 بقدرة تصل إلى 6 جيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة. وسيرتفع هذا الطلب وفق التقديرات إلى 115 ألف جيغاواط ساعة في سنة 2050 بقدرة تصل إلى 60 جيغاواط. كما يقدر الاستثمار المتراكم، وفق خارطة الطريق ب90 مليار درهم في أفق 2030 ليرتفع إلى 760 مليار درهم سنة 2050. وبخصوص رقم المعاملات السنوي في سنة 2030، فيقدر ب 22 مليار درهم. ويرتقب أن يرتفع إلى 330 مليار درهم سنة 2050. أما على مستوى تقليص الانبعاثات الغازية التي سيساهم فيها الهيدروجين الأخضر فستصل إلى مليون طن في سنة 2030 ثم سترتفع إلى 11 مليون طن في سنة 2050. وتتطلع خارطة الطريق إلى خلق 26 ألف منصب شغل مباشر و130 ألف منصب شغل غير مباشر مرتبطة بالقطاع في غضون سنة 2050. وبالتالي سيكون من شأن تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر بالمغرب أن يدعم النمو الاقتصادي الأخضر ويقوي أمنه الطاقي. كما من شأن العمل على إنشاء صناعة محلية تعتمد على الهيدروجين أن يعوض المغرب استيراد الأمونياك من خلال إنتاج محلي لهذه المادة الأساسية في مجال الأسمدة. وسيساهم هذا التحول في ضمان الإمدادات على المدى الطويل، باعتبار الهيدروجين ليس مصدرا للطاقة فقط بل رافعة طاقية بالنظر إلى إمكانية تخزينه بكميات كبيرة وعلى مدى طويل. بالرغم من نقاط القوة التي يتوفر عليها المغرب في قطاع الهيدروجين الأخضر، وخاصة موقعه الإستراتيجي بين أوروبا التي تمتلك التكنولوجيا وتمثل أكبر سوق للطلب، وإفريقيا التي تمتلك الطاقة المتجددة وخاصة الشمسية منها وتتطلع إلى كسب رهان التنمية المستدامة؛ فإن مشاكل التمويل والمنافسة ستظل عائقا يتوجب التركيز عليها، خصوصا أن دول النفط الشرق الأوسطية الغنية "أحد مصادر التمويل المحتملة" ودول أوروبية "اهم مصادر الدعم المالي والتقني" وكذلك دول نامية من الجنوب "المتوفرة على إمكانيات الطاقات المتجددة" دخلت هي الأخرى في حلبة المنافسة. ويجب التذكير بأن التوتر السياسي الحاصل بين المغرب ودول أوروبية رائدة في مجال التكنولوجيا الخضراء كألمانيا التي قدمتها وثيقة خارطة الطريق كشريك أساسي للمغرب سيشوش كثيرا على مسار التنفيذ، خصوصا أن ألمانيا تربطها شراكات مع دول عديدة في العالم والمنطقة قد تجد فيما بينها ما يعوض مكانة المغرب في إستراتيجيتها الطاقية. مستقبل يصعب التأكد منه تزامنا مع الزخم الكبير حول الهيدروجين الأخضر، تسود بعض الشكوك حول هذا القطاع وعملية الترويج الواسعة له، خصوصا مع دخول شركات إنتاج الطاقة على خط الترويج والتي قد تجعله وسيلة للبقاء على صلة وإطالة عمر أصول الغاز الموجودة لديها. ومن بين المشككين عدد من المنظمات غير الربحية والجماعات البيئية و"مرصد أوروبا للشركات" الذي يوجد مقره ببروكسل. فحسب هذا الأخير، تقوم مجموعات الضغط مثل "Hydrogen Europe"، التي تضم في عضويتها شركات النفط ك"بريتيش بتروليوم" و"توتال" وشيل" وشركات تصنيع السيارات، بإنفاق ما يقارب 60 مليون يورو سنويا، بشكل جماعي في محاولة للتأثير في بروكسل لزيادة الاستثمار في دعم بناء اقتصاد الهيدروجين النظيف كوسيلة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي أثارها وباء كورونا. من جهة أخرى، يرى آخرون أن إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي هو طريقة تفتقر إلى الكفاءة في استخدام الكهرباء المتجددة؛ لأن هناك خسارة فورية للطاقة في عملية كسر الرابطة الكيميائية بين الأكسجين والهيدروجين، بنسبة تفوق 30 في المائة. ومن بين المعتقدين بهذا الرأي المؤسسة الفكرية "مركز السياسة الأوروبية"؛ لكن مجلس "Hydrogen Europe" ، من جهته، يعتقد أن الهيدروجين الأخضر يمكن أن يصل إلى التكافؤ في الأسعار مع الهيدروجين المنتج من الوقود الأحفوري في المناطق الغنية بالطاقة المتجددة في نهاية هذا العقد. وخلاصة القول، مع أن الهيدروجين الأخضر يتم تقديمه كحل "سهل" لمشكل الطاقة "المعقد"، إلا أن مستقبله لا يزال غير مؤكد، خصوصا أن مصيره، في النهاية، سيعود إلى ما سيقرره صناع السياسات وقادة الأعمال والمتحكمين في قطاع الطاقة العالمي.