تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في رسالة الأمة يوم 14 - 02 - 2022

كانت الرحلة إلى دوار داروتان بجماعة تمروت ، التابعة لإقليم شفشاون بشمال المغرب، طويلة ومتعبة، حيث استغرقت ما يقارب السبع ساعات على متن السيارة ، انطلاقا من مدينة الدار البيضاء. لم يكن الغرض من زيارة فريق جريدة "رسالة الأمة" للمنطقة النبش فقط في واقعة الطفل ريان الذي استأثر باهتمام منابر إعلامية عدة و تحول و في ظرف وجيز إلى بطل أحيى في النفوس الحس الإنساني ووحد الأمم و قبلهم المغاربة، بقدر ما كان هدفنا استخلاص الدروس و العبر من الفاجعة و إماطة اللثام عن العزلة و الظروف المزرية التي تعيشها ساكنة المناطق النائية و كذا ظاهرة الصوندات و الآبار العشوائية التي و على غرار دوار داروتان تنخر الربوع المغربية بسهولها وهضابها، تلالها و جبالها دون رقيب و لا حسيب، متحينة الفرص لتسلبنا عزيزا أو غاليا. داروتان دوار يقع بجماعة تمروت، إقليم شفشاون، جهة طنجة تطوان الحسيمة. ينتمي الدوار لدائرة باب برد مشيخة بني انبات و التي تضم 12 دوارا، عدد سكانه يقدر ب 3000 نسمة موزعة على 160منزلا. هو جزء من سلسلة جبال الريف الحديثة المنشأ و التي نتجت عن تراكم ترسبات مكونة أساسا من الصلصال والطين والحجر الرملي و الكلس و تعرضت في نهاية الزمن الجيولوجي الثالث إلى حركات تكتونية باطنية عنيفة أدت إلى نشوء بنية التوائية وعرة و معقدة ذات أشكال متداخلة، الشيء الذي جعل مجملها ضعيفة إلى منعدمة النفاذية مما يحد من حظوظ وجود خزانات و موارد مائية جوفية مهمة بالمنطقة… من هنا، من داروتان و من علو يقارب ألفي مترٍ، انطلقت رحلتنا لتقصي الحقائق و بدأت مهمتنا في البحث عن معطيات أوفى عن فاجعة الطفل ريان الذي أجهزت "حفرة الموت" على أحلامه الطفولية، وأسلم الروح لبارئها من غَيابَتِ جُبٍّ محاذٍ لمسكنه هجرته مياه هي نفسها أبت أن تطيل المقام في مثل هذه البيئة القاسية. مسالك وعرة ومشاهد دور طينية متواضعة بأسقف من لوحات القصدير، وقد تناثرت هنا وهناك، يصعب الوصول إليها إلا من مسالك جبلية ضيقة. شباب ضاق بهم المقام، حاجتهم الأولى أضحت ضمان ضرورات العيش الكريم، والبحث عن وسيلة للهروب من وطأ البطالة القاتلة بالمنطقة. على محيا الساكنة رجالا و نساء و على لسانهم اختلطت العبارات و الأحاسيس بين الحسرة على فقدان أحد أبناء قريتهم في شخص الصغير ريان رحمه الله و السعادة بزيارة هذا الكم الهائل من الصحافيين والمسؤولين للمنطقة، و الذين لطالما تمنوا أن ينفض عنهم الغبار ويجدوا آذانا صاغية لمعاناتهم و واقعهم المرير بهذه القرى النائية المنسية.
داروتان… الساعة تشير إلى السادسة مساء، غادرنا الطريق الوطنية رقم 2 وغصنا في المسالك الجبلية المؤدية إلى الدوار مسرح فاجعة الطفل ريان، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها صعبة: كثيرة الانعراجات و الانكسارات و غير معبدة. بمجرد الاقتراب من مدخل الدوار، تتراءى لك هشاشة الوضع الذي يعيشه الساكنة، وكيف أنهم يبتسمون في كبرياء رغم الفاجعة و ضيق الحال.
بعيدا عن موت الطفل ريان الذي قدر الله له أن يغادرنا إلى دار البقاء، وما رافقه من آمال وآلام ، وترقب وانتظار مدة خمسة أيام، وكأنها أعوام وأعوام، غزت صوره ورسوماته كل الأمصار، احتفاء بالطفل الذي ترك أنظار العالم تتوجه لمنطقة كانت يوما في طي النسيان، وترك البشرية بجميع أطيافها تنسى ولو للحظات ما يفرقها و تتوحد بالدعاء بشتى اللغات والديانات في تلاحم وتضامن قل نظيره.
ساكنة دوار داروتان أناس بسطاء، يزاولون فلاحة معاشية ويقتاتون من محاصيلهم الزراعية ك"الكيف" و"الزيتون"، ويقاومون برودة الطقس خاصة عند تساقط الثلوج و تلك حكاية أخرى. ورغم ملبسهم المتواضع، فأطفالهم – كما كبارهم – دائمو الابتسام متناسين الفقر و العزلة والعوز. منطقة نائية لا يتوفر ساكنتها حتى لشروط العيش الكريم. أما التعليم وظروف التعلم وبرامج الوزارة من تعميم وتكافؤ الفرص ومحاربة الهدر الدرسي… فتبقى شعارات وحبرا على ورق.
يقول أشرف ابن المنطقة: "إذا مرض شيخ أو امرأة فإما نعالجها هنا بالدوار أو نحاول نقلها رغم صعوبات الطريق إلى أحد المستوصفات التي تبعد عنا ما يقارب 11 كيلومتر (مستوصف بجماعة تمروت)" ثم أضاف قائلا : " ريان آلمنا كثيرا برحيله، لكن كشف حقيقة ما نعيشه، لم يسبق لأي مسؤول وأن حط أرجله على هذه الأرض لا نراهم إلا كل خمس سنوات وقت الحملة الانتخابية ، نبحث عمن يمكن لنا أن نتواصل معه لنوصل له أصواتنا … تعبنا من هذه الحياة ورغم ذلك نحمد الله ونشكره".
نساء الدوار يتوارين عن الأنظار لعفتهن وحيائهن، صفة لمسناها بجلاء بهذا الدوار القابع بوسط الجبال الشاهقة، وطيلة أيام الحفر الجنازة والعزاء كن يساعدن عائلة ريان، يطبخن ويخففن على أمه وجدته وقع الفراق.
صور عشناها تختزل معاناة ساكنة المنطقة، شباب فتحوا لنا قلوبهم وأفصحوا عما بداخلهم، تجرعوا وما زالوا يتجرعون مرارة العيش في عزلة جبلية بمنطقة منسية بتقصير من بعض المسؤولين، ومعاناة ومصاعب مسؤولين آخرين ممن يتمتعون بالضمير والحس الوطني ولا يذخرون جهدا في إنقاذ أهل الدوار والدواوير المحيطة والمتواجدة بجماعة تمروت والبالغ
عددها 33 دوار جلهم يعيشون على واقع المعاناة اليومية والبطالة والتهميش. إضافة إلى السلطات المحلية التي ظلت وفية لخدمة الوطن وعملت على قدم وساق واصلين الليل بالنهار لتقديم العون والمساعدة طيلة مراحل إنقاذ ريان، في غياب تام للمنتخبين "الأشباح" كما وصفهم أهل الدوار.
ونظرا لندرة الموارد المائية بالمنطقة، يلجؤ الساكنة لحفر "الصوندات" أو "الآبار" علها تجود عليهم بماء يروون به ظمأهم أو يسقون به أحواضهم كلما انحبس المطر، غير أن جلها يكون بطريقة عشوائية، دون مراعاة لأدنى شروط السلامة ودون ترخيص قانوني كما جاء على لسان أغلب قاطني المنطقة.
"الآبار" و"الصوندات" حفر الموت القاتلة…
قرر الفريق أن يتقصى حقيقة "الآبار" و"الصوندات" بدوار داروتان والدواوير المجاورة، لمعرفة الإجراءات، الطرق و التقنيات التي يعتمدها الساكنة لحفر الآبار، والتي قد تكون سببا في سلب حياة أحد الساكنة راشدين كانوا أم أطفالا صغارا أبرياء كما حدث للصغير ريان – رحمة الله عليه – أو في حوادث أخرى مماثلة ظلت حبيسة الحناجر والمحاضر. بعد حوار صغير مع رجال الدوار الذين لم يتوانوا عن الجواب على سؤالنا: هل تحصلون على رخصة لحفر الآبار؟ وهل تراقب السلطات أو الجماعة أو إدارة الأحواض المائية الآبار الموجودة؟ ليجيبوا والبسمة تسابق كلماتهم بطريقة تركتنا ندرك أن ما وراء الكلام حقائق خفية.
يقول لنا الشاب محمد.أ، مقاول في حفر الآبار: "%99 من الساكنة هنا لا ينتظرون رخصا لحفر "الآبار" أو "الصوندات"… وحتى وإن أردنا أخذ ترخيص فيلزمنا التوجه لمدينة طنجة" ليضيف في معرض كلامه، "مشكلة التراخيص أنها تتأخر كثيرا، والساكنة تكون في حاجة ماسة للمياه لري أو سقي محاصيلهم الزراعية، المنطقة خالية من المياه … هذه السنة نعيش على وقع الجفاف الذي تسبب في خسائر كبيرة وقلة المحاصيل الزراعية".
أياما بعد واقعة الطفل "ريان"، كشف مدير البحث والتخطيط المائي لوزارة التجهيز والماء في المغرب، عبد العزيز الزروالي، في تصريح رسمي، أن وكالات الأحواض المائية ستقوم بجرد شامل للآبار العشوائية، التي قد تشكل خطرا على السلامة العامة، بهدف اتخاذ إجراءات مواكبة مع إمكانية المتابعة القضائية حتى لا تتكرر فاجعة ريان. وأكدت الوكالة نفسها، أن وكالات الأحواض المائية على مستوى التراب الوطني، تصدر قرارات الترخيص بالحفر والجلب بمعدل سنوي يتراوح ما بين 30.000 و40.000 رخصة، في حين لا تتوفر الإدارة نفسها على إحصائيات بشأن الآبار المهجورة أو الغير مرخصة. ويجدر الإشارة
أن مأساة ريان أورام، أعادت إلى الواجهة مخاطر الآبار العشوائية والصوندات، التي يتم حفرها بطرق عشوائية في غياب أي مراقبة، والتي سبق وأن سجلت العديد من الحوادث المأساوية التي تسببت فيها "الصوندات" أو "الآبار" أودت بحياة الكثير من الأشخاص صغاراً و كباراً، في حين لم ينجُ إلا القليل.
تعتيم مجهول وغياب تام لأي معلومة بالمنطقة..
عودة للماضي القريب، عرفت لحظات إخراج الطفل ريان أورام من قعر البئر أو حتى خلال بعض فترات الحفر لإنقاذه تعتيما كبيرا من طرف السلطات المعنية والساهرة على إنقاذ الصغير، مما ترك المجال مفتوحا للتأويلات ولنشر الشائعات وتضارب الروايات حول الوضع الصحي للطفل، قبل أن يصدر بيان الديوان الملكي دقائق قليلة بعد إخراج ريان من البئر، منهيا حالة الشك والترقب ومعلنا رسميا خبر وفاته.
لكن بعيدا عن قصة التعتيم الخاصة بإنقاذ الطفل ريان آنذاك، ارتأينا أن نطرق باب رئيس الجماعة القروية تمروت ونتواصل معه لمعرفة المزيد من المعلومات عن الساكنة والدواوير التي تشكو وبشدة من تواجد العديد من "الصوندات" و"الآبار" المهجورة أو التي يتم حفرها بطريقة عشوائية و المشابهة لتلك التي سقط فيها الفقيد "ريان"، وعن سبب غياب الناخبين الذين اشتكت منهم ساكنة الدواوير، والذين كانوا يرجون منهم فقط مد يد المساعدة لهم في ظل هذه الظروف العصيبة التي تعرفها المنطقة، إلا أننا صدمنا حيث استأثر التكتم والتهرب من لقاءنا، الشيء الذي جعلنا عاجزين عن الحصول على المعلومات الكافية لإكمال بحثنا، ومعرفة ما أقدمت عليه السلطات والجماعة المعنية من خطوات لحصر عدد الصوندات والآبار المشكلة لخطر على الساكنة تخفيفا لما تعانيه في صمت وسط الجبال النائية، محاولين فهم سبب تهربه من لقاءنا ليتم إجابتنا من طرف أحد الأعضاء المنتخبين بالجماعة أن السيد الرئيس لم يسبق له إجراء أي حوار صحافي، وأنه لا يود اللقاء بأي صحافي من الصحافيين، مشيرا في كلامه أنه سبق له وأن فضل الصمت أمام القنوات الرسمية بالبلاد.

جماعة "تمروت" في شمال المغرب
و بالتواصل مع أحد الأشخاص الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أكد لنا أنه يجب معرفة الأسباب الحقيقية للحادثة وأن ظاهرة "الصوندات" والآبار العشوائية أو المهجورة مستفحلة بالمنطقة وأنه آن الأوان لمعالجتها، واستطرد قائلا: "لا نريد أن نفقد ابنا من أبنائنا مرة أخرى أضحينا نخاف من تكرار فاجعة ريان بالمنطقة أو بأحد الدواوير"، داعيا في كلامه إلى إطلاق برنامج تنموي كبير لإنقاذ ساكنة الجبال خاصة بإقليم شفشاون والذي بإمكانه إنقاذ الآلاف من القرى الجبلية.
مهندس طبوغرافي : "التربة الشيستية الصلبة … سبب في وفاة ريان"
حاورته : ابتسام عبيبي
* بصفتكم مهندسا طبوغرافيا وواحدا من المشاركين في عملية إنقاذ الطفل ريان – رحمه الله – ما هي المعطيات والآليات التي ساعدتكم على معرفة نوعية التربة؟
بادئ ذي بدء، أود الإشارة أنه لي دراية تامة بالخصائص الجيولوجية للمنطقة وخاصة سلسلة جبال الريف و شمال المغرب، فاعتمادا على الإحداثيات فتربة المنطقة التي وقع بها الطفل ريان رحمه الله، تربة شيستية صلبة وتنتمي إلى وحدة كتامة وهذا ما سهل نسبيا عملية الحفر.
* هل تظنون أن التقنيات والآليات التي تم استخدامها في إخراج الطفل كانت ناجعة؟
كانت التقنية التي استعملت من طرف فرق الإنقاذ هي الأقل خطرا على الشهيد ريان و على الفريق المسعف، لأنه بعدما تعذر علينا استخراجه مباشرة من فوهة البئر بمساعدة مستغورين أكْفاء، نظرا لقطر البئر الذي لم يكن يتعدى 45 سم في السطح و 20 سم عمقه، ارتأى المختصون حفر ثقب عمودي موازٍ للبئر ارتفاعه 32 مترا
ثم حفر نفق أفقي اتجاه الطفل. الخطوة الأولى التي قمنا بها هي تحديد إحداثيات الطفل ريان، وذلك لمساعدة العمال والمتطوعين للحفر في الاتجاه الصحيح، وباستعمال أدوات قياس تمكنا من معرفة مكانه بالضبط، فقد كان يبعد عنا بستة أمتار أفقيا ومترين اثنين عموديا .
* ما هي المخاطر التي واجهتموها أثناء الحفر؟
أكيد أننا كنا نواجه مخاطر عديدة، لو تساقطت الأمطار لحدث الأسوأ، فالحمد لله أن الله عز وجل حمانا، والأمر الآخر والخطر الأكبر الذي واجهناه هو تساقط الأحجار وانهيارات التربة من حين لآخر، ولهذا كان الحذر شديدا: احتمال حدوث انهيار كان كبيرا لولا العناية الإلهية بنا .
كما واجهنا خطر تساقط الأحجار وكذا الأتربة العالقة داخل الحفر، وما إن هَمَّ العمال بالدخول إلى منطقة الحفر الأفقي حتى تساقطت كميات كبيرة من الأتربة بداخل الحفرة وغطت جزءا كبيرا منها، والنتيجة ساعتان من العمل الإضافية لأجل إخراج التربة المتساقطة.
القانون 36.15 المنظم لحفر الآبار… حبر على الورق
الأستاذ كمال اشنيول هيئة المحامين بفاس
وفي خضم النقاش الذي طفا على السطح بعد حادثة الطفل ريان، وجوابا على أسئلة "رسالة الأمة" أوضح الأستاذ كمال اشنيول من هيئة المحامين بفاس، إن " في ظل غياب مقتضيات على مستوى قانون الماء. 95-10، تمكن من مراقبة الأنشطة المتعلقة بحفر الأثقاب، استفحلت ظاهرة الحفر العشوائي للأثقاب مما ساهم بشكل كبير في تدهور حالة الموارد المائية الجوفية التي تناقص مخزونها بشكل خطير في السنوات الأخيرة.
وعلى مستوى المواد القانونية لسد الفراغ القانوني لتنظيم مهنة حفر الأثقاب، أضاف الأستاذ
إنه " لسد هذا الفراغ القانوني جاء القانون 15-36 حول الماء في مادته 114 بمجموعة من المقتضيات لتنظيم مهنة حفر الأثقاب يمكن إجمالها في إحداث نظام للترخيص بمزاولة مهنة ثاقب"، موضحا كلامه، إن " إخضاع الراغبين في مزاولة هذه المهنة لمجموعة من الشروط المتعلقة بالمؤهلات التقنية والقدرات اللوجستية، بالإضافة الى التنصيص على ضرورة وضع سجل للمرخص لهم رهن إشارة مستعملي الماء بمكاتب ومصالح الإدارة ووكالات الأحواض المائية.
وفي السياق نفسه، فإن المشرع قد وضع مسطرة خاصة للحصول على ترخيص حفر الآبار أو ثقب في جوف الأرض، وتتجلى هذه المسطرة في ضرورة تقديم طلب من المعني بالأمر مرفق بعقد يثبت به الطالب حق التصرف في الاراضي المزمع إقامة هذا البئر أو الثقب عليها وبتصميم موقع ملائم تبين فيه نقاط الماء، ويتم تقديم هذا الطلب إلى السلطة المحلية،
وتكلفة هذا الترخيص تتراوح بين 400 درهم و 1000 درهم.
ولفت كمال اشنيول إلى أن القانون تضمن جزاءات ردعية منها إغلاق النقط المائية التي تصبح غير قانونية أو قد تكون منجزة بدون ترخيص، وعقوبات مالية وسجنية، الأمر الذي قد يساهم في الحد من ظاهرة الحفر العشوائي للأثقاب وان كان القانون وحده غير كافي بل لابد من البحث عن حلول بديلة كربط المناطق النائية بالماء الصالح للشرب.
وعلق المتحدث في تصريح خص به "رسالة الأمة"، قائلا: إن " مهمة معاينات المخالفات… المشار إليهم في القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية، تعود إلى أعوان شرطة المياه المعينين لهذا الغرض من طرف الإدارة ووكالات الأحواض المائية والمؤسسات العمومية الأخرى المعنية، والمحلفين طبقا للتشريع المتعلق بأداء القسم من طرف الأعوان المكلفين بتحرير المحاضر".
بن مخلوف : لهذه الأسباب الطريقة المغربية هي الأمثل…
حاورته : فاطمة الزهراء شكري
ما الوضعية الجيو طبوغرافية لمنطقة الحادثة؟
محمد بن مخلوف
أستاذ علم الجيولوجيا
بكلية العلوم بتطوان
تقع منطقة الحادثة المأساوية في منطقة جبال الريف التي تتسم بتضاريس معقدة و تتكون من طبقات جيولوجية غير مستقرة. فالصخور التي توجد في قرية الطفل ريان هي عبارة عن صخور هشة متقطعة ومتكونة من تربة المارل وصخور صلبة من نوع الكلس.

ما هي المخاطر الممكنة جراء هذه الوضعية و التي يمكن أن تعيق عملية الإنقاذ؟
على رأس المخاطر، نجد انجرافات التربة وسقوط الأحجار الصلبة غير المستقرة. و إذا كانت هذه النوعية من المخاطر تحدث بشكل طبيعي نظرا لنوعية التربة الهشة، فإن عملية الحفر يمكن أن تزيد من نسبة وقوعها بشكل كبير.
لهذا، كان المنقذون يحفرون النفق ببطء لكي لا يحدثوا أي حركة تسبب انهيار التربة.
إلى أي حد تمكن التدخل المغربي من تحقيق الهدف المتمثل في إخراج الطفل ريان؟
لا يمكننني كمتخصص إلا أن أثمن جهود المنقذين. فتدخل المغاربة كان سريعا و تقدمهم كان فعّالا و ينمّ عن معرفة جيدة بتضاريس المنطقة. فليس من السهل حفر نفق عمودي ارتفاعه 32 متر ثم نفق أفقي ل7 متر و خلال مدة وجيزة ناهزت 4 أيام. و بمقارنة بسيطة مع حالة مشابهة حدثت في إسبانيا سنة 2019، لم يتمكن رجال الإنقاذ من بلوغ طفل سقط في بئر عمقها 78 متر إلا بعد أسبوعين.
هل كانت هناك طرق بديلة ممكنة؟
لم تكن هناك طريقة أخرى ممكنة لعدة أسباب: أولا، نوع التربة والتضاريس المعقدة والهشة؛ ثانيا، وجود منازل السكان قرب مكان الحادثة؛ و أخيرا، عدم إمكانية تسريع وثيرة الحفر أكثر لتجنب وقوع انجرافات في التربة.
بواسطة
علوي مدغري عبد الصمدعبد الله أسعدلطفي الصنهاجي الراشقفاطمة الزهراء شكريابتسام عبيبي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.