في رد غير مباشر على القرار الحكومي بالزيادة في الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص على مرحلتين، بالصيغة المتفق عليها بين الحكومة والمركزيات النقابية، خرج الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتقرير متشائم إن لم نقل " قاتم" حول الظرفية العامة للمقاولة المغربية التي وصفها ب " الحرجة"، كاشفا عن وضع اقتصادي سيء، لا يسمح بوجود مناخ ملائم للإقبال على الاستثمار، في وقت يبدي عدد مهم من المقاولين عدم رضاهم على وضعية مقاولاتهم التي توجد على المحك. فالتشاؤم والاستياء هو الشعور الغالب على غالبية المقاولين في شتى القطاعات الانتاجية والخدماتية والتجارية والفلاحية والصناعية، في حين أن المقاولات الأكثر استثمارا هي التي اعتمدت في تمويلها على الرأسمال الأجنبي. وعدم الرضى هذا يأتي بسبب الطريقة التي تتحرك بها الحكومة في مجال تدبير ملفات الاقتصاد الوطني الحارقة، عبر إجراءات انفرادية وذات نفس مالي ومحاسباتي صرف سواء عبر تطبيق نظام المقايسة في أسعار المحروقات أوباعتماد الزيادة في الأسعار أوالتقليص من نفقات الاستثمار، أو تجميد مستحقات المقاولات إلى أجل غير مسمى. تشاؤم الباطرونا إذن لم يأت من فراغ، لأن كل المؤشرات المعتمدة في تقييم أداء المقاولة المغربية، أظهرت أن الانجازات كانت دون مستوى التطلعات، بل والأدهى من ذلك حدثت تراجعات مهمة في كثير من المجالات والقطاعات. والتفاؤل المفرط للحكومة في ما يتصل بقدرتها على تحقيق ما لم تستطعه الحكومات السابقة في هذا الشأن، أوقعها في سوء تقدير الأمور، وأسقطها في التناقض بالنظر إلى الإمكانيات المتوفرة وهي محدودة بطبيعة الحال، والمراهنة على إجراءات وقرارات زادت من تأزيم الوضع الاقتصادي والمالي والاستثماري لغالبية المقاولات، كبرى ومتوسطة وصغرى. والأرقام كما هي واردة في تقارير ومذكرات اقتصادية صادرة عن مؤسسات وطنية ودولية، والتي آخرها تقرير الاتحاد العام لمقاولات المغرب، دليل على ما نزعم ونقول منذ مدة، من أن النهج الذي تسير عليه الحكومة هو نهج خاطئ سيعرض البلاد المهالك. ويكفي أن ضعف معدلات النمو والاستثمار ومحصلة التشغيل وارتفاع منسوب البطالة، واستمرار كل مظاهر العجز الموازناتي والتجاري، دليل على أن المقاولة المغربية عاجزة حتى الآن عن القيام بدورها الاستراتيجي في النهوض بالاقتصاد الوطني، بسبب السياسات والإجراءات الاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة، التي لم تفلح في بلوغ الأهداف المعلنة، وبقيت الإصلاحات الهيكلية التي وعدت بها مؤجلة واهتمت بدل ذلك بالحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، على حساب دعم وتشجيع المقاولات وخلق فرص إضافية للشغل. سياسات أثرت بشكل بالغ وسلبي جدا على أداء واستقرار المقاولة المغربية، التي تواجه منذ سنوات مشاكل متراكمة ومزمنة بسبب انخفاض وضعف و تراجع حجم مشاريع الاستثمار التي تطرحها القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية. إن المقاولة المغربية اليوم توجد في مفترق طرق صعب فهي تعاني من أزمة عميقة، زادت منها الإجراءات المتخذة بشكل انفرادي من قبل الحكومة، مما أثقل كاهلها، ناهيك عن أن المقاولات الكبرى قد دخلت دائرة الخطر منذ مدة ليست بالقصيرة في ظل المنافسة الأجنبية الشرسة الناتجة عن اتفاقيات التبادل الحر التي وقعها المغرب مع عدة دول، دون أن تتم مواكبة ذلك بإجراءات وآليات تخفف من وطأة ذلك على القطاع الخاص المغربي. فأين هي وعود بنكيران إذن والتزاماته بالنسبة للنهوض بالمقاولة المغربية ودعم الصناعات الوطنية، ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة؟ وأين شعاراته الشعبوية بجعل المغرب في مستوى دولة كتركيا التي حققت خطوات جبارة في مجال التطور الاقتصادي والصناعي، ونجحت في سداد ديونها، وأضحت قطبا اقتصاديا جهويا؟ وأين عهوده وأيمانه الغليظة بتمكين المقاولات المغربية من مستحقاتها المترتبة على الدولة، كما جاء في رسالته التوجيهية المعلومة على هامش عرض القانون المالي للمصادقة عليه بالبرلمان؟ إن تشاؤم الباطرونا له ما يبرره أمام تماطل الحكومة ورئيسها وعجزها وتخبطها وبطئها، حيث لا شيء تحقق على أرض الواقع حتى الآن، مما تم الإعلان عنه بشأن دعم المقاولة المغربية، لتترك بالتالي عرضة للانكماش والإفلاس، وهو ما قد يشكل لا قدر الله كارثة حقيقية على الاقتصاد الوطني. فالظرفية الصعبة التي تجتازها المقاولة لاتسمح بأي مزايدة سياسية من جانب الحكومة، وعليها تحمل مسؤولياتها بتوفير مناخ استثماري حقيقي يمكن من خلق المئات من المشاريع وتوفير آلالاف من مناصب الشغل وخلق الثروة والقضاء على البطالة.