يعقد مجلس الأمن اليوم أولى اجتماعاته المتعلقة بمناقشة التقرير الجديد الذي أعده الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع في الصحراء، وذلك في أفق إصدار المجلس لقرار جديد في الثالث والعشرين من الشهر الجاري. اجتماعات تأتي في ظل منعطف خطير تعرفه قضية الصحراء، وفي خضم جدل قوي حول ما تضمنه التقرير من إشارات غاية في الخطورة تعكس بوضوح تحولا في مسار مهمة الأممالمتحدة كوسيط مهمته تسوية النزاعات الإقليمية، وانزلاقها نحو اتخاذ مواقف غير منصفة تجاه المغرب، وخروجها عن مبدأ الحياد، وعدم تقديم تقرير متوازن يصف الأوضاع ويستقرئ الوقائع ويترك الباب مفتوحا أمام المجلس لاتخاذ القرار المناسب الذي من شأنه الدفع نحو إخراج المفاوضات من جمودها الحالي، آخذا بعين الاعتبار الجهود التي بذلها المغرب على مدى السنوات الماضية من أجل تذليل كل العقبات أمام إجراء مفاوضات حقيقية وجدية تفضي إلى حل سياسي واقعي متوافق عليه يروم إنهاء النزاع المفتعل بين الأطراف المعنية. لقد ظل مجلس الأمن يناقش قضية الصحراء بناء على الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة، وبالتالي فإن محاولة بان كي مون تبقى مكشوفة من خلال الدفع نحو تغيير الأسس التي قامت مهمة المجلس من أجل وضع حل نهائي ودائم وعادل لهذه القضية، التي تندرج منذ عام 1975 ضمن النزاعات الإقليمية أو الصراعات الدولية. وهي محاولة تدل على فشله الذريع في تدبير واقعي وعقلاني ومتوازن للملف وشعوره بالإحباط تجاه عدم قدرة مبعوثه الشخصي على إحداث اختراق حقيقي في مسار المفاوضات المتوقفة، والدوران في حلقة مفرغة، مما أوقعه في نفس الخطأ الذي وقع فيه المبعوث الأممي السابق جيمس بيكر حينما اعتبر قضية الصحراء قضية "تصفية استعمار"، في الوقت الذي أصبحت تهم أطرافا عدة منذ عام 1975 وتحولت إلى نزاع إقليمي مفتعل تقف وراءه الجزائر. إن المغرب على إدراك جيد بأن وضعية الصحراء تبقى معقدة بالنظر إلى تحركات النظام الجزائري ومناوراته وأجندته الرامية إلى نسف كل الجهود المغربية الرامية إلى تسوية النزاع وفق مقاربة تفاوضية تأخذ بعين الاعتبار مجمل التطورات الحاصلة في الصحراء على مستوى التحولات الديمغرافية والبنى التحتية والعمرانية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والمشاركة الفعالة لساكنة الصحراء في الاستحقاقات السياسية والانتخابية. ومن ثم فإن المنطق الذي جاء به تقرير بان كي مون لا يستقيم أبدا مع جوهر ما أصدره مجلس الأمن من قرارات تدعو إلى البحث عن حل وسط لقضية الصحراء والتمسك بالواقعية والبحث عن نقاط الالتقاء من أجل الوصول إلى اتفاق سياسي متوافق عليه للنزاع. وهو بالتالي منطق لن يشجع أبدا على استئناف المفاوضات بقدر ما سيعود بالقضية إلى المربع الأول، ويعرقل مهمة مجلس الأمن، ويقدم فرصة لأعداء السلام لكي يعيثوا فسادا في المنطقة ، وهو ما حذر المغرب منه مرارا، وبين خطورته على مسار القضية برمتها. فالمغرب كان سباقا إلى اقتراح مبادرة جريئة من أجل وضع حد للنزاع المفتعل تتمثل في نظام للحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، حظيت بإشادة وترحيب قويين من المجتمع الدولي، لكن الخصوم أبوا إلا أن يقفوا حجر عثرة أمام هذا المقترح الوازن. كما كان سباقا إلى التجاوب مع كل المطالب التي عبرت عنها الأممالمتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان واستقبل وفودا عن جمعيات ومنظمات غير حكومية دولية تعمل في المجال نفسه. ولقد شهد التقرير الأممي نفسه بكل الخطوات التي قام بها المغرب في اتجاه التعاون مع المجلس الدولي لحقوق الإنسان من خلال استقبال مقررين أمميين. زد على ذلك قيامه بكامل إرادته بوضع آلية لترسيخ وحماية حقوق الإنسان عبرا لمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إضافة إلى إصلاح منظومة العدالة ومراجعة اختصاصات القضاء العسكري وحصرها في قضايا أطراف عسكريين. فمحاولة الخروج عن الأسس التي نصت عليها مقررات مجلس الأمن منذ عام 2006، بعد أن اتضح للمجتمع الدولي استحالة تنفيذ الاستفتاء بعد فشل المينورسو في مهمة تحديد الهوية، وأصبح مقتنعا بأهمية التوصل إلى حل سياسي توافقي، ونوه بشدة بمبادرة الحكم الذاتي كأرضية مثالية لهذا الحل، لا تعني إلا شيئا واحدا، وهو أن الخصوم يسعون إلى الانحراف بالقضية عن مسارها الطبيعي، ويضغطون بقوة على الأممالمتحدة بكل الوسائل لكي تكرر نفس خطأ أمناء عامين ومبعوثين أمميين سابقين من خلال الدعوة إلى خيارات تبين أنها مستحيلة التطبيق ولا تنسجم مع واقع المنطقة، وتحمل تداعيات خطيرة، وتهدد السلم والأمن الهش، وتركز على قضايا من شأنها تعقيد مسلسل التسوية وتشكل تراجعا خطيرا عن كل ما تم تحقيقه من خطوات في اتجاه التوصل إلى حل متوافق عليه. فالتقرير الأممي جاء منحازا بشكل سافر للطرف الآخر متجاهلا مطالب المغرب، وانحرف عن الأسس والأهداف التي سطرها مجلس الأمن. وبالتالي فإن عدم الاحتفاظ بمعايير التفاوض كما تم تحديدها من طرف المجلس والإطار والآليات الحالية للمفاوضات، معناه السقوط في مقاربات منحازة وخيارات محفوفة بالمخاطر قد تفضي إلى انهيار كل الجهود ودخول الملف والمنطقة برمتها في نفق مظلم.