تخليد ذكرى مرور 40 سنة على المسيرة الخضراء حدث كبير بالنسبة لكل المغاربة وبالنسبة لتاريخ المغرب الحديث، فالمسيرة ، سواء كفكرة أو من حيث رهانها، تظل خالدة ومنقوشة بمداد الفخر والاعتزاز في سجل الأحداث الكبرى والمنعطفات الحاسمة للمغرب المعاصر: * الفكرة كانت إبداعا سياسيا، من عبقرية المرحوم الحسن الثاني، شد إليه أنظار العالم بأسره لما انطوت عليه كمقاربة وكأسلوب حضاري وسلمي في تحرير الأرض والإنسان واسترجاع المغرب لصحرائه المغربية. * المسيرة الخضراء جددت دماء الوطنية المغربية، ومكنت جيل ما بعد الاستقلال من شرف حمل العلم الوطني والقرآن الكريم والمشاركة في إزاحة وزر الاحتلال عن أقاليمنا الجنوبية. * المسير الخضراء بلغت أهدافها، وفي (نظام وانتظام) أنجزت مهمتها بعد أن وجد الاستعمار الإسباني أن لا مفر له من الاعتراف بحقيقة التاريخ والجغرافيا وبحقوق المغرب المشروعة في استرجاع وحدته الترابية. * حدث المسيرة ، الذي أبهر الساسة والسياسيين والاستراتيجيين، خلق حينها وضعا سياسيا جديدا في المغرب، قوامه جبهة وطنية وشعبية متينة ومتراصة ، وحضور ومشاركة كل مكونات الأمة المغربية في الدفاع عن مشروعية وحدتها الترابية والتمسك بسيادتها وحقوقها المشروعة. وبقيادة مبدع المسيرة ، و في أجواء الحرب الباردة والصراعات الدولية والجهوية الساخنة، كان على المغرب أن يتعبأ وأن يوفر لنفسه كل ما يلزم للدفاع عن النفس ولمواجهة مؤامرات ومخططات الجهات التي سلكت خيار العداء للمغرب والتربص بحقوقه. وبعد ملحمة المسيرة المظفرة، وإلى بداية تسعينيات القرن الماضي ( قرار مجلس الأمن ووقف إطلاق النار) واجه المغرب، بإباء وصمود ، كل أصناف الحروب العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي شنت عليه بتوجيه وتمويل وتأطير من الأنظمة العسكرية والشمولية التي استخدمت ورقة الانفصال والتجزئة لمعاكسة حقوق المغرب. فتحمل الشعب المغربي ، بكل ربوع الوطن ، تكلفة ذلك ، وكانت بطولات القوات المسلحة الملكية على أرض المعارك العسكرية، وتم تشييد الجدار الواقي، وواصلت القوى السياسية والنقابية والمجتمعية التعبئة والتجمعات والمبادرات الداعمة للقضية الوطنية وللإجماع الوطني حولها، وتحركت الدبلوماسية الرسمية والموازية عبر القارات وفي المحافل الدولية واللقاءات الجهوية ، وعملت الحكومة أو الحكومات المتعاقبة بالتوجيهات الملكية الداعية إلى جعل القضية الوطنية قضية مركزية وأسبقية الأسبقيات ، وكانت كذلك عطاءات ومساهمات الإعلام الوطني وإبداعات الحقل الثقافي والفني ... بكل ذلك ، واعتمادا على مشروعية قضيته الوطنية ، نجح المغرب وانتصر في هذه المرحلة على عدوانية ودسائس وأطروحة الخصوم ، فصار المجتمع الدولي مقتنعا أكثر فأكثر بأن الصحراء إنما عادت إلى وطنها الأم وإلى وضعها الطبيعي والشرعي . في نهاية التسعينيات وبداية القرن الحالي ،وخاصة بعد أن وصل مقترح الاستفتاء إلى الباب المسدود ، ودعوة مجلس الأمن ( سنة 2004 ) إلى تجاوزه والعمل على التوصل إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف ، سيعرف ملف الصحراء المغربية والنزاع المفتعل حولها تحولات وتطورات كبيرة على كل المستويات ، كان من بينها – في المجال السياسي – قيام المغرب بإطلاق مبادرته لتمتيع الأقاليم الجنوبية بنظام الحكم الذاتي في إطار سيادة المملكة المغربية ووحدتها الوطنية والترابية ، وذلك تجاوبا مع نداء المنتظم الدولي ، كما تفيد رسالة التقديم التي وجهها المغرب إلى الأمين العام الأممي في شهر ابريل 2007 . وعلى الأرض ظهرت هذه التحولات ، وبشكل ملموس ، في ما عرفته الأقاليم الصحراوية من تنمية ونهوض اقتصادي واجتماعي وعمراني غير وجه المنطقة وجعلها تلتحق بمستوى التنمية في بقية الأقاليم ، كما ترسخت عودة الصحراء المغربية باستكمال بناء المؤسسات المحلية والجهوية ، وبممارسة الحريات الفردية والجماعية وأنشطة المجتمع المدني. ويمكن القول إن العناية الخاصة لجلالة الملك بهذه الأقاليم ، وبضمان أمنها واستقرارها، جعلها تعيش مسيرات متجددة مع الأوراش التنموية المختلفة ،ومع تفعيل النموذج التنموي الجديد بهاته الأقاليم ،ومع رسم جلالته للمقاربة الجديدة لتدبير النزاع المفتعل التي تجمع بين الصرامة والجرأة وبين المبادرة السياسية والانفتاح على المنتظم الدولي . وكل هذه التراكمات والمسيرات الجديدة بقدر ما تجعل المغاربة يستحضرون بفخر واعتزاز ذكرى المسيرة الخضراء ، بقدر ما توفر اكبر الحظوظ للتوصل إلى طي النزاع المفتعل والوصول إلى حل سلمي ونهائي عبر مقترح الحكم الذاتي الذي يضمن لكل أبناء الصحراء الإطار الملائم للعيش المشترك.