اجتمعت أحزاب المعارضة الأربعة ا(لاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي والاستقلال والأصالة والمعاصرة)، بفرقها البرلمانية بمجلسي النواب والمستشارين يوم الاثنين الأخير للتنسيق في المواقف والخطوات المقبلة بشأن قرارات الحكومة الانفرادية المتعلقة برفع الدعم عن المحروقات والسيناريوهات الأحادية الخاصة بإصلاح منظومة التقاعد ونظام المقاصة، وهو اجتماع جاء يعكس في عمقه إرادة المعارضة القوية في تحمل مسؤولياتها الدستورية والسياسية والأخلاقية، والقيام بدورها كمؤسسة دستورية منحها الدستور صلاحيات كبيرة في إطار ترسيخ وتكريس التوازن بين السلط والمؤسسات، وربط المسؤولية بالمحاسبة. اجتماع يندرج في سلسلة من اللقاءات اتفقت أحزاب المعارضة على عقدها من أجل إعطاء التنسيق الجاري بينها دفعة قوية إعمالا للمقتضيات الدستورية الجديدة التي خصت المعارضة بمكانة متميزة، وخولتها حقوقا وآليات لتمكينها من النهوض بمهامها ورسالتها السياسية، إلى جانب إقرار وتطوير وتفعيل أرضية العمل المشترك فيما بينها على كافة المستويات والأصعدة. فالمعارضة اليوم بأحزابها الأربعة اختارت الانتقال إلى مرحلة متقدمة من العمل المشترك لمواجهة النهج التحكمي والتسلطي لرئيس الحكومة وحزبه الأغلبي، والسياسات الانفرادية والأحادية للحكومة، وما خلفته حتى الآن من انعكاسات سلبية مباشرة اقتصاديا واجتماعيا على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى وتيرة النمو الاقتصادي ببلادنا، وباختيارها هذا تكون قد وجهت رسالة واضحة للحكومة ورئيسها ، أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام حالة التدهور المستمر في الأوضاع الاقتصادية للبلاد وحالة الاحتقان المتواصل على الساحة الاجتماعية، بل وحالة الإحباط السياسي لدى الرأي العام تجاه الحكومة التي فشلت في تنفيذ وعودها بالتنزيل الديمقراطي السليم للدستور وتفعيل مقتضياته وإخراج القوانين التنظيمية في مواعيد محددة والتزاماتها السياسية بشأن تسوية عدد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالمعيش اليومي للمواطنين وعموم الشغيلة والموظفين. وبالتالي ستتصدى بقوة لاستفزازات ومناورات رئيس الحكومة تجاه المعارضة وأسلوبه الفج في ممارسة العنف اللفظي إزاءها، وتمييعه المقصود للممارسة السياسية وتبخيسها بهدف تضليل الرأي العام وإشغال الشعب عن سقطاته وزلاته ومطباته وفشله في إدارة وتسيير الشأن العام كما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية. إن تنسيق أحزاب المعارضة اليوم لمواقفها وتصوراتها ولخطواتها المقبلة هو ترجمة ملموسة لدورها الاستراتيجي داخل البرلمان كواجهة نضالية لتعزيز المكتسبات الديمقراطية والدفاع عن تطلعات الشعب المغربي في الاستقرار والتنمية. و هو كذلك ثمرة طيبة لجهود مخلصة من قياداتها السياسية وأجهزتها الداخلية للدفع بعمل المعارضة إلى الأمام كمؤسسة دستورية وسلطة سياسية، من حقها ومن واجبها مراقبة العمل الحكومي ومحاسبة ومساءلة رئيس الحكومة والوزراء ترسيخا لقواعد دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات وتعزيزا للبناء الديمقراطي وتفعيلا لمقتضيات الدستور وتأكيدا على المقاربة التشاركية كآلية أساسية في ممارسة العمل الحكومي والتشريعي، بما يحافظ على التماسك الاجتماعي والمجتمعي، وينصف الفئات الشعبية محدودة الدخل، ويحقق تطورا نوعيا في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. إن المرحلة الراهنة تقتضي من كل القوى الحية في البلاد من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني تحمل مسؤولياتها، ومراجعة مواقفها والخروج من موقف الانتظار والتفرج إلى موقف الفعل والمبادرة وممارسة الصلاحيات المخولة لها من الدستور، حفاظا على المكتسبات الديمقراطية التي حققها الشعب المغربي بفضل نضالات كل مكوناته وشرائحه وفئاته من أجل غد أفضل، وبفضل التجاوب السريع والقوي والإيجابي لجلالة الملك مع تطلعات شعبه المشروعة في حياة كريمة وعادلة، ومن هنا فإننا نأمل من كل المخلصين من أبناء هذه الأمة أن يوحدوا الجهود والطاقات والإمكانيات من أجل تصحيح المسار ومعالجة كل الاختلالات والأخطاء الجسيمة التي اقترفتها الحكومة في تسييرها للشأن العام وفي تعاملها مع المؤسسة التشريعية والمعارضة بالخصوص للدفع بقوة نحو التنزيل الفعلي لمقتضيات الدستور، حتى تتفادى بلادنا العودة إلى الوراء ولا تترك فرصة للعابثين ومقتنصي الفرص ليمسوا بوحدة واستقرار وأمن المغرب ويعرقلوا مسيرته الديمقراطية والتنموية.