نظمت جمعية مغرب الإرادات ندوة تحت عنوان: "دور المجتمع المدني في مواجهة ظاهرة الانحراف والتعاطي للمخدرات.. الشباب والمستقبل"، وذلك يوم الجمعة الماضي بالمركب الثقافي سيدي بليوط بالدارالبيضاء، بحضور عدد من الفعاليات الأكاديمية والجمعوية ومسؤولين متخصصين في قطاعات متعددة، فضلا عن وجوه فنية وثقافية وتربوية وإعلامية. وفي مستهل مداخلته، ثمن الدكتور حسن عبييابة أستاذ جامعي بكلية ابن امسيك ورئيس المنتدى الليبرالي للدراسات والأبحاث، مبادرة جمعية مغرب الإرادات إلى تنظيم هذه الندوة لطرح موضوع أكثر حساسية لأنه يعنس بالخصوص فئة الشباب، ويتعلق الأمر بالإدمان على المخدرات. وتطرق الدكتور حسن عبييابة، إلى أسباب إنتاج هذه الظاهرة الخطيرة على المجتمع، منطلقا من الوضع العائلي غير الصحي الذي يعيشه الشخص المدمن ولعل من انعكاساته سوء أو فشل في التربية وضعف الأسرة وخصوصا الآباء، ثم ظاهرة الهدر المدرسي التي يمكن أن تنتج مشروع شخص يتعاطى المخدرات وبالتالي يمكن أن يصبح مدمنا في النهاية، بالإضافة إلى عامل العنف في الخطاب والمعاملات سواء داخل المجتمع أو داخل الأسرة أو في المؤسسات التربوية، فضلا عن أساليب الإهمال والتهميش. الدكتور حسن عبييابة: أقوى أنواع المخدرات تأتينا مهربة من الجزائر وذكر الدكتور حسن عبييابة، بأن أقوى أنواع المخدرات تأتينا من خلال التهريب خصوصا من الجزائر، وتصل عن طريق عامل الاختراق أثناء عملية الترويج التي يقوم بها تجار المخدرات خصوصا داخل المؤسسات التربوية والتعليمية وهذا العامل في حد ذاته، يقول الدكتور حسن عبييابة، يشكل خطرا على أبنائنا وقد يكون له ضحايا يمرون من ظاهرة الانحراف إلى ظاهرة التعاطي للمخدرات وبالتالي الإصابة بالإدمان. وحسب الدكتور حسن عبييابة، فإن من الانعكاسات الخطيرة للإدمان على المخدرات، انتشار العنف بشتى أنواعه والمؤدي إلى جرائم القتل وجرائم ضد الأصول وانتشار الشذوذ والسرقة والاعتداء. وبخصوص طرق العلاج، أكد الدكتور حسن عبييابة على أن مراكز معالجة الإدمان المتاحة حاليا لا تكفي لتقديم خدمات لأعداد كبيرة من ضحايا الإدمان على المخدرات بالمقارنة مع الزحف الخطير لهذه السموم وانتشارها داخل المجتمع بشكل مخيف، كما أن هذه المراكز لا تملك الطاقة الاستيعابية لاستقبال الحالات الواردة عليها، والنتيجة أن الخدمات ستكون ناقصة وليست في المستوى المطلوب. ومن جهة أخرى ينبغي مضاعفة وتقوية الجانب الأمني لتطويق ظاهرة انتشار المخدرات والتصدي لها من خلال تحديد منابعها وتجفيفها. أخبيز الصويري: تنظيم هذه الندوة يكتسي أبعادا إنسانية ومجتمعية سامية من جانبه، اعتبر عبد العزيز أخبيز الصويري، رئيس جمعية مغرب الإرادات، أن الهدف من تنظيم هذه الندوة لطرح موضوع أو ظاهرة تؤرق المجتمع المغربي، يكتسي أبعادا إنسانية ومجتمعية سامية وهي من الخاصيات والمهام والمسؤوليات التي تضطلع بها جمعيات المجتمع المدني والمحددة في مقتضيات دستور 2011، وبالنظر إلى عدد جمعيات المجتمع المدني على المستوى الوطني والمقدر ب 94 ألف جمعية، فإن كان لكل جمعية مشروع اجتماعي وتنموي واحد في السنة فسنكون أمام حصيلة 94 ألف مشروع ذو أهداف إنسانية واجتماعية وبطبيعة الحال، يقول عبد العزيز أخبيز الصويري، بعيدا عن الأهداف والمرامي الشخصية والذاتية النفعية، بحيث لا مكان للاسترزاق وسط المجتمع المدني. وأشار عبد العزيز أخبيز الصويري، إلى أن جمعية مغرب الإرادات لا تعمل في محيط واحد أو مكان محدد أو مدينة الدارالبيضاء، بل هي جمعية مستعدة أن تتواجد بمبادراتها وبرامجها ومقترحاتها على المستوى الوطني، بل ستتمكن من أنشاء فرع لها خارج المغرب وبالتحديد في فرنسا. كما ستعمل الجمعية على تأسيس فروع لها على المستوى الوطني بداية من عمالة إقليم النواصر بالنظر إلى إلحاح السلطات والمسؤولين على أن تنشأ جمعية تضم كفاءات عليا وطاقات مهمة للعمل في هذه المنطقة وتكون بالتالي محاورا فعالا للهيئات والمكونات والمؤسسات المتواجدة بعمالة إقليم النواصر وذلك من أجل النهوض بأوضاع الساكنة المحلية. وفي إطار الموضوع المطروح في هذه الندوة، كانت البداية بإقليم النواصر بمبادرة تكوين فريق واحتضان فريق "نهضة النواصر" لكرة القدم لاستقبال عدد من الشباب وتخليصهم من شبح الإهمال و الانحراف وتعاطي المخدرات الذي يتهدد المجتمع. مريم اليجازي: ثلاثة عوامل رئيسية تفاعلية تتحد لتعطي نتيجة الإصابة الإدمان ومن جهتها أكدت مريم اليجازي رئيسة مركز معالجة الإدمان بالمستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، أن ثلاثة عوامل رئيسية ذات علاقة تفاعلية تتحد لتعطي نتيجة الإصابة بالإدمان على تعاطي شتى أنواع المخدرات خصوصا القوية. وحسب مريم اليجازي، فإن من هذه العوامل هناك المادة المخدرة القادرة على تملك الشخص المدمن والتأثير عليه، ثم عامل الثاني المتمثل في الشخص المدمن الذي غالبا ما تكون له قابلية على الانغماس في عالم المخدرات لأسباب متعددة منها شخصية ونفسية، أما العامل الثالث هو المحيط الذي يعيش فيه الشخص المدمن وهو الوسط العائلي الذي ربما يكون عاملا مساعدا على إنتاج شخص مدمن، وذلك يعود بالأساس إلى مستوى الآباء وطرق التربية والتعامل مع أبنائهم. وذكرت مريم اليجازي، أن مركز معالجة الإدمان يستقبل فئات عمرية مختلفة 90 بالمائة من الرجال و10 بالمائة من النساء، وهم يتعاطون أنواعا من المخدرات تختلف من حيث قوتها، أما عن طرق العلاج فقد تستغرق ثلاثة أسابيع من المتابعة الطبية والمراقبة والتتبع حتى لا يتعرض الشخص المصاب إلى نكسة تؤدي به للعودة إلى التعاطي للمخدرات. اللوباردي: خطر التعاطي للمخدرات يحذق بالمحيط الداخلي للمؤسسات السجنية ومن جهة أخرى، ثمن عبد القادر اللوباردي المدير الجهوي لإدارة السجون وإعادة الإدماج بجهة الدارالبيضاء الكبرى، مبادرة جمعية مغرب الإرادات للتطرق لموضع الشباب والمخدرات والإدمان، وذكر عبد القادر اللوباردي، أنه في السابق كانت مديرية السجون تحمل اسم المندوبية السامية للسجون وإعادة التربية، واليوم أصبحت تضطلع بمهام الإدماج وتطبيق المقررات القضائية بالتنسيق مع كافة المؤسسات الحكومية، موضحا أن جانب التربية مسؤولية ثقيلة لا تستطيع هذه المؤسسة تحملها، وبالتالي ارتأت أن تنخرط في مهام التعليم وإعادة التكوين ثم الإدماج طبقا للمرسوم الجديد خاصة في البنود من 114 إلى 120. وفي هذا السياق، أشار عبد القادر اللوباردي إلى أن المؤسسة تمكنت خلال سنة 2014 من إنجاز أنشطة متعددة تناهز 33 ألف نشاطا في التعلم وإعادة التكوين بالمؤسسات السجنية والإصلاحية على المستوى الوطني. كما أشار عبد القادر اللوباردي إلى عامل الخطر والتهديد الذي يأتي من التعاطي للمخدرات يحذق بالمحيط الداخلي للمؤسسات السجنية من خلال تطور أساليب تهريب المخدرات إلى داخل هذه المؤسسات وبالتالي تسهيل التعاطي لها وانتشارها والاتجار فيها، وهذا ما ينتج عنه متابعات قضائية تطال أقارب عدد من النزلاء بسبب محاولة إدخال المخدرات إلى المؤسسات السجنية وبالتالي تتفاقم وضعية عدد من الأسر. د. أبو بكر حركات: هناك تراجع لأدوار الأسرة والمدرسة في تنشئة الأجيال بدوره، قال الدكتور أبو بكر حركات، الطبيب والأخصائي النفساني إن ظاهرة المخدرات أصبحت تتفشى بشكل غير مسبوق في المجتمع المغربي وسط جميع الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية بجميع المدن والبوادي كما تنوعت أشكالها، حيث تشير الأرقام والإحصائيات إلى تفاقم ظاهرة تعاطي وإدمان المخدرات على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت وتبذل في مواجهتها على المستويات الفردية والجماعية مما يدل، "على تراجع الأدوار التي كانت تقوم بها الأسرة والمدرسة المغربية في تنشئة الأجيال الصالحة". وأضاف حركات أن تناول الحدث للمادة المخدرة، مع ما تسبب له من اضطرابات نفسية وسلوكية، وأمراض خطيرة، تجعله ينقطع عن الدراسة في سن مبكرة، ويتجه نحو الانحراف، هذا أمر لا يجب السكوت عنه، نظرا لخطورته، حيث يعتبر سببا مباشرا في ارتفاع الجرائم بكل أشكالها المتنوعة. وشدد الطبيب والأخصائي النفساني على ضرورة تضافر الجهود والتنسيق والتعاون بين كافة الأطراف والمؤسسات والعمل على نشر التوعية بضرورة التحفيز للعلاج والتأهيل لمستخدمي المخدرات، مع توفير الأسرة الكافية للمرضى بالمستشفيات المغربية، إلى جانب التحسيس بخطورة بأضرار المخدرات، معتبرا أن المعالجة الأمنية للموضوع إن كان كانت مهمة جدا، لكنها غير كافية للتقليص من عدد المدمنين. نادية بوصفيحة: الوقاية مسألة أساسية لمواجهة خطورة الإدمان من جهتها، أكدت نادية بوصفيحة المندوبة الجهوية لوزارة الصحة بجهة الدارالبيضاء على ضرورة مواجهة آفة المخدرات ووقوف المجتمع بأسره وتوحيد جهود أمام هذه الآفة المنتشرة لدرئها، مشيرة إلى أن الوقاية تعتبر مسألة أساسية لمواجهة هذه الظاهرة، وذلك من خلال أهمية دور الأسرة في توعية الأبناء بخطورة هذه الآفة من خلال مراقبتهم وعدم انجرارهم إلى رفقاء السوء، وبملأ أوقات فراغهم بأنشطة ثقافية أو ترفيهية، وكذا دور المدرسة في التوعية بهذه الآفة، بالإضافة إلى ضرورة اهتمام وسائل الإعلام المختلفة، من خلال التغطيات المكتوبة والمسموعة والمرئية، مشددة على أن الجانب الديني يعتبر أمرا ضروريا لتفادي تناول الأطفال والشباب للمخدرات. كما أكدت بوصفيحة على ضرورة تحسين الوضع الصحي والاجتماعي والظروف المعيشية لمدمني المخدرات من خلال تحويلهم إلى مراكز العلاج والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، والبحث عن إدماجهم من خلال إيجاد فرص عمل لهم. علي الذهبي: ينبغي تكثيف أنشطة التحسيس وتقريب الخدمات الاجتماعية والتربوية من جانبه، أشار علي الذهبي، عن مندوبية وزارة الشباب والرياضة بالدارالبيضاء إلى أهمية المراكز السوسيو الرياضية المندمجة للقرب والسوسيو ثقافية المندمجة للقرب وذلك من خلال النهوض بأعمال وأنشطة التأطير والتكوين والتحسيس وتقريب الخدمات الاجتماعية والتربوية من السكان وتشجيع الإدماج الاجتماعي، مؤكدا على ضرورة تضافر جميع الجهود من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية بالقطاعين العام والخاص والأمن والإعلام وكافة المتدخلين في أجل الحد من ظاهرة تفشي المخدرات. حميد البحري: مصالح الأمن حجزت 39588 قرصا للهلوسة بالدارالبيضاء ومن جانبه، تطرق حميد البحري رئيس المنطقة الأمنية أنفا بالدارالبيضاء بتفصيل دقيق لمختلف أنواع المخدرات التي تروج أو تستهلك بالمغرب، موضحا مدى خطورة كل نوع على حدة على صحة مستهلكيها تأثيرها على المجتمع، وكشف في هذا الصدد عن أرقام وإحصائيات صادمة فيما يخص المواد المخدرة التي حجزتها عناصر فرق الشرطة القضائية بالدارالبيضاء خلال سنة 2014، مشيرا إلى أن المخدرات التي تم حجزها على مستوى مطار محمد الخامس بلغت ما مجموعه 315 كيلوغراما و 940 غراما، بينما على مستوى مدينة الدارالبيضاء ككل، تم حجز 39588 قرصا للهلوسة، وحجز 21 طنا و206 كيلوغرامات و 50.5 غراما من مخدر الشيرا، ومخدر الكيف بلغ المحجوز إلى 748 كيلوغرام و 365 غرام ، ومخدر الكوكايين بلغ المحجوز 319 كيلوغرام و 670 غراما، ومخدر المعجون وصل عدد المحجوز إلى 471 كيلوغراما و 386 غراما، بينما تم حجز 169 كيلوغراما و 219 غرامات من مادة طابا. وأفاد رئيس المنطقة الأمنية أنفا أن القضايا التي تمت معالجتها بالدارالبيضاء خلال سنة 2014 والتي لها علاقة بالمخدرات بلغت 2098 قضية، مقابل 1332 قضية سنة 2013، أي بزيادة بنسة 57.5 بالمائة، مشيرا إلى أنه تم بهذا الخصوص اعتقال 4017 شخصا، تم تقديمهم للعدالة مقابل 2134 سنة 2013، حيث بلغت قضايا استهلاك وترويج مخدر الشيرا 962 قضية، و47 قضية متعلقة باستهلاك وترويج مادة الكيف، و 54 قضية متعلقة باستهلاك وترويج الكوكايين، و132 قضية متعلقة باستهلاك وترويج أقراص مهلوسة، و903 قضايا متعلقة باستهلاك وترويج الحشيش. يذكر أن هذه الندوة حضرتها فعاليات متعدد المشارب والاهتمامات ومنها وجوه فنية كالفنانة نعيمة إلياس والفنانة سعاد العلوي والفنان ربيع القاضي، كما عرفت الندوة عرض شريط وثائقي من إنتاج جمعية مغرب الإرادات، يبين حجم خطورة الانحراف والتعاطي للمخدرات وبالتالي الإصابة بالإدمان، كما يقدم عدة معطيات واقعية من خلال تحقيق ميداني، كما يقدم عدة شهادات وتدخلات تحاول أعطاء مخارج وحلول لإقلاع الشباب عن آفة التعاطي للمخدرات والوقاية من الإدمان.