كارثة الفيضانات المهولة لم تكشف فقط عن هشاشة البنيات التحتية, وضعف أو انعدام القدرة على التدخل الفعال لإنقاذ الأرواح والممتلكات واسعاف المتضررين .. هذه الكارثة, وما تسببت فيه من نكبات , كشفت أيضا عن سلوك سياسي , يكاد يكون ( غريزيا) عند بعض الجهات الحزبية التي تعتقد انها تتقن المزايدات وسياسة الهروب إلى الأمام . فبعد جلسة الأسئلة الشفوية الاولى التي خصص مجلس النواب حيزا كبيرا منها لمساءلة الحكومة ومحاسبتها عما حصل من تقصير وعدم التحرك بالسرعة اللازمة للحد من الخسائر , بعد هذه الجلسة أفادت مصادر إعلامية ان الفريق النيابي لحزب رئيس الحكومة يتهيأ للقيام بمبادرة تتعلق بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في ما حدث من فيضانات باقاليم الجنوب والجنوب الشرقي . وجاء ذلك بتواز مع ما نشر عن قرار الفرق البرلمانية لاحزاب المعارضة بتشكيل لجنة من الغرفة الأولى لتقصي الحقائق . وقد يقول قائل : وأين هي أوجه (العجب) في مبادرة فريق البيجيدي بالدعوة إلى تشكيل لجنة برلمانية لمعرفة الحقائق عما حصل من تقصير في مواجهة النكبة ؟ . والجواب, بكل بساطة, نجده عند كل من تتبع جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس النواب, خلال الاسبوع الماضي, حيث لاحظ الجميع كيف ان الفريق البرلماني لحزب العدالة والتنمية كان في موقع الدفاع عن الحكومة ومحاولة التقليل من مسؤوليتها عن فداحة الخسائر في الأرواح البشرية والممتلكات وما نتج عنها من تشريد لعشرات الآلاف . كما كان مثيرا أن بعض أعضاء هذا الفريق ذهبت بهم (الغيرة) على الحكومة الى الانخراط في خطاب التنويه بها , وذكر اسماء بعض الوزراء , بمن فيهم وزير التجهيز والنقل واللوجستيك الذي كان غيابه محط انتقادات قوية من داخل البرلمان ومن لدن الرأي العام الوطني . وبالطبع, وبالنظر الى هول الكارثة, فإن الدفاع عن الحكومة والتنويه بحضورها المزعوم ما كان له الا ان ينحصر بين أصحابه ومردديه, فيما لم تتاخر فرق المعارضة في المطالبة بالتحقيق وتحديد المسؤولية عن هذا التقصير الذي كان يستوجب استقالة الحكومة . ومن فرط الحرج الذي وقعت فيه الاغلبية, وبأسلوب الهروب إلى الأمام, ما كان من رئيس فريق البيجيدي إلا التلويح أو الإيحاء بأن المطالبة بالتحقيق في الإهمال الحاصل ينطوي على (استغلال سياسي) و (تسييس للفاجعة) . تسلسل الأحداث هذا الذي جرى تحت قبة البرلمان, إذا كان فيه ما يرصد مجرى ( النقاش ), فهو في نفس الآن مقدمة لإظهار بعض الاستنتاجات والأسئلة والتساؤلات التي تثور امام اي متتبع للشأن الحزبي والبرلماني والحكومي : -- هل الفريق الذي كان يدافع عن الحكومة , ثم أصبح يدعو إلى التقصي, كان مقتنعا, بالفعل, بعدم وجود أي تقصير, وبأنه لم يلاحظ أن الوزراء المعنيين مباشرة كانوا خارج التغطية عند بداية الفيضانات ؟ . -- هل يمكن لفريق (المصباح ) أن يقنع المغاربة بأن المأساة والفواجع التي عاشتها مناطق كبيرة من البلاد لا مسؤولية للحكومة الحالية إزاءها ؟ . -- أيظن فريق البيجيدي بأن حزبه مايزال يحافظ على ما يصطلح عليه ب (العذرية السياسية ) وبانه كحزب يقود الحكومة بريء من تداعيات الكارثة واثارها وفواجعها ؟ . هي مجرد تساؤلات من جملة ما يمكن ان تثيره النقاشات والملاحظات والقراءات التي كان لابد أن تأخذ مكانتها المركزية في اهتمام الرأي العام, لأن الأمر , قبل كل شيء , يتعلق بفاجعة تالم منها كل المغاربة والمغرب باتمه, وكان من المفروض على الحكومة أن تستوعب كل ما لها من ابعاد وما تستوجبه من مبادرات وغيرها ومن التعبئة الشاملة لجميع الوسائل المتاحة من أجل الحد من الخسائر والتخفيف من وقعها على المواطنين . في مثل هذه الحالة كان من المفروض ايضا ان نرى سلوكا اخر غير السلوك والأجوبة التي جاء بها الوزير الرباح الى الجلسة الثانية لمجلس النواب, يوم الثلاثاء الأخير , سلوك إيجابي ياخذ العبرة من التهاون المسجل ويجعل الحكومة تلتزم بما يفرضه واجب حماية الوطن والمواطنين من مثل هذه الفواجع الطبيعية , اذ انه بالاضافة إلى واجب اسعاف وانقاذ المنكوبين والمتضررين والقيام بحملة تضامن وطني واسع , فان النازلة تدعو ايضا الى فتح نقاش مضبوط حول الصيغ الممكنة لتوفير الاحتياطات الكفيلة بمواجهة الطواريء والكوارث الطبيعية . ومن العبر التي يجب استخلاصها أيضا, ضرورة القيام بخطوات حقيقية وجريئة للقطع النهائي مع الفساد والتلاعبات وجعل مشاريع التجهيزات الحيوية, من قناطر وطرق وسدود, في مناى من سلوكات الغش والتدليس. وكذلك العمل من أجل سياسة مجالية أو جهوية عادلة في توفير التجهيزات والبنيات التحتية والخدمات والوقاية .