تميز الأسبوع الذي نودعه مع منتصف الشهر الجاري بالحركية التي جعلت الحقل السياسي يحفل بتحاليل وتقييمات سياسية تهم طبيعة المرحلة ومميزاتها, وما يمكن أن ينتظر منها من نتائج وحصيلة, وما هي السبل والاساليب والسلوكات السياسية اللازمة للتصدي لمهام المرحلة وتحقيق أهدافها وربح رهاناتها . ومن خلال مواد وسائل الإعلام واهتمامها بالموضوع يتأكد بان حضور المؤسسة الملكية وتوجيهاتها تشكل البوصلة والمرشد الذي يوجه السفينة في الاتجاه الصحيح والسليم, وللجميع ان يرجع الى فحوى الخطاب الملكي خلال افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة , والأفكار الجوهرية التي طرحها وأكد عليها بكل صراحة ووضوح. ومن ابرزها قول جلالته : -- إن السنة التشريعية التي نفتتحها اليوم تأتي في سياق خاص قبل عامين من نهاية الولاية التشريعية الحالية التي حددها الدستور كأجل لاخراج جميع القوانين التنظيمية, وهي سنة استكمال البناء السياسي والمؤسسي الذي يوطد المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي حققها المغرب . -- ينبغي تغليب روح التوافق الايجابي وخاصة خلال إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات الدستورية والإصلاحات الكبرى . -- الانتخابات المقبلة لا ينبغي ان تكون غاية في حد ذاتها , وإنما يجب ان تكون مجالا للتنافس السياسي بين البرامج والنخب وليس حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية . وبنفس الحمولة التوجيهية والاستراتيجية، تميزت رئاسة جلالة الملك للمجلس الوزاري الأخير حيث أفاد البلاغ الصادر في الموضوع "بأن جلالته ذكر بصفته الضامن للخيار الديمقراطي الوطني, بإلحاحه في عدة مناسبات , على ضرورة احترام نزاهة الانتخابات , التي حرص جلالته دوما على ضمانها في كل الاستحقاقات السابقة .. )) . ومن دون شك، فإن هذه التوجيهات بالإضافة الى قيمتها السياسية والفكرية والأخلاقية تعبر ايضا عن الحالة التي توجد عليها الساحة السياسية وتجاذباتها المتعددة , وأيضا عما ينتطر أن تتحلى به الأطر والنخب السياسية من مبادرات وتفاعل ايجابي تجاه بواعث وخلفيات هذه التجاذبات بأوجهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ففي الواجهة الاجتماعية هناك بوادر احتقان ومواجهة حقيقية يصعب التنبؤ بأبعادها , وفي المجال الاقتصادي يظل التعامل الحكومي دون مستوى الرهانات والطموحات الممكنة , وأمام الرأي العام ملفات تثير الكثير من القلق والتساؤلات , و(الاصلاحات) التي يتم الحديث عنها في بعض القطاعات لا قدرة للحكومة على انجازها الا على حساب جيوب المواطنين , ومن اوساط واسعة من المجتمع تتعالى صيحات الاحتجاج والتذمر من المساس بالمكتسبات والتضييق على الحريات ( آخر نموذج رد الحكومة على قرار الاضراب بعد اجتماع المجلس الحكومي يوم الخميس الاخير ) , الى غير ذلك من المظاهر والاشكالات الدالة على دقة الظرف . وتشكل هذه المظاهر عنصرا إضافيا يزيد من ملحاحية الأخذ بتوجيهات خطاب افتتاح الدورة البرلمانية ولاسيما منها تلك التي تخص ممارسة العمل السياسي, وتدبير الشأن العام, والتعاطي مع الاستحقاقات الانتخابية . وفي ظل معطيات الساحة الاجتماعية القائمة , تكاد حبال الحوار السياسي تنقطع بين الفرقاء من المعارضة والاغلبية , وبين الحكومة وفعاليات المجتمع الاخرى , مما ينم عن مناخ غير صحي لا يمكن تجاوزه وعلاج اشكالياته الا بالاستيعاب الكامل لطبيعة المرحلة وعناوينها الكبرى . ولعل الف باء هذه العناوين , هي : -- ان استكمال مهام الزمن السياسي الممتد الى نهاية الولاية التشريعية الحالية , يستوجب من كل الفاعلين السياسيين , اظهار اكثر ما يمكن من القناعة والاقتناع بمنهجية الديمقراظية التشاركية , وبفضائل الحوار والتشاور . فمهام المرحلة الرئيسية تهم قضايا البناء والتأسيس لما هو مشترك ولما يهم ترسيخ قواعد الخيار الديمقراطي وفضاءاته المؤسساتية . -- ان المغرب يتصدى لهذه المهام في اطار سعيه الحثيث لبناء ديمقراطية متقدمة , وفي اطار تجربته الخاصة ومميزاته التاريخية والسياسية والمؤسساتية . – ان الخطوات الاساسية التي قطعها المغرب على هذا الطريق تحققت عبر التطور التراكمي في نطاق الاستمرار , وبمساهمة وطنية متعددة وبتناغم وانسجام مع المشروع الاصلاحي الطموح للمؤسسة الملكية الساهرة على احترام الدستور الذي جعل من الخيار الديمقراطي ثابتا من ثوابت الامة . – ان التحول الذي دشنه المغرب مع خطاب 9 مارس فتح الطريق لتوسيع وتقوية استراتيجية الاصلاحات وجعل البلاد تدخل غمار احتلال موقعها ضمن البلدان الصاعدة . وفي كل هذه المرحلة يبقى المهم والاساسي هو ما تحقق للوطن والشعب , اما ان يسعى حزب من الاحزاب لتحويل نتائج ذلك الى (حسابه الخاص ) فهذا هو الوهم السياسي الكبير الذي لا يستقيم مع طبيعة المرحلة وحقيقة الحياة السياسية الوطنية ولا مع اخلاقيات العمل السياسي .