إن لكل مجتمع ظواهر وعادات وتقاليد تميزه عن غيره ، حتى وإن كانت هذه المجتمعات لها نفس الدين وتتكلم لغة واحدة وتسكن في حيز جغرافي واحد , فبالنسبة لطقوس الزواج في الأقاليم الجنوبية للمملكة لها خصائص تجعل منها الوحيدة من نوعها التي تمتلك هذه العادات والتقاليد التي تتمثل في" تارزيفت ودفوع " كمؤشرات لغلاء وارتفاع تحضيرات الأعراس الصحراوية، وينعكس سلبا غلاء المهور عند المجتمع الصحراوي الذي يتمحور بين الخصوصية الثقافية وإكراهات الحاضر خاصة لدى فئة الشباب المقبل على الزواج. أول سؤال يفرض نفسه و يشغل العديد من الشباب الصحراويين المقبلين على الزواج هو ما هي الأسباب التي ساهمت في تنامي وتطور متطلبات حفلات الزواج و الأعراس عما كانت عليه سابقا، حتى أصبحت عائقا للشاب الصحراوي المقبل على الزواج ؟ أولا يجب الإشارة إلى كون الزواج بالصحراء حاليا يمر بخطوات عدة ومعقدة أولها "الخطبة" التي كانت تتم بالكلام بين الآباء و كبار السن من القبيلة إلا أنها أخذت منحى آخر هو ما يسمى حاليا "بالواجب " الذي يبدأ بذبيحة وأكياس السكر لينتهي بالنحيرة " الجمل " أحيانا و مفاتيح السيارة أحيانا أخرى ، أما الخطوة الثانية وهي "الصداق أو الدفوع " الذي أساسه الإبل من "جملين" فما فوق زيادة على كبش العقد، وأكياس السكر لا تقل عن عشرين و مثلها من صناديق الشاي الرفيع و الزرابي الحديثة و التقليدية وأيضا حقائب العروس من خمسة إلى ستة أحجام متفاوتة إحداها وضع فيها أصناف "الملاحف" التي قد يصل ثمن بعضها إلى مبالغ خيالية و الأخرى وضع فيها الأحذية و الحقائب اليدوية من ماركات عالمية وأخرى تحتوي على الحلي و المجوهرات النفيسة والساعات السوسرية والعطور الباريزية و مساحيق التجميل ، وأخرى وضعت فيها أشياء تقليدية لأهل العروس كل هذا مع مبلغ من المال قد يفوق المليونين . بالإضافة إلى هذه الخطوات فقد ظهرت خطوات أخرى دخيلة على مجتمع الصحراء مثل أنه في اليوم الموالي تقوم صديقات العروس بتنظيم حفل يسمى ب"الصباحية" ويحضره العريس وأصدقاؤه ويقام بمبلغ مالي كبير وبحضور فنانين كبار، هذا بالمقابل ما كانت عليه الأمور سابقا في المجتمع الصحراوي الذي لا يناقش مسألة المهر بين عائلة العريس و العروس لأنه يبقى من شيم الكرم والمروءة والفخر وباعتباره مودة وتقديرا لا ثمنا يدفع مقابل شراء بضاعة . وانعكست هذه التغيرات على واقعنا الحالي والتي جعلت من إقامة الزواج أو العرس الصحراوي أمرا شبه مستحيل على الشباب الصحراوي انطلاقا من غلاء المهور إلى التكلفة الباهظة للأعراس، وفي ظل واقع يتميز بالبطالة الكبيرة للشباب، فالشاب في الصحراء أصبح يواجه الكثير من المشاكل و العقبات التي تقف حائلا في تكملة مسيرته المستقبلية ، خاصة مشكلة الزواج الناتجة عن ارتفاع المهور و تكلفة الأفراح التي تعرفها مدن الصحراء ، فمهر المرأة من الحقوق التي شرعها الإسلام لقوله عز و جل " أوتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " لكن عندما شرع الإسلام المهر كحق للزوجة ، أكد على عدم المغالاة فيه لقول الرسول عليه الصلاة و السلام " أيسرهن مهرا أكثرهن بركة " وذلك لتزويج المسلمين الذين لا يملكون المال الكثير و لا يستطيعون دفع المهر الكبير ، لكن ما يحصل في الصحراء الآن غير ذلك فلو رجعنا إلى الوراء قليلا حيث الخيمة والإنسان الصحراوي كانت المناسبات بسيطة و فيها البركة على عكس ما يحدث اليوم من مزايدات في الأثمنة وتقاليد توارثها الأبناء حتى أصبحت اليوم عالة على الشباب، وتستمر العرس أو الزواج والأفراح في الصحراء خمسة أيام بحيث في كل يوم عادة وبالإضافة إلى إقامة حفل موسيقي ضخم للتباهي بين العائلات وجلب فنان معروف في الأوساط الصحراوية بمبلغ كبير من المال ، مما يتسبب في تراكم الديون للعائلات بعد الأعراس . إن غلاء المهور أصبح يقف حجر عثرة أمام أحلام الشباب و الشابات الذين تدفعهم الرغبة الجامحة إلى تحقيق ما بنيت عليه الأحلام و التطلعات البريئة ، وتفشي البطالة بالأقاليم الصحراوية عوامل قابلة لظهور مجتمعات جديدة بصبغة جديدة عنوانها تفشي ظاهرة العنوسة و تنامي الانحلال الأخلاقي داخل المجتمع الصحراوي . تنعكس علاقة هذه الظاهرة المتمثلة في غلاء المهور و عزوف الشباب الصحراوي عن الزواج على المجتمع ككل. إذن كيف سيكون مستقبل سكان الأقاليم الصحراوية في ظل تفشي هذه الظاهرة السوسيو اجتماعية الجديدة و تأثيراتها على القيم و العادات المجتمعية الصحراوية ؟ وهذا يتبلور بشكل جلي على المستوى السوسيو إجتماعي باعتباره يشكل ظاهرة جديدة غريبة عن مجتمع تعمه القيم و العادات و التقاليد وينتمي للمجتمعات المحافظة ، إذ تكون له تجليات كبيرة تتمثل في التقليد الأعمى الذي تفشى في أوساط المجتمع الصحراوي دون أن يجد له كابحا وأصبح من المسببات الرئيسية لانحلال الأخلاق وانعدام الشجاعة الأسرية في إيجاد حلول اجتماعية لشريحة من شبابنا الذين نتسبب له في التعاسة و العزوبة و العنوسة . لكن الخطير في الأمر الذي يجب أن ينتبه إليه الجميع في ظل غلاء المهور والتكاليف هو ارتفاع نسبة العنوسة وعزوف العديد من الشباب عن الزواج، وهذا ما سيؤدي حتما لارتجاج في البنية الاجتماعية وانتشار ظواهر لا أخلاقية. فالجانب الديني كوازع أخلاقي موجود كأحد ركائز القيم الصحراوية بحيث نجد الشريعة الإسلامية ترفض غلاء المهور لأن الزواج في الشرع لم ينظر إلى المهر ، و إنما ينظر إلى خلق و دين الشاب و الفتاة المقبلين على الزواج ولقد زوج" الرسول عليه الصلاة و السلام " أحد أصحابه ببعض الآيات القرآنية ، و نتيجة تغير الظروف الاجتماعية أصبح من اللازم على العائلات في الصحراء أن تسهل الزواج بمهر يتماشى مع حياة الشباب و ظروفهم الاقتصادية الصعبة ، حتى لا يكون المهر حجر عثرة في طريق المقبلين على الزواج، إن الظروف التي يمر بها شباب الصحراء تفرض على أولياء الأمور أن يأخذوا بحديث النبي " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه " نظرا للظروف و المعاناة التي يعيشها ، ورغم كل هذا هناك من يسهل عملية الزواج لابنته و يقبل بتقسيط المهر على أن يسدد قبل الزواج و يقبل بأن تعيش ابنته في حجرة مع أسرة زوجها ليتغلبوا على هذه المشاكل نتيجة الوضع الاقتصادي و عدم وجود فرص عمل ثابتة و لكن هؤلاء قلة داخل المجتمع الصحراوي، وما نلمسه اليوم أيضا ارتفاع نسبة الشيخوخة بالمجتمع الصحراوي بتقلص الفئة العمرية الشابة نتيجة قلة الولادات و التكاثر الطبيعي للمجتمع مما سينعكس بشكل غير إيجابي على مستقبل الأجيال القادمة التي ستعرف انخفاض نسبة الفئات العمرية النشيطة والشابة داخل المجتمع الصحراوي . و في السياق نفسه نلاحظ عزوف الشباب الصحراوي عن الزواج وغلاء المهور، مما سيكون له تأثير كبير على ما هو اقتصادي. ولينقل العدوى لمناسبات أخرى كالعقيقة و مراسيم الوفاة ، فما مرد هذا ؟ و لماذا نجد هذا الترابط القوي لهذه الظاهرة الاجتماعية على المجتمع الصحراوي ؟ أنه من غير أدنى شك فإن للظاهرة تأثير سلبي على الجانب الاقتصادي للمجتمع لما فيها من إذكاء حمى التنافس بين الأسر للظهور في أبهى الحلل وتقديم أفضل الطعام أحيانا بالفائض، مما يكرس تنافسية غير متكافئة بين الطبقات البورجوازية التي لا تتأثر بهكذا مصاريف والطبقات الفقيرة الهشة التي تصبح رهينة القروض والديون، فمجتمع الصحراء أصبحت تسيطر عليه ما يطلق عليه الاقتصاديون، الاقتصاد التفاخري أي الاستهلاك الذي يكون هدفه هو إظهار الفرد لمكانته الاجتماعية للآخرين. من منطلق ان الانسان هو محور التنمية وهدفها الاساسي، يتفق كثير من الباحثين على ان فن ادارة الموارد الاقتصادية يفوق في الاهمية مقدار ونوعية تلك الموارد، والادارة السليمة تحقق استخدام الموارد الاقتصادية بشكل جيد حتى لو كانت قليلة، اما الادارة السيئة فيمكن ان تؤدي الى هدر واستنزاف الموارد حتى لو كانت وفيرة.وظاهرة الاسراف تناقض عملية التنمية المستدامة ، حيث يتعامل الناس بصورة مبالغ فيها من ناحية صرف الاموال على حسب المظاهر حتى لو كانوا فقراء، الى درجة ان بعض الناس يظهرون بمظاهر الثراء وهم اقرب إلى الفقر والبخل في حياتهم. و مجمل القول فإن الظاهرة تحتاج إلى دراسة متأنية وندوات توعوية بخطورتها على جميع الأصعدة. ولا يخفى على احد ان باقي المناسبات كالعقيقة ومراسيم التعزية لا تخلو هي ايضا من مظاهر الإسراف المفرط حيث لحقتها نفس الظاهرة السابقة ، بحيث نجد في طقوس الولادة أن المرأة تبقى أربعين يوما في المنزل، لتأتيها الصديقات والجارات يوميا للتهنئة بالمولود وسلامة الأم،وما تقتضيه هذه العادة من احتياجات وتجهيزات من قبل الزوج للزوجة لشراء ما يتعلق باستقبال الزائرات اللاتي يتوافدن على ربة المنزل يوميا، والتي لا تقل تكاليفها عن حفلات العرس، ومعاناة الزوج والزوجة اللذين يصبحان رهينة لهذه العادات الاجتماعية التي لا يجدان مناصا للهروب منها، حتى لا يصبحان غير مرغوب فيهما من طرف الأسرة والمجتمع، وقد يجدان مقابلة شديدة من قبل الأسرة في حالة الرفض جراء هذه الطقوس لتعارضها مع قيم الأسرة والمجتمع. من جهة أخرى، فإن مراسيم الجنازة لها هي الأخرى اعباء مادية كبيرة، تثقل كاهل الأسرة التي قد لا تقوى على تحملها، كل هذه القيم والمعايير الاجتماعية تجعل الأسرة الصحراوية حبيسة ورهينة لها. وفي الأخير كمقترحات وحلول للظاهرة الاجتماعية التي هي عائق ومشكل للشباب و المجتمع الصحراوي بصفة خاصة؟ حيث لابد من إقامة مجموعة من الندوات العلمية و الفكرية لتسليط الضوء على مجمل هذه المشاكل التي يعرفها المجتمع الصحراوي و بصفة خاصة الشباب وما يتعلق بأزمة الزواج و غلاء المهور، يبقى الإشكال هو وجوب معرفة أن الواقع تغير و تغيرت معه ظروف المجتمع الذي انتقل إلى العيش في الحضر و تجاوز خصوصيته المحضرية إلى فضاء التمدرس و الولوج إلى داخل الجامعات و انتقل من تقوقع البداوة إلى فضاء المدينة و الاختلاط مع شعوب أخرى مغايرة في المعايير و المرجعية الشيء الذي فرض تغييرا قسريا على هذا المجتمع الصحراوي، الذي لازال يصارع من أجل استبقاء ما يمكن استبقاؤه من تلك العادات و المرجعيات دون أن يكون قادرا على الخروج كليا من النسق الأصلي أو البقاء داخل حيز من الآليات لم يعد قابلا للاستمرار أو التداول اليومي فيها.