عندنا في المغرب لا التحاق بالمكاتب في الموعد المحدد لبداية العمل ولا معالجة للملفات وفقد جدول زمني معين ولا حرص على الالتزام أو الانضباط. نقول: "متى نلتقي؟ غدا بين الساعة الخامسة والسادسة في نفس المكان المعهود... هكذا كان صديقان مغربيان على الموعد أي أن المدة الزمنية التي سوف يستغرقها انتظار كل واحد منهما للآخر هي ثلاث ساعات..والمفارقة الغربية هي لا يأتي أحدهما دون أي اتصال أو اعتذار بالهاتف، حتى إذا عاتبه فيما بعد على عدم وفائه بالحضور، انبرى ضاحكا ومستهزئا بقوله: "لا تنسى أننا مغاربة" وكأن التخلف عن الموعد سمة من سمات الانتماء للمغرب و"ماركة مسجلة" على جبين كل مواطن. وهذا خطأ في السلوك الشخصي تجاه النفس وتجاه الآخرين أيضا. ويتم عن عدم وعي وتقدير لأهمية الوقت في حياة الأفراد والشعوب. وإشكالية عدم الوفاء بالموعد والالتزام بالوقت ليست وقفا على الأفراد والأصدقاء في المغرب. إنها ظاهرة عامة تلقي بثقلها الرمادي على كل مظاهر الحياة عندنا، وخاصة في الإدارة العمومية حيث يسجل ضياع الوقت معدلات جزافية تنعكس سلبا على الأداء الوظيفي، فتضيع مصالح المواطنين ومصالح الوطن بكامله. لا التحاق بالمكاتب في الموعد المحدد لبداية العمل ولا معالجة للملفات وفق جدول زمني معين، ولا حرص على الالتزام أو الانضباط، بل إن هناك من يتفنن في ابتكار طرق وأساليب جديدة للانسحاب من عمله قبل وقت الخروج، تاركا معطفه على الكرسي للإيحاء بأنه عائد بعد قليل بينما يكون في تلك اللحظة ممددا فوق سريره متمتعا بقيلولته دون وخز من ضميره المهني. ومن سابع المستحيلات في المغرب أن تنعقد "ندوة في موعدها المحدد أبدا"، والتأخير قد يمتد ليصبح ساعة أو ساعتين دون أي اعتذار من المنظمين إلى الحاضرين الذين قد تكون لهم التزامات أخرى في أماكن أخرى. وخلال هذه السنة كنت بالرباط، فأخذت القطار السريع والذي أصيب بدوره بعدوى التخلف عن الوصول في الموعد، فلا أحد من المسافرين باستطاعته ضمان الوصول في توقيت معين، وأحيانا يتوقف القطار في الخلاء لساعات في غياب أي مبرر تقني او موضوعي يشفي غليل الركاب، فيبقى الانتظار القاتل هو سيد الموقف ما دامت أبواق العربات مصابة بالخرس. إن الإنسان في العصر الحديث يعيش على إيقاع لاهث في زمن السرعة، ولذاك فإن أي تأخير في حضور ملتقى أو موعد أو عمل أو مناسبة هو دليل ملموس على التخلف وعلى الاستهانة بالزمن كعامل أساسي من عوامل التطور وارتقاء مدارج الحضارة الحديثة. ولنأخذ المثل من شعب اليابان الذي يقدر الوقت حق قدره ويستغل كل ثانية ودقيقة في الفعل والإنجاز والبناء. لقد انطلق من الصفر وبسرعة الصاروخ إن جاز التعبير بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته وراءها من خراب في المدن وفي النفوس واستطاع بجديته وانضباطه وتقديسه للزمن أن يسابق الأمم في كل مجالات التكنولوجيا والصناعات الأكثر دقة وتقنية، وهاهو الآن يتبوأ منصات التتويج الذهبي في مضمار التقدم العلمي ونحن؟ أين نحن؟ السؤال صغير ولكنه يرش الملح على كثير من الجراح ! على سبيل التنكيت ذهب مواطن مغربي للبحث عن عمل في اليابان، فحجز غرفة للنوم في أحد فنادق طوكيو، وفي الساعة الأولى من الصباح خرج اليابانيون متوجهين إلى أعمالهم، ماعدا صاحبنا، فرفع موظف الاستقبال سماعة الهاتف عند الساعة الثامنة صباحا طالبا سيارة الإسعاف، اعتقادا منه أن المواطن المغربي قد أصيب بمكروه، ولم يدر في خلده أبدا أنه مازال في فراشه الدافئ يغض في نوم عميق ولسان حاله يردد في استرخاء وكسل شديدين، تلك القولة السخيفة التي لا تولي للوقت قيمة واعتباره "اللي بغا يربح العام طويل".