طلعت علينا جريدة “العلم” لسان حال حزب الاستقلال الحاكم (عدد 16 / 9/ 2010) بالعنوان التالي ” رصد 10 ملايين درهم لحفظ الذاكرة وترميم معتقلات سرية سابقة من بينها منزل عبد الكريم الخطابي ودرب مولاي شريف وأكدز”. كان رد فعلي الأولي عن هذا العنوان صادما، لم أتردد في طرح تساؤل استغرابي: هل كان منزل الأمير الخطابي فعلا معتقلا سريا، مثله كمثل معتقلات قلعة مكَونة وأكدز ودرب مولاي شريف وتزمامارت السيئة الذكر في زمن الاستقلال الوطني، بل مثله كمثل قصر الكَلاوي في تمتّاغت الذي سجنت فيه زوجة أوفقير وأبناؤها بعد محاولة انقلاب لسنة 1972؟ وقبل أن أسلم أو أرفض ما جاء في خبر “العلم” التي نسبت إلى السيد أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تأكيده “على أهمية ترميم مراكز الاعتقال السرية، وتصنيفها كتراث وطني مثل درب مولاي شريف، ومنزل عبد الكريم الخطابي، وأكدز، وسكورة، وقلعة مكونة.”رجعت إلى قصاصة وكالة الأنباء المغربية، بصفتها وكالة رسمية تنقل كلام موظفي الدولة بأمانة أكثر من أي وسيلة إعلامية أخرى. والقصاصة تتحدث عن الاتفاقية التي وقعها رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مع وزير الثقافة بقصد ترميم مراكز الاعتقال كإجراء يستجيب لتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة بشأن ” جبر الضرر الجماعي”. فما ذا جاء في القصاصة بشأن منزل الخطابي؟ ربطت ترميمه فعلا بترميم المعتقلات السرية، وليس بصفته قلعة للوطنية التحررية ومعْلما وطنيا جديرا بتخليده؛ وذلك حين كتبت تقول: “ستعمل (أي وزارة الثقافة) على ترتيب المباني ذات الحمولة الرمزية وتصنيفها كتراث وطني (مراكز الاعتقال أكدز وسكورة وقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف ومنزل عبد الكريم الخطابي.. ) وكما نلاحظ جاء ذكر منزل الأمير الخطابي ضمن مراكز الاعتقال ومعطوفا عليها في زمن الاستقلال وسنوات المهانة والجمر. وحسب علمنا لم يصدر إلى الآن أي تكذيب أو توضيح يتعلق بمنزل الأمير الخطابي ومكانته في سلسلة المعتقلات التي تقرر ترميمها من قبل وزارة الثقافة والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. مما يجعل المغاربة يضيفون إلى سجل مراكز الاعتقال غير القانونية المشهورة مركزا آخر وهو بيت الخطابي. وإذا لم يكن هناك توضيح رسمي لمكانة هذا المنزل في تاريخ المغرب المستقل فإننا سنوجه الشكر لهيأة الإنصاف والمصالحة على رفع السرية التي لم تكن تخطر على بال أحد. فالمغاربة كانوا يعتقدون أن مركز الاعتقال الشهير في الحسيمة إبان السنوات الأولى للاستقلال هو المعهد الديني فقط. وللتذكير وللتاريخ أيضا، وبغض النظر عن التصنيف الجديد لمقر قيادة الحرب التحريرية في عشرينيات القرن الماضي، نؤكد أن مقر هذه القيادة، الذي هو منزل الخطابي في أجدير الحسيمة في الوقت نفسه، كان نبراسا للوطنية المغربية التحررية قبل وطنية اللطيف ووطنية الشرعية الاستعمارية، لم يتبق منه اليوم إلا بعض أنصاف الأسوار. وكانت جريدة “الاتحاد الاشتراكي” قد نشرت سنة 2003 مقالا وصورا لحال البيت المتهدم. وتوجد إحدى صوره في ص 32 من الطبعة الثانية لكتاب ” عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر. ونؤكد كذلك وجود لبس متعمد أو غير متعمد عند بعض المغاربة في شأن منزل الخطابي؛ فهذا البعض حين يتحدث عن منزل الخطابي يقصد ما كان يعرف ب” oficina”، أو الفيسينا بالدارجة المسنبنة، وهي عبارة عن بناية إسبانية كانت مقرا للمراقب الإسباني إبان الاحتلال لشمال المملكة بنيت على الجانب الجنوبي الغربي لمنزل الخطابي، كما لا يزال هنالك بقايا بناء سجن الأطفال في عهد الاستعمار أيضا على الجهة الشرقية للمنزل. وفي زمن الاستقلال بنيت مكاتب القيادة الممتازة أو دائرة بني ورياغل بين إدارة المراقب والسجن، ودامت قائمة هناك فترة تتجاوز عقدين من الزمن، قبل أن تنقل إلى مركز بلدة أجدير. ولا ندري إن كان هذا الخلط يراد به شيء آخر، أم هو مجرد جهل بطبيعة الأشياء. وإن كنا نرى من الواجب كذلك ترميم سجن الأطفال والمحافظة علية كشهادة على طبيعة الاستعمار “الحضارية” التي كان يتبجح بها؛ فهو لم يكتف باختطاف أطفال الريف ليجندهم في الحرب الأهلية الإسبانية فحسب، بل بنى لهم سجنا على جانب منزل الخطابي الذي خرجت منه فكرة التحرر الوطني، بل التحرر الإنساني من بعبع الاستعمار. مهما يكن من أمر لا نستبق الأحداث، ولكن نرى من الواجب التذكير ببعض الأمور التي يتداولها بعض الناس عندما يتحدثون عن منزل الخطابي والتنويه أيضا قبل أن يحصل الغلط، كما نرى من واجبنا استفسار الجهات المعنية بالترميم عن سبب إدراج هذا المنزل في قائمة المعتقلات السيئة الذكر؛ لأن المغاربة كانوا يعرفونه ويفتخرون به معقلا للوطنية التحررية وليس معتقلا سريا في زمن لاستقلال. ومهما يكن من أمر كذلك، فإننا نتمنى أن يصدق وزير الثقافة ورئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان فيما أعلنا عنه وألا يكون وعدهما كوعد مصطفى لكثيري، المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، في الحسيمة بتاريخ 28 يوليو 2004 حين وعد أمام الملأ ببناء متحف لجمع وحفظ ما تبقى من مرحلة حرب التحرير التي قادها الخطابي؛ إذ حتى هذه اللحظة لا يوجد أي أثر أو أرشيف عن تلك المرحلة إلا ما يوجد عند أفراد أو في المتاحف الأجنبية، وبخاصة في فرنسا وإسبانيا . أما الوعد الثاني فكان لاحقا من قبل هيأة الإنصاف والمصالحة في اجتماع مع المرحوم سعيد الخطابي ومجموعة البحث محمد عبد الكريم الخطابي في مقر الهيأة بالرباط ربيع 2005 ببناء متحف وملاحقه الخاصة بالبحث التاريخي والاجتماعي على أنقاض بيت الخطابي الذي استعصى على الخينرال سلبيستري الذي وعد ملكه بأن يشرب فيه أتاي بالنعناع فأشربه المجاهدون كأس المنية مستويا على الروح الوطنية في أنوال عظمت في الكائنات ذكراها. ونشير بالمناسبة إلى أن المرحوم سعيد الخطابي عبر عن أمله أن يتم إعادة بناء المنزل المتحف بالمواد المحلية حتى يحافظ على الأصالة المعمارية والثقافية للمنطقة. وإلى جانب هذه الوعود كان هنالك قبل ذلك مشروع أخر تتولاه المؤسسة الإدريسية برئاسة المؤرخ الأستاذ أحمد الطاهري، وكان سعيد الخطابي قد أعطي موافقته على منح مساحة الأرض اللازمة لبناء المتحف وملاحقه، كما كانت ميزانية المشروع جاهزة بفضل تعاطف مؤسسات خارجية وإعطاء موافقتها على المشروع. عير أن وزارة الثقافة على أيام الشاعر الأشعري وجهات أخرى نافذة عرقلت إنجاز المشروع، وفقا لرواية المؤرخ الطاهري، ووفقا لما يتم تداوله هنا وهناك. واليوم نُخبر مجددا بأن المنزل “سيرمم” في إطار جبر الضرر الجماعي، ودون أن نعيد طرح السؤال لماذا الإصرار على ربط موضوع الأمير الخطابي بمهام هيأة الإنصاف والمصالحة التي حددت مهمتها في الكشف عما جرى من تجاوزات ضد المعارضين لنظام الحكم ما بين 1959 و 1999، خاصة وأن العالم كله يعرف أن الرجل لم يكن معارضا للنظام في بلده، وإنما كان صاحب مشروع تحرري من الاستعمار ومن التخلف ليس للمغرب الأقصى فحسب، بل لكل أقطار المغرب دون أن نعيد طرح السؤال نتمنى أن يكون هذا الترميم بداية للاهتمام الرسمي بإحدى أنصع لحظات تاريخنا المعاصر وإنشاء متحف عبد الكريم الخطابي لسد بعض ثقوب ذاكرتنا المشتركة، ومقاومة ثقافة النسيان، وإغناء عناصر هويتنا التحررية. وفي الأخير نذكِّر، إن نفعت الذكرى، أن سلطات الاستقلال أغلقت كهفا يوجد في السفح الشمالي للهضبة التي يقع فيها بيت الأمير الخطابي. وكان هذا الكهف سجنا للأسرى الإسبان العسكريين، إبان حرب التحرير، يصعب الوصول إليه برا أو جوا بسبب مناعة موقعه. ولا ندري لمصلحة من تم إخفاء معالمه بغلق مدخله ومخرجه وجعلهما مفرغا ومزبلة لسكان مقر دائرة بني ورياغل الذين لا يزالون يقيمون هناك ؟