ما زال العديد من نساء ورجال التعليم يعتقدون بان ميثاق التربية والتكوين هو الأنسب لإصلاح منظومة التربية والتكوين ، وما زالوا يعتقدون كذلك بان هذا الميثاق بمثابة إضافة نوعية داخل قطاع عمومي أكثر حساسية . لكن سنة بعد سنة يبرز الوجه الحقيقي لذلك الميثاق وتتجسد رغبته الحقيقية في التجديد في قلب أوضاع التعليم العمومي رأسا على عقب في اتجاه تقليص تكلفته وتعريض الشغيلة التعليمية لشروط عمل أكثر تعقيدا وإجحافا ، كما حرمان أبناء الطبقات الشعبية من تعليم جيد ومجاني . إن ميثاق التربية والتكوين يلعب في إطار مشروع إصلاح منظومة التربية والتكوين دور الجوهر في ذلك الإصلاح ، إذ من خلاله تنطلق كل العمليات والإجراءات التي قلبت التعليم رأسا على عقب ، إنه بمثابة الخطوط الكبرى لإصلاح منظومة التربية والتكوين ، وهو بالتالي مصدر كل الشرور التي تستهدف أولا الشغيلة التعليمية و ثانيا أبناء الجماهير الشعبية. لقد تطلبت عملية تمرير سياسة التقويم الهيكلي في قطاع التعليم ، سيناريوهات شكلية لإضفاء الإجماع على ميثاق التربية و التكوين سليل تلك السياسة. و المتتبع لمسار إرساء ذلك الإجماع على ميثاق التربية والتكوين ، سيلاحظ لا محالة أن ما وقع من تغيير للجان الوطنية المكلفة بإعداد وثيقة الميثاق ، والاكتفاء في نهاية المطاف بتسييد لجنة مغلقة سطرت في وثيقة الميثاق الوطني للتربية و التكوين كل ما تمليه سياسة الدولة في خوصصة القطاع .و من ضمن السيناريوهات تلك هيئة المجلس الأعلى للتعليم الذي تم تفعيله ليلعب دورا مؤثثا في قضية الإجماع ، ولا ننسى أن النقابات التعليمية ممثلة بهذا المجلس تزكي قرارات لمجلس لا قرار له. إن الرجوع إلى حيثيات النقاش الوطني حول إصلاح منظومة التربية والتكوين أمر أساسي لفهم ما يجري اليوم بقطاع التعليم . وما يجري اليوم بهذا القطاع الحساس هو الخوصصة وتفريط الدولة في السيادة التربوية. فإذا نحن عدنا إلى مضمون وثيقة ميثاق التربية و التكوين ، لوجدنا أن القطاع الخاص يشكل الشريك الأساسي في عملية الإصلاح ، الأمر الذي سمح لمستثمري هذا القطاع( استثمار المال و ليس المعرفة ) من الاستفادة من امتيازات كثيرة تخولها لهم القوانين المسطرة في هذا الاتجاه . وقد تم تمرير هذا الأمر تحت صياغة واردة بنص الميثاق تقول : “وحرصا على قيام القطاع الخاص بهذا الدور على الوجه الأمثل ، وجب التزامه باعتبار التربية والتكوين مرفقا عموميا “، الأمر الذي يكشف التلاعب بالكلمات من أجل تمرير مضامين متناقضة ، إذ كيف يمكن لقطاع التعليم أن يكون عموميا و الدولة تشرعه على مطامع المستثمرين ؟ وكيف لهؤلاء أن يوظفوا أموالهم لصالح تعلم أبناء المغاربة و الصالح العام ؟ إنه أمر لا يمكن أن تستسيغه العقول المشتعلة ، منطق مخادع يريد أن يوهم المغاربة قاطبة بأن ما يجري اليوم بقطاع التعليم هو بمثابة إنجاز تاريخي و ملحمة و ما إلى ذلك من أوصاف تتقن إبداعها أبواق الدولة ، في حين لا يعد الأمر أن يكون هجوما على المدرسة العمومية بما فيها أوضاع الشغيلة التعليمية و حق أبناء المغاربة في تعليم جيد ومجاني. لنقم بمقارنة بسيطة بين المدرسة ما قبل الميثاق و مدرسة الميثاق.لقد كانت الأولى ، ورغم القبضة المخزنية سنوات الستينات و السبعينات والثمانينات ، فقد تخرجت من هذه المدرسة أطرا ذات مستوى عال ، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و فنيا ، وكانت الممانعة الشعبية آنذاك تتفجر بالمؤسسات التعليمية . لكن موازن القوى السياسية آنذاك كانت تميل لصالح الطبقة السائدة المدعمة من الخارج ، الأمر الذي ساهم في انحسار المد اليساري المعبر عن طموحات الجماهير الشعبية ، وتراجع دور المدرسة العمومية بانتهاء سنوات رصاصها . . إن ميثاق التربية و التكوين ( إلى جانب كل القوانين التي مررتها حكومة التناوب الأولى و ما فرخته من حكومات ) هو بمثابة الإعلان الرسمي على انتصار الطبقة السائدة على كادحي هذه البلاد . إنه إجراء تقشفي يستهدف الأمن التعليمي و التربوي لأبناء الجماهير الشعبية و يحمل الأسر المغربية و الشغيلة التعليمية مزيدا من الأعباء. و عن صمت قيادات النقابات التعليمية و تزكيتها لهذه السياسة التعليمية الجديدة التي تضرب في العمق المصالح الحيوية للشغيلة التعليمية ، ماذا نقول ؟ ألم يحن الوقت لمحاسبة بيروقراطيات هذه النقابات على خيانتهم للأمانة ؟ ألا يبشر هذا الوضع التعليمي الجديد بمزيد من معاناة شغيلة القطاع ؟ إن القول بغير التنظيم النقابي الديموقراطي و الكفاحي لإنقاذ الشغيلة التعليمية من ورطتها و محاسبة تلك البيروقراطيات النقابية الفاسدة و المتعاونة ، هو وهم لن يزيد إلا في تعميق تلك المعاناة. إن تحرر الشغيلة هو صنع الشغيلة نفسها.