أستاذ أستاذ... كلمة سمعتها من احد تلامذتي، التفت يمينا فحييته بمثل تحيته بله بأحسن منها، سألته أينك الآن وقد مضى على مغادرتك المؤسسة سنتين ونيف، أجابني والأسى باد على محياه، لم أكن أنصت لتوجيهاتكم يا أستاذ، كنت مغرورا ومنساقا وراء زمرة من الزملاء ظنا مني أن التعليم لم يعد صالحا لتحقيق طموحاتي، ورأيت أن الأفضل هو المغادرة والانخراط في الحياة العملية حتى أحقق ذاتي، غير أنني اكتشفت أنني كنت مخطئا في تقويم المرحلة التي كنت فيها، صدقني يا أستاذ والكلام لذاك التلميذ صدقني لقد كبنت يداي من شدت تعرضها للاسمنت وأنا اشتغل في ميدان البناء، فلا يمر علي اليوم حتى ابكي بداخلي الأيام الخوالي التي أضعتها وصرت لا أتحمل هذا الوضع مما حذا الآن أتطلع لاجتياز باكالوريا حرة، فهل سأتمكن من الحصول عليها وأنت الخبير بمستواي الدراسي ؟قلت يا بني عليك أن تتمثل قول علال الفاسي رحمه الله: كل شيء على الشباب يهون ****هكذا همت الرجال تكون فبوسعك أن تتابع دراستك إن كانت لديك رغبة، والرسول الكريم يقول :اعملوا فكل ميسر لما خلق له.من جهتي فانا مستعد لان أزودك بجميع ما لدي من إمكانات لتحقيق حلمك، سواء بالدروس وحتى بشرح ما تيسر شرحه منها، ومستعد لان أزودك بدروس مجموعة من المواد الأخرى بالتعاون مع زملائي الأساتذة، شكرني ذاك التلميذ على عروضي عليه وبادلني الابتسامة وانصرف. رجعت إلى المنزل وتولدت لدي مجموعة من الأسئلة من وحي هذا اللقاء: -حالة ذاك التلميذ ما هي إلا نموذج لمجموعة من الحالات التي يحبل بها مجتمعنا، والأنكى والأمر هو أن تلامذتنا منساقون وراء مغريات الحياة في غفلة من أبائهم أمام أولياء أمرهم المغلوبون على أمرهم، والذين يصرحون عادة بان ليس لهم سلطة على أولادهم، وان الوقت قد فات لتقويم سلوكاتهم، وهم يرددون مع الشاعر: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ****ولن تلين إذا قومتها الخشب. أتساءل ما هو الفضاء التربوي الذي توفره السلطة الوصية للمتمردين عن أسرهم لتقويهم سلوكاته قبل فوات الأوان.... - عندما يكون الأستاذ متشددا مع تلامذته، قد يصادف في بعض الحالات من لا يعجبهم هذا التشدد، بدعوى إن العنف أمر ممنوع داخل المؤسسة التربوية...هنا يسال الأستاذ نفسه مادمت لا أجد من يؤازرني في تجنيب هؤلاء شر التشرد والإهدار المدرسي فلم احمل نفسي مشقة مواجهة من لا يعترف لي بنبل مسعاي..؟ - إن عملية إعادة التمدرس التي تم فتحها في وجوه التلاميذ، في تصوري سيف ذات حدين، فمن جهة تساعد على إنقاذ مجموعة من التلاميذ ومن جهة أخرى تساعد على انحراف مجموعة أخرى من الذين لم يجربوا مرارة الطرد، هنا أتساءل ألا يمكن تخصيص فصول محددة تتم فيها عملية إعادة تمدرس مثل هؤلاء تفاديا من ما ينجم عن احتكاك هؤلاء بزملائهم الجدد... بقلم عبد الرحيم البوزيدي