بعد صدور المنشور 03/2015 بتاريخ 20 يونيو 2015م الرامي إلى تجميد القرار السابق الذي يحرم رجال التعليم ونسائه من حق متابعة الدراسة الجامعية، استبشرت الشغيلة التعليمية خيرا، وبغض النظر عن كون هذه الخطوة حملة انتخابية تسويقية سابقة لأوانها بطلها حزب المصباح، فإنها بمثابة باقة الورد التي تخفي السيف البتار، والهدوء الذي يسبق العاصفة؛ فبعد مرور أيام معدودات من صدور هذا المنشور، فاجأت حكومة بنكيران المهتمين بقطاع التعليم بإصدارها لمرسومين خطيرين جدا، يكرسان السياسة التخريبية، والمقاربة الهجومية التي تنهجهما في المعاملة مع رجال التعليم ونسائه؛ أما المرسوم الأول فمؤداه إعادة النظر في طريقة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربوية والتكوين، والمتمثلة في المصادقة على تصور جديد ينبني على إلغاء التوظيف المباشر لخريجي هذه المراكز، إذ يصبح خريجو المراكز الجهوية مجرد عطلة حاصلين على شهادة تسمى "شهادة التأهيل"، حتى تمُنّ عليهم الحكومة بتنظيم مباراة أخرى هي "مباراة التوظيف"، والناجح فيها سيتم تعيينه وفق السلك الذي اجتاز التكوين فيه. يمكن القول إن هذا المرسوم يشكل "تشرميلا" جليا وواضحا تجنيه الحكومة على قطاع التعليم، هذا القطاع الذي هو في أمس الحاجة إلى هندسة دقيقة يكون وراءها مهندس متخصص يفقه في الشأن البيداغوجي ويدرك جيدا متطلبات هذا القطاع. ومن جهة أخرى، يفصح هذا المرسوم على معطيات ضمنية خطيرة جدا، وهي التقليل من قدر شهادة الإجازة؛ في الوقت الذي تمسك الحكومة أذنها اليسرى بيدها اليمنى، كان من الأجدر إعادة النظر في التكوين الجامعي، من خلال إدخال تعديلات على مستوى المنظومة التدريسية في الجامعة المغربية كإدخال مواد أخرى، إلى جانب التخصص، كالديداكتيك وعلوم التربية وعلم النفس في جميع التخصصات، وبعد التخرج يجتاز المجازون مباراة التوظيف مباشرة، هكذا سيتم تسهيل تحصيل الطلبة، ويتم تعزيز الجانب النفسي لديهم لممارسة مهنة التعليم بكل شغف وحب؛ بيد أن الحكومة الحالية لا يهمها سوى إرضاء العفاريت والتماسيح بمنطق "عفا الله عما سلف"، أما المستضعفون والموظفون فتقابلهم بمنطق "لهم عذاب أليم"، يتجلى هذا في المرسوم الثاني الذي صدر مرافقة للأول ، ومقتضيات هذا القرار هي تقليص المنحة التي كانت تمنح للطلبة الأساتذة الذين ولجوا المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين حيث قزمتها من 2450 درهما إلى 1200 درهم. هكذا تتم شرملة التعليم بقرارات عشوائية، تصدر ممن لا علم لهم بأصول القطاع واحتياجاته، قرارات مغلفة بخلفيات سياسية تخدم مصالح الحكومة أكثر مما تخدم قطاع التعليم أو المواطنين؛ وإذا كان رئيس الحكومة قد صرّح مؤخرا بأن:"الله سخّر هذه الحكومة لسد ثقوب الباخرة التي كانت على وشك الغرق"، فنسي أنه يسد هذه الثقوب برقاب الفقراء والمستضعفين والطلبة ورجال التعليم، علما بأنه يزيد الباخرة ثقوبا، إذ يصدق عليه، بناء على ما سبق، المثل المغربي المشهور: جا يكحلها عماها…وهو ما يمكن أن نقوله على قطاع التعليم بتحريف بليغ: جا يكحلو شرملو. شرملة التعليم