نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    مغربية يحتجزها زوجها المصري في 'سبيطار المجانين' بمصر.. الأسرة تستعطف 'سيدنا الله ينصره' التدخل لتحريرها    مسيرة تجوب العاصمة الاقتصادية بشعار "المساواة في الأعمال المنزلية"    التخطيط المجالي المستدام في صلب النقاش الأكاديمي بتطوان: محاضرة وتكريم للدكتور محمد يوبي الإدريسي    صناع فيلم "البوز" يعرون النجومية الافتراضية وزيف "السوشل ميديا"    بوريطة يتباحث مع رئيس الكونغرس ومجلس الشيوخ الكولومبيين    مدرب مؤقت لريال مدريد    ارتفاع مبيعات الاسمنت بنسبة 4,5 في المائة خلال الفصل الأول من سنة 2025    وسام ملكي للسيد محمد البهجة الفاعل السياحي الكبير بطنجة    إحراق 19 طنا من المخدرات و652 قرصا مهلوسا كانت محجوزة لدى الجمارك بأسفي    استئنافية خريبكة تؤيّد الحكم بسنة حبسا في حق البستاتي بسبب تدوينات مناهضة للتطبيع وداعمة لفلسطين    موظفو السجن المحلي الجديدة 2يخلدون الذكرى17لتأسيس المندوبية العامة بحضور عامل الإقليم .    العفو الدولية تندد ب"إبادة جماعية" في غزة "على الهواء مباشرة"    وزير النقل: انقطاع التيار الكهربائي في إسبانيا تسبب في إلغاء رحلات جوية بالمغرب    باريس سان جيرمان يهزم أرسنال في ذهاب نصف نهائي أبطال أوروبا    روديغر مدافع الريال يعاقب بالإيقاف    نقابي: البطالة سترتفع بتطوان بعد عزم شركة إسبانية طرد أكثر من 220 عامل وعاملة    وزارة الأوقاف تحذر من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    أمريكا تهنئ حزب رئيس وزراء كندا    93 في المائة من مياه الاستحمام بالشواطئ المغربية مطابقة لمعايير الجودة    هكذا انهارت الشبكة الكهربائية لإسبانيا في خمس ثوان.. أسباب محتملة    المغرب يساعد إسبانيا على تجاوز أزمة انقطاع الكهرباء عبر تزويدها بطاقة كهربائية هامة    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتتبع تنزيل خارطة طريق قطاع التشغيل    البيضاء…..ختام فعاليات الدورة السادسة من مهرجان إبداعات سينما التلميذ للأفلام القصيرة    ملتقى في الصويرة يناقش "المواسم التقليدية رافعة للاقتصاد في الوسط القروي... زوايا ركراكة نموذجًا"    القيدوم مصطفى العلوي يُكرَّم في منتدى الصحراء للصحافة بكلمة مؤثرة تلامس القلوب    البنك الدولي يتوقع انخفاض أسعار السلع الأولية إلى مستويات ما قبل كورونا    كيف يمكن لشبكة كهرباء أن تنهار في خمس ثوان؟    أورنج تهدي مشتركيها يوما مجانيا من الإنترنت تعويضا عن الانقطاع    حريق مطعم يودي بحياة 22 في الصين    إسبانيا.. ظهور السفينة الحربية المغربية "أفانتي 1800" في مراحل متقدمة من البناء    شراكة تجمع التعليم العالي و"هواوي"‬    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    كاميرات ذكية ومسرح في المدارس المغربية لمواجهة العنف    "البيجيدي" يطالب بتوسيع "الانفراج الحقوقي" ويؤكد أن البناء الديمقراطي بالمغرب شهد تراجعات    المغرب يدين أكاذيب الجزائر بمجلس الأمن: هوس مرضي وتزييف الحقائق    "النهج": الحوار الاجتماعي يقدم "الفتات" للأجراء مقابل مكاسب استراتيجية ل"الباطرونا"    خبر مفرح للمسافرين.. عودة الأمور إلى طبيعتها في مطارات المغرب بعد اضطرابات الأمس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية للحزب    يضرب اليوم موعدا مع تنزانيا في النهائي القاري .. المنتخب النسوي للفوتسال يحقق تأهل مزدوجا إلى نهائي كأس إفريقيا وبطولة العالم    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: المؤرخ ابن خلدون … شاعرا    أخبار الساحة    موكوينا يخلط أوراق الوداد الرياضي    تنظيم ماراتون الدار البيضاء 2025 يسند إلى جمعية مدنية ذات خبرة    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إصلاح منظومة التربية والتكوين في ضوء الخطب الملكية
نشر في الأستاذ يوم 22 - 06 - 2014

مارس الملك محمد السادس العديد من صلاحياته عبر الخطاب، وجعلها أمرا واقعا لا يحق لأحد مناقشته. فهو من يختار التوقيت المناسب واللحظة الحاسمة، لذلك فكل ورش إلا ويسبق بخطاب مؤسس، يستعرض السياقات و يحدد الرهانات ويرسم الغايات، فما يلبث هذا الخطاب أن يتحول إلى جدول محدد، بأجندات مضبوطة، تنتج عنه في غالب الأوقات قرارات ملزمة.
إذا ما رجعنا إلى مضامين الخطب الملكية على مدار ما يفوق نصف قرن على حصول المغرب على استقلاله (38 سنة من حكم الملك الراحل الحسن الثاني وما يناهز 15 سنة من حكم الملك محمد السادس) ، نجد أن الحديث عن التعليم وأزمته ومطالب إصلاحه ظل ملازما للخطب الملكية على مدار كل هذه العقود ، ومع ذلك لم تفارق الأزمة منظومة التربية و التكوين ببلادنا كما لو أنها "مرض مزمن" نجح مراقبوه في تشخيص كل أعراضه وآثاره ، غير أنهم فشلوا في المقابل في الحد من انتشاره وآلامه.
هكذا، شخصت خطب الملك محمد السادس وضعية المنظومة في العديد من المناسبات، غير أن الواقع كان و لازال عنيدا مشاكسا ، بدءا بخطاب الإقرار بالأزمة المزمنة التي يشكو منها التعليم ببلادنا والتأسيس لخلاصات أشغال اللجنة الملكية الخاصة لوضع مشروع ميثاق وطني للتربية والتكوين، مرورا إلى التماس الإصلاح و المطالبة بتفعيل مضامين هذا الميثاق الوطني، و وقوفا عند الخطب التنظيمية التي استتبعها إنشاء مؤسسة للأعمال الاجتماعية لأسرة التعليم و المجلس الأعلى للتعليم ، وصولا إلى خطاب الإنقاذ من خلال اعتماد المخطط الاستعجالي والإجراءات التي صاحبته، ورجوعا من جديد إلى الحديث عن تأزيم المنظومة التي قدر لإصلاحها أن يظل متأرجحا بين الطموح والانتظارية.
1- خطاب الاعتراف بالأزمة:
قبل خمسة عشر عاما، وتحديدا بمناسبة عيد الشباب لسنة 1999، وحلول الذكرى السبعين لميلاد الملك الراحل الحسن الثاني ، كانت هذه آخر كلماته للمغاربة قاطبة وللشباب خاصة بالنظر للأعداد التي تراكمت على بلدنا بوتيرة ستين ألف شاب وشابة في السنة :" يجب أن أقول لك: إن هذا شيء غير طبيعي، وهو غير طبيعي لسببين : الأول: هو أن التعليم لم يأخذ بعين الاعتبار ظاهرة العمل والتشغيل. والسبب الثاني هو غلطة أفدح من الأولى هو أن الموجهين في ميدان التعليم لم يقوموا بواجبهم، وأطلقوا العنان للعديد من الشباب يجربون أنفسهم في هذه المادة أو تلك دون أن يكونوا عارفين لملف الطالب أو الطالبة ومدركين تماما لقابليته بالنسبة لهذا التخصص أو ذاك. وما هي قدرته بالنسبة لهذه المادة أو تلك.وبالنسبة لبرنامج التعليم سأحدثك عنه- شعبي العزيز- إن شاء الله في 20 غشت. لأني سأكون آنذاك قد توصلت من اللجنة بدراستها كاملة".
فيما يخص هذه اللجنة، كان الملك الراحل قد ذكر قبل أربعة أشهر، وبالضبط يوم 3 مارس 1999 بمناسبة عيد العرش ، أنه : " قررنا تكوين لجنة خاصة بعهد إليها باقتراح مشروع لإصلاح نظام التربية والتكوين وفق المنهجية و الأهداف التي تم تحديدها في رسالة خاصة سنوجهها إلى مستشار جلالتنا السيد عبد العزيز مزيان بلفقيه الذي عيناه رئيسا لهذه اللجنة".
بعد سبعة أيام من وفاة والده، استمر الملك محمد السادس في التذكير بمناسبة الذكرى الأولى لاعتلائه عرش المغرب بأن قضية التعليم تشغل حيزا كبيرا من اهتماماته الآنية والمستقبلية لما تكتسيه من أهمية قصوى ولما لها من أثر في تكوين الأجيال والتطلع إلى القرن الحادي والعشرين بممكنات العصر العلمية و مستجداته التقنية وما تفتحه من آفاق عريضة للاندماج في العالمية .ويذكر المغاربة في هذا الإطار بقوله : "واعتناء من والدنا المكرم بهذه القضية، فقد كان عين لجنة وطنية خاصة عملت تحت رعايته السامية مستنيرة بالتوجيهات التي تضمنتها رسالته الملكية في هذا الصدد . وقد توجت اللجنة جهودها الحميدة بوضع مشروع ميثاق للتربية والتكوين كانت تتأهب لعرضه على أنظار والدنا المقدس لولا أن الأجل وافاه..".
كما وعد في خطاب العرش ، ذكر في خطابه يوم الجمعة 20 غشت 1999، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، بأنه سينكب " على ملف التعليم في ضوء مشروع الميثاق الذي أنجزته اللجنة الملكية الخاصة للتربية والتكوين وبالعناية التي هو جدير بها لأهميته في إعداد النشء وتأهيل أجيال المستقبل".
بعد أقل من شهر ، لفت الخطاب الملكي، بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للسنة التشريعية الثالثة يوم الجمعة 8 أكتوبر 1999، الانتباه إلى مسألتين ملحتين تتعلق الأولى بالتعليم و الثانية بقضايا التشغيل والبطالة. وفيما يخص القضية الأولى التي تهمنا أشار إلى أنه : "على الرغم من تراثنا الزاخر الأصيل في هذا المضمار وما لنا فيه من تقاليد عريقة راسخة وعلى الرغم من الجهود المتلاحقة التي بذلت طوال أزيد من أربعة عقود لجعل تعليمنا يواكب مرحلة استرجاع الاستقلال ومتطلبات بنائه فإننا نلاحظ أن الأزمة المزمنة التي يعانيها والتي جعلت والدنا رضوان الله عليه يعين لجنة ملكية خاصة ممثلة فيها جميع الهيآت والفعاليات لوضع مشروع ميثاق وطني للتربية والتكوين. وقد شاءت الأقدار أن تنهي هذه اللجنة أشغالها دون أن يطلع والدنا المشمول برحمة الله على نتائجها". وقد شدد في ذات الخطاب على أن : "الضرورة لتقتضي كذلك أن ننظر إلى أساليب التدبير من أجل ترشيد النفقات المرصودة للتعليم. وإن الواجب يحتم علينا الصرامة في التعامل مع الأموال العامة صونا لها من كل التلاعبات. إننا نستطيع تحقيق هذه الأهداف إذا ما تم ترشيد استغلال الموارد المادية وعقلنة تدبيرها وإذا ما وقع تحسين الاستفادة من الكفاءات والخبرات وإذا ما ساهمت في الإنجاز كل الأطراف المعنية من جماعات محلية وقطاع خاص ومؤسسات إنتاجية وجمعيات ومنظمات وسائر الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين دون إغفال دور الآباء والأمهات ومسؤولية الأسر في المشاركة بالمراقبة والتتبع والحرص على المستوى المطلوب ".
2 – خطاب الأجرأة:
ترجمة لأشغال اللجنة، حث الملك محمد السادس ، بعد أقل من سنة في خطابه الموجه إلى الأمة بمناسبة ذكرى عيد العرش الثاني ، الحكومة على تفعيل الميثاق الوطني للتربية و التكوين و تسريع عملية تنفيذه و تخصيص الاعتمادات اللازمة لذلك ، كما شدد على : " وجوب انخراط جميع المعنيين كل من موقعه في جو من التعبئة الشاملة و التجند الكامل حول أهداف الميثاق بعيدا عن المزايدات والحساسيات قصد تفعيله مجددين التأكيد على قرارنا السامي بإعلان العشرية القادمة عشرية خاصة بالتربية والتكوين و ثاني أولوية وطنية بعد الوحدة الترابية بحيث لا يحل موعد 2010 إلا وقد تقلص بطريقة ملموسة ببلادنا أثر الأمية و التعليم غير النافع". فعلا، مكنت الجهود المبذولة من طرف مختلف المتدخلين في مجال محاربة الأمية من خفض نسبة الأمية بالمملكة من 43 في المائة سنة 2004 إلى حوالي 30 في المائة خلال 2010، لكن ظل برنامج محو الأمية يشكو من إكراهات مالية و بشرية تحول دون بلوغ الأهداف المشنودة رغم تمويل الاتحاد الأوروبي لبرامج محو الأمية في 11 أكاديمية جهوية للتربية و التكوين من أصل 16، يشملها نظام منح شهادات رسمية قد تفتح لحامليها فرص عمل. كما أنه إذا كان المغرب قد نجح حسب الأرقام الرسمية، في تحقيق هدف تعميم التعليم بتوفير الدراسة ل97% من الأطفال، إلا أن 3% منهم يتركون المدرسة ويعودون إلي أحضان الأمية.ورغم جهود المغرب من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، إلا أن تباطؤ الوتيرة في مجالات مثل محاربة الأمية، لم تعد مساعدة على تجنيب حصول المغرب منذ سنوات على مراتب متأخرة في تقارير التنمية البشرية، حيث تراجع المغرب بنحو 16 درجة على سلم التصنيف الدولي الذي وضعه تقرير التنمية البشرية لعام 2011، حيث حل في المرتبة 130 من بين 181 دولة، فيما احتل المرتبة 114 سنة 2010. وحسب تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الخاص بالتنمية البشرية في المغرب خلال 2011 فإن "المغرب سجل تحسنا بنسبة 2,6% بين 2010 و2011، لكنه تحسن غير كاف لتحسين تصنيفه الدولي.
واعتبارا للدور الأساسي لأسرة التعليم في تحقيق الإصلاح المؤمل، فقد قرر في خطابه السالف الذكر : " إنشاء مؤسسة للأعمال الاجتماعية لأسرة التعليم. و سيتسنى لهذه المؤسسة التي أطلقنا عليها اسم جنابنا الشريف لتحمل اسم "مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لأسرة التعليم"أن تحتضن ربع مليون من أفراد هذه الأسرة العزيزة على جلالتنا مع عائلاتهم و أن توفر ما يلزمهم من خدمات اجتماعية في مجال السكن و التطبيب و الترفيه و التأمين ضد الآفات و التقاعد التكميلي".
انتظرت أسرة التعليم سنتين ليشيد الخطاب الملكي لعيد العرش لسنة 2002، بالخطوات الهامة التي قطعت في مجال إصلاح المنظومة التربوية، مؤكدا أن : " هنالك خطوات كبرى مازالت تنتظرنا في نهج سياسة تعليمية متناسقة . كما أن متابعة وتقييم وإغناء تفعيل إصلاح التعليم تتطلب تعزيز المهام التي تنهض بها ، بكل موضوعية ونزاهة، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين ، وذلك في أفق إيجاد جهاز قار يتولى مهام التقييم المتجرد والشمولي للمنظومة التربوية، في تعاون مثمر وتنسيق تام مع القطاعات المختصة، ومع جميع الفاعلين في هذا المشروع المصيري. كما حمل إليها خبر قيامه : "بإعطاء دفعة قوية لهذا الإصلاح بتنصيب مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأوضاع الاجتماعية لأطر التربية والتكوين، وبتحسين وضعيتهم ، داعين الأسرة التعليمية للانخراط بحزم وعزم ، وغيرة وطنية، في هذا المشروع الكبير" .
بعد ثلاثة أشهر، وتحديدا بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2002-2003، جعل الملك محمد السادس التعليم النافع من بين الأسبقيات الأربع، بقوله : "... فأنتم مطالبون بالعمل الجدي ، وباستخلاص العبرة من الحملة الانتخابية ، التي جعلتكم تقفون على انتظارات المواطنين ، الذين يتطلعون لحلول ملموسة لمشاكلهم الواقعية الأساسية ، التي ينبض بها قلب كل مواطن ، بدل جعل كل شيء ذا أسبقية ، إنها الأسبقيات الأربع المتمثلة في: التشغيل المنتج ، والتنمية الاقتصادية، والتعليم النافع ، والسكن اللائق".
وفي الذكرى الخامسة لاعتلاء العرش، توقف الخطاب الملكي عند الميثاق الوطني للتربية والتكوين بعد مرور نصف الطريق في تفعيل العشرية الوطنية للتربية والتكوين، مذكرا بقوله : " ...يجب تكريس السنوات الخمس المتبقية لتدارك التعثر في هذا الإصلاح الحيوي، بتعبئة كل الجهود ، لاستكمال الإصلاح الكيفي، لا الكمي فقط، لمنظومتنا التربوية، و تبويء المدرسة المكانة التي تستحقها في المجتمع. وفي هذا الصدد، قررنا تنصيب المؤسسة الدستورية للمجلس الأعلى للتعليم ، ليتولى ، في تركيبة تجمع بين التمثيلية والتخصص ، المهام المنوطة به، كقوة اقتراحية وتقويمية قارة ومتجردة، للإصلاح العميق والمستمر لمنظومة التعليم...".
و إدراكا للدور الحيوي، الذي تنهض به المدرسة، في تكامل مع الأسرة، لبناء مجتمع التضامن والإنصاف وتكافؤ الفرص، الذي تعمل المملكة على ترسيخ دعائمه، وكذا تأهيل أجيالنا الصاعدة، لممارسة حقوقها، وأداء واجباتها، واندماجها في عالم المعرفة والاتصال، ذكر الملك محمد السادس في خطابه إلى الأمة بمناسبة الذكرى السادسة لاعتلائه عرش المملكة المغربية، اعتماد ميثاق وطني للتربية والتكوين يدخل في صدارة الإصلاحات الشاملة والعميقة، التي يقودها.و تفعيلا لخطاب العرش من السنة السابقة، ورد في الخطاب قوله : "سنتولى تنصيب المجلس الأعلى للتعليم، الذي وضعنا ظهيره الشريف، لينهض بدوره، كمؤسسة دستورية، للتشاور والاقتراح البناء، والتوقع، والتقييم الموضوعي، لهذا الورش الحيوي".
ولقد جاء في الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب المجلس الأعلى للتعليم بمناسبة انطلاق-الموسم الدراسي2006-2007 : " ومن منطلق التزامنا بمبدأ اعتبار التربية شأنا يهم المغاربة جميعا، وكذا يقيننا بأن استكشاف سبل الإصلاح المتجدد لمنظومتنا التربوية، يتطلب أن يظل هذا المجلس، بوصفه مؤسسة دستورية، منفتحا دوما على المهتمين والفاعلين وذوي الخبرة في هذا الميدان الحيوي، مما يجعله فضاء تعدديا للتشاور وتبادل الرأي، ومرصدا للتتبع الفعال وقوة اقتراحية حول قضايا التربية والتكوين ".
3- خطاب المبادرة الاجتماعية:
رغم أن الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس ، يوم الجمعة 12/10/2007 بالرباط بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية الثامنة، لم يخصصه للتعليم، إلا أنه حمل إشارة قوية للبرلمانيين المطالبين وفق الخطاب على الانكباب على : " تحقيق ما هو أهم بالنسبة للمواطن. ألا وهو، بكل بساطة، عيش حر كريم قوامه: وطن موحد. أمن واستقرار. تعليم جيد. تربية صالحة. شغل منتج".
أما خطابه بمناسبة الذكرى الخامسة و الخمسين لثورة الملك والشعب، فقد خصص جانبا كبيرا منه للتعليم، و أكد من خلاله أن التعليم يأتي في صدارة الإصلاحات، التي يعرفها المغرب : " ارتأينا أن نبادر لإطلاق عملية وطنية، تهدف إلى إعطاء دفعة قوية لتعميم وإلزامية التعليم الأساسي، ضمانا لتكافؤ الفرص، ومحاربة للانقطاع عن الدراسة. ويتمثل ذلك في منح الكتب والأدوات المدرسية، لمليون طفل محتاج، غايتنا دعم الأسر المعوزة، في مواجهتها لتكاليف الدخول المدرسي المقبل. وسيعتمد تمويل هذه العملية أساسا، على الاعتمادات المرصودة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فضلا عن مساهمات السلطات والمؤسسات المعنية، والجماعات المحلية، والهيآت والجمعيات ذات المصداقية".
وأضاف : " تأكيدا لعزمنا القوي، على حسن إنجاز البرنامج الاستعجالي لإصلاح النظام التربوي، ندعو الحكومة لإعداد برنامج مضبوط، لإسكان نساء ورجال التعليم، العاملين بالعالم القروي، واعتماد مختلف أنواع الشراكة والتعاقد لإنجازه.وإننا لنتوخى من ذلك، تمكين أسرة التعليم بالبادية، وخاصة بالمناطق النائية، من ظروف العمل والاستقرار وتحفيزها على القيام بواجبها التربوي".
4 – خطاب التصحيح و الاستعجال :
ظل إصلاح التعليم حاضرا في سنة 2009 ، حيث لم يفت الملك محمد السادس، رغم الوضعية الاقتصادية الصعبة التي شهدها المغرب ، كسائر البلدان النامية ، استحضار كون الإصلاح القويم لنظام التربية والتعليم والتكوين، يشكل المسار الحاسم لرفع التحدي التنموي. فعلى الجميع أن يستشعر أن الأمر لا يتعلق بمجرد إصلاح قطاعي، وإنما بمعركة مصيرية لرفع هذا التحدي الحيوي. سبيلنا إلى ذلك الارتقاء بالبحث والابتكار وتأهيل مواردنا البشرية، التي هي رصيدنا الأساسي لترسيخ تكافؤ الفرص، وبناء مجتمع واقتصاد المعرفة،وتوفير الشغل المنتج لشبابنا.
إن المتمعن في خطاب العرش لسنة 2010، يصاب بنوع من الاستغراب والدهشة، إذ أن الملك في هذا الخطاب، اعتبر أن السياسة العمومية في قطاع التعليم، تستنزف مجموعة من الإمكانات المادية بدون أن تحقق عائدا لثرواتنا البشرية، مما سيعيق عملية الإقلاع المعرفي. وقد كان الخطاب قويا، (رغم أنه لم يخصصه للتعليم)، لكن هذه العبارة، اعتبرها البعض بأنها تعبر عن عدم رضا الفاعل الملكي عن مسارات الإصلاح.
5 – خطاب الانتظارية أو إعادة إنتاج خطاب الأزمة :
ظل الأداء الملكي وفيا خلال سنة 2011، رغم ما ميزها بالمصادقة على الدستور الجديد، للغة الانتظارية والتطلع إلى الإصلاح العميق لمنظومة التربية والتكوين؛ ففي معرض خطابه أمام أعضاء مجلسي البرلمان، لدى افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الثامنة ، قال أن : " المحك الحقيقي لنجاعة المؤسسات، بالنسبة للفئات الشعبية، هو مدى قدرتها على إحداث نقلة نوعية في الرفع من مؤشرات التنمية البشرية. ولا سيما من خلال إصلاحات وإنجازات، مقدامة وملموسة، تضع في صلبها تحفيز الاستثمار المنتج، المدر لفرص الشغل، والسكن اللائق، وتعميم التغطية الصحية، والحفاظ على البيئة، وتوفير التعليم النافع، بالإصلاح العميق لمنظومة التربية والتكوين، والانخراط في اقتصاد المعرفة والابتكار، مفتاح تقدم المغرب".
من مستجدات الوثيقة الدستورية ذات الصلة بمنظومة التربية و التكوين دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، والدعوة إلى النهوض بكافة التعبيرات اللغوية والثقافية المغربية، وفي مقدمتها الحسانية، كثقافة أصيلة للأقاليم الصحراوية.كما تم التنصيص على ضرورة الانفتاح على تعلم اللغات العالمية الأكثر تداولا وإتقانها، في إطار استراتيجية متناسقة، موطدة للوحدة الوطنية، يسهر على تفعيلها مجلس أعلى، مهمته النهوض بالثقافة المغربية، وباللغات الوطنية والرسمية، وعقلنة مؤسساتها وتفعيلها، بما في ذلك المؤسسة المكلفة بتطوير اللغة العربية.
وبعد سنة، يجدد في خطاب 20 غشت 2012 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، دعوته إلى الانكباب الجاد على هذه المنظومة٬ التي نضعها في صدارة الأسبقيات الوطنية . لأجل ذلك، " ينبغي إعادة النظر في مقاربتنا٬ وفي الطرق المتبعة في المدرسة٬ للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه٬ مقتصرا على تلقين المعارف للمتعلمين٬ إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين… إن الأمر لا يتعلق إذن٬ في سياق الإصلاح المنشود٬ بتغيير البرامج٬ أو إضافة مواد أو حذف أخرى٬ وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه".
عودة على بدء، يؤكد الخطاب الملكي ، في نفس المناسبة من سنة 2013، أن الوضع الراهن لقطاع التربية والتكوين يقتضي إجراء وقفة موضوعية مع الذات، لتقييم المنجزات، وتحديد مكامن الضعف والاختلالات، ، والابتعاد عن إخضاع تدبيره للمزايدات أو الصراعات السياسوية، بل " يجب وضعه في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية، للاندماج في دينامية التنمية، وذلك من خلال اعتماد نظام تربوي ناجع".
تدفقت مياه غزيرة تحت وزارة التربية الوطنية بعد هذا الخطاب، لكنها لم تخلف ثمارا تستفيد بقطفها مكونات المنظومة التربية والتكوين، والشاهد على ذلك أن القطف لم يطل سوى رأس محمد الوفا وزير القطاع في النسخة الأولى من حكومة السيد عبد الإله بن كيران، ليخلفه رشيد بلمختار على رأس القطاع في نسخة الحكومة الثانية، فما كتب لتسرع الوفا أن يبطئ الأزمة، وما قدر لتثاقل بلمختار أن يسرع من وضع قطاع التربية و التكوين في سياقه السوسيو-اقتصادي و الثقافي، وهكذا ربما سيعيد تاريخ التجريب التربوي ببلادنا فصول روايته كاملة وفاء للفشل، بدءا بإطلاق المشاورات، مرورا بتجميع الملاحظات وتسجيل الخلاصات، وصولا إلى التعبئة الجماعية لتنزيل هذه "الاجتهادات" وتوفير الإمكانات، انتهاء بالجلوس على كرسي الاعتراف بحجم الاختلالات وضرورة العمل على مواجهة التحديات. إنها دورة كاملة من تكرار سيناريوهات التحرش بالأزمة مع سبق الإصرار و الترصد. والأكيد أن مؤشرات عدة تعكس همهمات الشكوى الأسية من أوجاع التعليم، ولعل لسان حاله يردد مستنكرا : قلتم كلمتكم لعقود عن مذلتي، فهل من سبيل لعزتي ؟
لن يكتب لنا السبق إذا لفتنا الانتباه إلى كون هذه الخطب الملكية قيد العرض رافقتها إصلاحات هامشية عدة على مدار ما يناهز خمسة عشر سنة ، مع اختلاف الحكومات التي عكفت على تشنيف أسماعنا بتشخيصاتها و إجراءاتها لإيجاد الدواء المناسب لهذا الداء الذي ابتليت به المدرسة المغربية. وبالرغم من كل الوصفات التي تم تجريبها والإخفاقات التي طالتها، أبت الوزارة الوصية على القطاع إلا أن تطلق لقاءات تشاورية حول المدرسة من جديد بمشاركة جميع الفاعلين التربويين وشركاء الوزارة الأساسيين إلى جانب فاعلين سياسيين وبعض مكونات المجتمع المدني وبعض الخبراء والمهتمين بالشأن التربوي، طمعا في خلق فضاءات للتقاسم والتفاعل حول الإشكاليات المطروحة أمام المنظومة التربوية وحول الانتظارات والاقتراحات في تكامل تام مع الاستشارات وجلسات الاستماع التي نظمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في صيغته الجديدة، والتي تمحورت هي الأخرى حول تصورات الفاعلين والهيئات المشاركة ووجهات نظرها حول واقع المنظومة التربوية وآفاق تطويرها، وذلك من أجل تشخيص هذا الواقع، وتقديم اقتراحات بشأن المداخل الأساسية للارتقاء بها وبمهامها وإسهامها في تحقيق أهداف المشروع المجتمعي المغربي.
دمت بخير يا وطني حتى تتعافى نفوس وعقول أبنائك بتعافي مدرستك العمومية !
ذ. الحبيب استاتي زين الدين،
باحث بكلية الحقوق، مراكش.
إصلاح منظومة التربية والتكوين في ضوء الخطب الملكية
كرونولوجيا الخطب و الرسائل الملكية للملك محمد السادس ذات الصلة بمنظومة التربية و التكوين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.