إذا كان رجال و علماء الاقتصاد يرون أن محور الدولة و عمودها الفقري يكمن في قوة اقتصادها؛ فان رجال الفكر و المعرفة بصفة عامة و المهتمين بشؤون التربية و التكوين و الفاعلين التربويين بشكل خاص يجزمون بأن المدرسة هي إكسير حياة كل المجتمعات الإنسانية؛ إذ بواسطتها تتميز هذه الأخيرة عن باقي المجتمعات الكونية- أي بالقراءة و الكتابة- و على رأسها المجتمعات الوحشية- كما يرى الانتروبولوجي الفرنسي كلود لفي ستراوس-هذا فضلا عن كون المدرسة تلعب دورا رياديا في تقدم المجتمع و ازدهاره. لكن عن أية مدرسة نتحدث؟ وهل الأمر يتعلق بأنواع عديدة من المدارس؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي المدرسة التي يتطلع لها جيلنا الجديد؟ أجل؛إن الأمر هنا يتعلق بالمدرسة الواقعية التي تقدم لتلاميذها تعلمات ؛ مفاهيم و معارف ذات معنى و مدلول وهو ما يعنى به اليوم : مدرسة منسجمة مع تاريخها الفكري و الثقافي و معنية بتحولات مجتمعها الداخلية و منفتحة على ما يجري في الخارج.ولعل أول ميزة تبرر هذا المعنى و هذه الواقعية الحداثية هو الخطاب التربوي المتداول داخل فظاءاتها الرحبة سواء بين المتعلمين والإدارة أو بينهم و بين المدرسين أو بين بعضهم أنفسهم. إن التواصل الذي تفتقده جل مؤسساتنا التربوية في وطننا العربي؛ يظل السمة البارزة للمدرسة الجديدة- مدرسة جيل النجاح كما اصطلح عليها المخطط ألاستعجالي للتربية و التكوين- إنها المدرسة التي تقوم على قيم إنسانية كونية عادلة و على مبادئ ثقافية يتقاسمها أبناء العالم مثل مبدأ التعاون و الإنصاف و التشارك و الإنصات للآخر و التحفيز و التشجيع اللذان يولدان لدى المتعلم حب الاستطلاع و المبادرة و التساؤل والانخراط عن حب و اقتناع في كل الاوراش و الأنشطة التي تقوم بها مؤسسته؛ إنها بعبارة أخرى مدرسة التواصل الفاعل و الهادف الذي يبني الأجيال الجديدة و يقلص المسافات بين الثقافات و الحضارات العالمية. ترى لماذا التواصل كمادة دراسية و سلوك استراتيجي و ثقافة بيداغوجية ؟ لان بصراحة؛ إذا كانت قيمة المواد الدراسية تموت- تقريبا- بانتهاء المواسم الدراسية و الانتقال من مستوى إلى آخر ؛ فان دينامية التواصل تتقوى و تتطور أكثر فأكثر مع السيرورات التعليمية/ التعلمية للمتعلم و مع النجاح المتواصل الذي يحرزه ليس فحسب على مستوى الامتحانات و إنما على مستوى العلاقات و المعارف و القيم و الكفايات التي اكتسبها هذا الأخير من جراء تواصلانه اليومية سواء مع أصدقاء القسم أو غيرهم و سواء مع الطاقم الإداري و مدرسيه داخل المؤسسة أو مع جيرانه و أقاربه خارجها. و تأسيسا على ما سبق يمكن القول : إن امتلاك المتعلم للكفاية التواصلية يعد بمثابة المفتاح الذهبي الذي سيلج به المتعلم كل أبواب الكفايات – و على رأسها الكفاية السلوكية التي تربي المتعلم على السلوك المدني الحسن و المروءة – و المهارات المتبقية- وعلى رأسها مهارة الملاحظة و التحليل و إبداء الرأي- ولن نبالغ في هذا المقال إذا أعطينا أمثلة حية من مشروع المربي الفرنسي سيليستيان فرينيه في التربية على التواصل التربوي و روح المبادرة و مشروع مدرسة سامير هيل و رائدها ألكسندر نايل؛ إنهما المربيان اللذان جعلا من إستراتيجية التواصل سواء مع التلاميذ أو مع الآباء و أولياء أمرهم و في انفتاح المدرسة على محيطها الخارجي أنجع طريقة لتحقيق أهداف و غايات العملية التدريسية من جهة و معالجة كل الصعوبات و المشاكل التي تحول دون استيعاب المتعلم لدروسه و فهمها فهما جيدا يقوده في نهاية المطاف إلى استثمارها في واقعه المعيشي اليومي من جهة ثانية ؛ ناهيك عن الأساليب البيداغوجية المتميزة التي تنهجها الأوساط الإدارية و التربوية لهاتين المؤسستين في الوصول بالمتعلم إلى تخطي كل العقبات النفسية- الخوف؛ القلق و الارتباك- للإقبال على دراسته بحب و شغف. ترى؛ هل سيتربى جيل مدرسة النجاح على مبدأ التواصل و الاختيار وروح المبادرة؟ ثم إلى أي حد نحن مقتنعون بهذا التحول وهذه الإصلاحات التربوية الجديدة؟ ذ: الحسين وبا