التفتيش المضاد ضرب من التفتيش يسمع عنه رجال التعليم و نساؤه، و قد يعيشه بعضهم واقعا في المؤسسات. و هو آلية نفتقر إلى النص التشريعي الذي يسمح بها و يقننها على الرغم من وجودها الفعلي في واقع الحياة المدرسية. و لعل الادارة التربوية وضعته أول ما وضعته للحسم في نوازل طارئة، أو للحد من الشطط في استعمال السلطة التقديرية المخولة لرجال التفتيش والمراقبة التربوية، أو لطمأنة رجال و نساء التربية و التعليم على أنهم في مأمن من أي شطط يلحقهم من لدن من أوكل إليهم تقويم عملهم، و ترجمته إلى نقط عددية. و إلى عهد قريب ،كانت الحالات التي يطلب فيها التفتيش المضاد قليلة إلى حد الندرة، حتى لقد تمر سنوات دون أن نسمع عن طلب من هذا النوع صدر عن مدرس. و قلتها مؤشر على أحد شيئين: العلاقة بين الطرفين جد عادية، تلتزم حدود التوجيه و الارشاد والمساعدة، ثم التقويم و المراقبة التربوية، دون إخلال بحدود المعاملة التربوية التي تستهدف التحسيس بالمسؤولية، و الحث على تحملها بوازع ذاتي، و بضمير مهني يقظ. أما في حالة الإخلال بالواجب و هو وارد بحكم الطبيعة البشرية للفاعل التربوي أو التقصير في توفير شروط صحته، فهو ما يحاول المفتشون التربويون التنبيه عليه بالحسنى قبل الاضطرار إلى إحالة المسألة على الجهات الإدارية المعنية. و قلما يضطرون إلى ذلك لكون الاستدراك واردا غالبا. و قد أثبتت التجربة أن الحوار و الاقناع هو أيسر السبل إلى أفضل الحلول. و بالتالي، تأخذ الأمور طريقها الطبيعي في الغالب، ولا يحتاج الأمر عرضا على الجهات الإدارية ،أو اللجوء إلى المساطر. و لئن كان من حق المدرسين دوما طلب إجراء تفتيش مضاد متى قابل أحدهم تقريرا بتحفظ، فإن هذه الآلية صارت تثير في أوساط المفتشين الكثير من التحفظات. و أهمها: 1) إن التفتيش ممارسة فردية لسلطة تقديرية خولها المشرع للمفتش التربوي. و يستحيل منطقا إحلال سلطة تقديرية مكان أخرى. و نتيجة لذلك، فإن أي تفتيش يجرى لاحقا لتفتيش سابق لن يكون إلا تفتيشا جديدا لا يمكن تصور علاقة بينه و بين سابقه. 2) يرتبط التفتيش بظرف زماني و مكاني و نفسي، و بتفاعل علائقي تم بين المفتش و المدرس في تلك الظروف و انقضى بانقضائها. ولأنه يستحيل إعادة تلك الظروف،و يستحيل إعادة تشخيص التفاعلات الحادثة، فإن هذه الاستحالة تطال أيضا ما أنجز فيها من عمل. و تأسيسا عليه، فإن أي تفتيش لاحق لن يكون إلا تقويما جديدا لحصة جديدة و عمل جديد، في ظروف جديدة لا علاقة لها بما سبقها. 3) و لأن ذلك كذلك، فإن المفتشين التربويين العاملين بالمقاطعات الاشرافية يتحفظون من التفتيش المضاد، و يعتبرونه مسا بمصداقية عملهم التربوي، و خدشا لكفاءاتهم المهنية. و يرون جازمين استحالة القيام به دون أن يكون في ذلك مس بهم كما تحاول الادارة إقناعهم. و يتجلى هذا الموقف في الحدة التي تطبع تدخلاتهم كلما أثير هذا الموضوع، و مهما كانت المناسبة. و مع كل التحفظات،فإن التفتيش المضاد واقع موجود في الساحة. ونحن نجد الإشارة إليه في مذكرتين تنظيميتين : 1) المذكرة الوزارية 86 بتاريخ 29ماي 1986. تقول و هي تتحدث عن مهام المفتشين المركزيين: القيام بالتفتيشات المضادة بناء على طلب من المصلحة المركزية أو النيابة. 2) المذكرة الوزارية 80 بتاريخ 06 يونيو1989. تقول و هي تتحدث عن مهام المفتشين المنسقين الجهويين:القيام بالتفتيشات المضادة بناء على طلب المصلحة المركزية أو النيابة. كما نجد أمامنا واقع الحال في الساحة التعليمية: ففي اللقاءات التي كانت تجمع المفتشين الذين هم في طور التكوين مع المسؤولين المركزيين، كانت المسألة تثار دوما، و كانت تخلف وراءها نقعا كثيرا، و نقاشات لا تنتهي إلى حسم،كما صارت تثار في الاجتماعات التي كانت تعقد بالأكاديميات بين المنسقين الجهويين و مفتشي المقاطعات، لأن مؤشر طلب التفتيش المضاد بدأ يعرف ارتفاعا على طول الخريطة الوطنية و عرضها ليدل على أن شيئا ما تغير في أوساط رجال التعليم، و طال العلاقة بينهم وبين المفتشين. أما الحالات التي باتت تعرض على القضاء الاداري باعتبار نقطة التفتيش قرارا إداريا يمكن أن يتسم بالشطط، فأصبحت تلفت الأنظار. والمثير في أغلبها أنها تكون لفائدة المدرسين، لا لوجود شطط فعلي، و لكن لأن الادارة التربوية لا تجيب عن مراسلات الجهات القضائية إلا قليلا، وقد لا يحضر عنها من يمثلها أمام المحاكم، فتكون هذه الأخيرة منسجمة مع مقتضيات القانون عندما تصدر أحكامها بناء على ما بين أيديها من مستندات و وثائق و مقالات أدلى بها الطرف المدعي(1). و ينضاف إلى هذا أن الحسم القضائي يكون أحيانا أسرع من الحسم الاداري، الشيء الذي يشجع رجال التعليم على اللجوء إلى المحاكم رأسا، على الرغم من النقاشات التي بات اعتبار نقطة التفتيش قرارا إداريا يخضع لها.(2) و أخذا بعين الاعتبار للتحفظات المسجلة و لواقع الحال في الساحة التعليمية، و انسجاما مع روح إصلاح المنظومة التربوية الجارية،نؤكد على ضرورة الحفاظ على هذه الآلية المطمئنة لرجال التعليم، و إعطائهم حق المطالبة بتفتيش جديد عقب كل تفتيش يقابل بتحفظ، تنجزه لجنة يرأسها المفتش المنسق، و بعضوية مفتشين آخرين و لم لا يكون منهما مفتش المقاطعة إن رأت الادارة ذلك ذا نفع شريطة أن يودع المعني بالتظلم طلبه داخل أجل محدود جدا لدى إدارة المؤسسة. و كلما كانت الفترة الفاصلة بين التقريرين قصيرة كان ذلك أقرب إلى رصد واقع الحال الذي رصده التقرير السابق. و يبدو أن النقاش الطويل الذي خضع له التفتيش المضاد قد أسفر عن مجموعة من الاقتراحات المعتبرة، التي تستند إلى التحفظات المسجلة، و إلى الحالات التي يعيشها الفاعلون التربويون يوميا في المؤسسات. فوجب و الحالة هذه أن تخرج هذه الاقتراحات إلى النور، لعلها تجد الإغناء و المناقشة الضروريين من جهة كل معني، و الآذان الصاغية من إدارتنا التربوية. فقد يفيد ذلك في تطوير الأداء: 1)لا بد من الحسم في مسألة اعتبار نقطة التفتيش قرارا إداريا قابلا للطعن فيه أمام القضاء.فقد أسفر اليوم الدراسي المنعقد بوجدة بتاريخ 28/04/2001 عن توصية بحصر الطعن في نقطة التفتيش داخل المجال التربوي، لكونها تفتقر إلى مواصفات القرار الإداري، و لاستنادها إلى ضوابط يعرفها رجال التربية دون غيرهم (2). فقد حدث أن أصدرت محكمة إدارية حكما لفائدة مدرس في الابتدائي بناء على مذكرة تهم الاعدادي والثانوي. 2) يحق لكل مدرس أحس بحيف أو شطط أن يطلب تفتيشا جديدا بلجنة، بعد أن يكون قد توصل بنسخة من التفتيش الذي أجراه مفتش المقاطعة، و بعد أن يكون المدرس قد أمضاه مؤشر اطلاع عليه فحسب. ويكون هذا الطلب مباشرة بعد توصله بنسخته من التقرير، معللا بمسوغات مقبولة.على أن يجرى التفتيش الجديد داخل أجل أسبوعين على أبعد تقدير من إيداع الطلب مكتوبا لدى الادارة التربوية كما سبقت الاشارة، باعتبار المسافات التي تفصل الأكاديميات عن النيابات. 3) كان للادارة التربوية دوما أن تطلب إجراء تفتيش عاد لمدرس كلما شعرت أو أخبرت بعمل غير طبيعي، أو توصلت بشكايات في شأنه من التلاميذ أو آبائهم. و لم لا يكون من حقها أيضا في ظل الوضع الجديد أن تطلب إجراء تفتيش جيد بلجنة على مدرس بعينه متى رات ضرورة تفرضه؟ و ذلك لما اصبحت توجبه بعض الحالات النادرة جدا و لكنها موجودة من تدخل فوري لتصحيح الوضعيات أو المسارات. و كمثال واقع معيش: فقد حدث أن كان لدى إدارة تربوية ملف مثقل بالتجاوزات والأخطاء المهنية و التصرفات غير المقبولة تربويا لمدرس مع تلامذته. وراسلت الإدارة النيابة في الموضوع. و استدعت النيابة المفتش لإنجاز المهمة. ففعل، و منحه نقطة تزيد عن النقطة التي كانت لديه ضدا على الملف الذي أطلعه عليه رئيس المؤسسة، بدعوى أنه يقوم العمل الذي عاينه فحسب، و لا يعنيه سواه. و لئن كانت الحالة تحتاج مناقشة أخرى، فإن الأمر يستدعي بالفعل توسيع الدائرة أكثر، و إعطاء الإدارة حق المطالبة بتفتيش جديد بلجنة متى أحست بضرورته لتوازن السير الطبيعي للعمل التربوي، و ذلك بطلب مكتوب يوحه إلى النائب الإقليمي تبرر فيه هذا الطلب، حفاظا على مصداقية الفعل الإداري، وضمانا للسير العادي للمرفق العمومي، داخل الآجال المذكورة. 4) معلوم أن المفتشين التربويين يحاولون جهد مستطاعهم حل أي مشكل يصادفونه أمامهم بالحكمة المفترضة في الفاعل التربوي، إيمانا منهم أن الإقناع يستطيع حمل المدرسين على تصحيح المسار، و العمل على اجتناب الهفوات، بعيدا عن الإجراءات الإدارية التي قد تزيد من تفاقم الوضع، وقلما كانت فاطمة عن التمادي في التجاوزات . و لئن كانت هذه الطريقة ناجعة في الغالب، فإن واقع الممارسة يكشف وجود حالات تعتبر هذه الطريقة مؤشر ضعف في الإدارة، وبالتالي لا تجدي معها،بل و يزيدها الموقف تماديا في ما لاحظه المفتش. و النتيجة علاقة لها درجة من الحساسية بين الطرفين، و مبتعدة عن التربية و ما يشتق من لفظها. و نتيجة تردد الإدارة أو تراخيها في اتخاذ ما بين أيديها من إجراءات إذا طفح الكيل، و اضطر مفتش إلى مراسلتها و إخبارها بوقائع تمس بقيمة العمل التربوي كما يقتضي القانون، فإن هذه الحالات بدأت تتكاثر أيضا. وقد و جب أن تنتبه إليها الجهات الإدارية المعنية قبل فوات الأوان. و اختصارا لطريق الإصلاح، لم لا يكون من حق مفتش المقاطعة الإنسان/ الموظف هذه المرة أن يطلب هو أيضا تفتيش مدرس بلجنة، بتقرير يكشف سبب امتناعه عن إنجاز هذا العمل منفردا، تفاديا لمضاعفات علاقة حساسة بين الطرفين. فمن شأن هذا أن يضمن خضوع الجميع للمراقبة و في كل الظروف، و بالتالي يريح من الكثير من المساطر الادارية التي تطول و تستهلك الزمان، و يدفع أبناء المغاربة في الغالب ثمنها بضياع الحق في حصيلة تربوية وازنة, 5) و أخيرا، فإن التفتيش الجديد الذي يطلبه مدرس أو مدير أو مفتش ينبغي أن يكون عملا تقويميا دقيقا، يعطي المدرس حقه، و يؤاخذه بما عليه. و ذلك بتعبئة استمارة معدة سلفا بناء على التوجيهات الرسمية المتعلقة بالمادة، و على المذكرات الوزارية المحددة لما هو مطلوب من الفاعل التربوي،إن على مستوى الإنجاز أو التقويم أو على مستوى الوثائق التربوية …. و هو ما لا نستطيع الجزم بأن التفتيش العادي يكونه دائما. إننا نعتقد أن التفتيش التربوي لا بد أن يكون تربويا في كل الظروف، و لا بد من توفير ضمانات لبقائه تربويا ، كما نعتقد أن الصيغة المقترحة تحقق الأهداف التي من أجلها كان التفتيش عاديا أو مضادا، وتقترح مسطرة أولية لتفتيش بديل عن التفتيش المضاد، و تضمن لكل الفاعلين التربويين أنى كانت مواقعهم و بمختلف مهامهم حدا أدنى من مصداقية الفعل الذي هم مكلفون به. و في كل الحالات، فإن المستفيد الأول من هذا العمل هو الفعل التربوي بما هو فعل ميداني يخضع للمراقبة والتقويم، و يستهدف إنماء قدرات و كفايات مدرسينا و مدارسنا. و الله من وراء القصد، و هو يهدي السبيل. هوامش: 1) تراجع الأحكام الصادرة عن مختلف المحاكم الادارية في الموضوع ،و التي تنشرها العديد من المنابر ذات الاهتمام. 2) يراجع: السلطة التقديرية و رقابة القضاء على التنقيط و تقدير الكفاءة في نطاق الوظيفة العمومية.ذ.عبد الله الادريسي كلية الحقوق بوجدة. مدى مشروعية الطعن في تقرير التفتيش أمام القضاء. ذ. رمضان مصباح من منشورات الجمعية المغربية لمفتشي التعليم الثانوي .