انتهت الإمتحانات الإشهادية ، سلك البكالوريا في دورتيها العادية والإستدراكية وخلفت ورائها سيلا جارفا من الأسئلة العريضة والمستعصية والمصيرية. سأتناول هذا الموضوع، بعيدا عن لغة الأرقام و سياسة ” العام زين” التي تعشقها الوزارة الوصية، انطلاقا من تجربة معاشة داخل القاعات ضمن مهمة يسميها البعض الحراسة والبعض الآخر المراقبة وكلتا الكلمتان تحملان معنا عميقا دالا. كما أنوه منذ البداية ، و بشكل مبدئي ، على أن مقالاتي هذه لا تتغيأ النيل من أحد ولا تحميل المسؤولية لأي طرف بشكل حصري أيا كان هذا الطرف، وإنما تتوخى تقديم وصف تصويري ينقل الواقع التربوي/التعليمي ، كما هو بدون زيف ولا مبالغة، قدر الإمكان من أجل المساهمة في تشخيص موضوعي للوضع وبالتالي البحث عن حلول مناسبة. فالتربية والتعليم تعد، وفق أعلى سلطة في البلاد، القضية الأهم والأولى، بعد القضية الترابية. ومجال بهذه الأهمية لا يمكن أن يكون مسرحا ” للنفخ” في الأرقام والقفز على الواقع. ومعالجتي لمعضلة الغش تأتي لدق ناقوس الخطر وتبرئة الذمة من ”تسوس” يهدد بنيان نظامنا التربوي/التعليمي بالخراب ،لا قدر الله. إن المتأمل لإفرازات امتحانات البكالوريا في أبعادها المتعددة ،خاصة ما يتعلق باستفحال ظاهرة الغش وشرعنتها وكذا هزال التحصيل الأساسي والضروري للتلاميد، ليخرج بخلاصة وضعنا التعليمي المحتضر. سأتناول في مقالي المتواضع الأول، ضمن سلسة مقالات حول المواضيع ذات الصلة، تيمة أسميها صناعة الغش. نعم لقد أصبح الغش في امتحانات البكالوريا صناعة قائمة لها موادها الأولية الحروز ومصانعها محلات للنسخ وزبناء أوفياء (تلاميذ نجباء) وحراس أمان (بعض السادة الأساتذة و بعض المراقبين) ووسائط عدة (هواتف وغيرها). أعلم أن ظاهرة الغش في الإمتحانات ليست جديدة ولا تخص المغرب وحده ، غير أن الجديد والخطير في هذه الآفة هو: 1 التطبيع مع ظاهرة الغش كأنها مسألة عادية وبالتالي تقنينها وشرعنتها حيث يستغرب التلميذ حرمانه من هذا ”الحق” 2 اعتماد المترشحين كلية على الغش حيث يبدؤون في المحاولة منذ الخمس دقائق الأولى لانطلاق الامتحانات وعدم قدرة أغلبهم على تحريك القلم على ورقة التحرير إذا لم يسمح لهم بالغش. 3 مساهمة أطراف خارجية في عملية الغش (أباء، أمهات، أصدقاء، أساتذة(اكدت لي تلميذة توصل تلاميذ برسائل من أستاذتهم) مما ينشر تقافة الغش بين أفراد المجتمع وخاصة بين أفراد العائلة والذين عوض مساعدة أبنائهم و إخوانهم ~أخواتهم على الجد والإجتهاد و الإعتماد على النفس، يسهلون لهم عملية الغش وما يتبع ذلك من انهيار قداسة طلب العلم والمعرفة... 4 إقتناع شريحة مقدرة من السادة الأساتذة بمشروعية الغش تحت ذرائع عدة : مساعدة التلميذ على الحصول على البكالوريا رغم ضعف مستواه من أجل خلق مشكل للدولة، والتي يجب حسب حجة المدافعين عن هذا الطرح، أن تدفع ثمن مسؤوليتها عن فشل سياستها التعليمية...كما يعتبرون أن مبدأ تكافؤ الفرص الذي تنادي به الوزارة وتدعيه غير متوفر بين المناطق الحارة والمعتدلة وبين الأرياف والمدن... يتبع